في كل مرة تأتي فيها سيرة الممثل السوري دريد لحام يتصوّر المرء أن لا جديد يمكن أن يقال، فالرجل بات واضحاً للغاية في اصطفافه، بل وفي انحطاطه فيما ينكر أبسط الوقائع، ويسوق أكثر الآراء وقاحة. لحام بات معلوكاً إلى الحدّ الذي باتت مجرد مشاهدته «تلعّي النفس» خصوصاً وهو يكرر عبارة النداء المائعة الخاصة به «شوفي يا قلبي».
تقول لنفسك لا بأس من المشاهدة، لترى كيف يمكن أن يبدع الرجل كل مرة في التحايل على ما يفترض أنه أسئلة صعبة. لكن دريد وصل إلى الدرك الذي لم يعد يفرق معه إن تَنَاقَضَ أو تهافتَ أو كذب، ليس فقط لأن من يقف في صفّ نظام مجرم لم يعد لديه أي رادع لما يقول، بل لأنه دريد لحام، الطائفي بوضوح شديد، الذي لا يتردد في تحقير نفسه حين يصفها بأحطّ ما يمكن «صرماية الوطن» المزوِّر والمنكِر لما لا يريد رجال المخابرات السوريون أنفسهم إنكاره. إذ يقول، في مقابلة جديدة، تفسيراً لتصريح سابق، إنه لم يقصد المخابرات السورية بقوله إنه يخاف المخابرات أكثر من الله: «مو المخابرات السورية. كل مخابرات العالم، وعلى رأسها المخابرات الأمريكية اللي ممكن تفتح سجن أبو غريب وتحط فيه ناس بريئين، وتعذبهن في سبيل أهداف سياسية أو استعمارية». من المرجح أن مخابرات النظام السوري لن تكون راضية عن شروحات غوّار، فلقد بذلت ما بوسعها كي يخافها الناس فعلاً أكثر مما يخافون الله. صرفوا ميزانيات وخططاً وبرامج كي يصلوا إلى مواطن مثاليّ مذعور، ليس من أجل أن يفسد دريد الخطط الدموية بتصريح تلفزيوني متسرّع.
أشجار غادة السمّان
تسأل مذيعة «سكاي نيوز» دريد لحام كيف تحوّلَ من «صوت المقهورين» إلى صوت للسلطة. ربما فوجئ هو نفسه بالتوصيف. كدنا نسمع صدى السؤال: «أنا؟ صوت المقهورين؟ من قال؟ متى؟». لكن غوار قال لنفسه ولمَ لا يسوق فيها (في الحالة) ما دام الإعلام يعظّمه على هذا النحو: «أنا في ضفّة الوطن» وأكثر: «أنا ومن بقي معي مذكورون في القرآن الكريم. التين والزيتون وطور سينين. نحن التين والزيتون المغروسين في رحم بلدنا». ويروح غوار يستنجد بكلام ينسبه لمواطنته الكاتبة غادة السمان: «لا تحاول أن تأخذ شجرتك معك إلى الغربة لتحظى بظلّها، لأن الأشجار لا تهاجر. ونحن أشجار لا تهاجر».
من حق دريد أن يحتفل ببقائه وأن يتمشدقَ كما يهوى، ولو أننا نذكّره بأن صاحبة نظرية الأشجار التي لا تهاجر تعيش الآن في باريس منذ عقود، ولو أنها بقيت في البلد لأصبحت حسن م يوسف، حسب نظرية للأخير قال فيها إن من يترك البلاد يصبح أدونيس وسليم بركات، ومن لا يتاح له الهجرة يصبح مثله؛ شجرة بلاستيك في صالون البيت. كما نودّ تذكيره بأن من «هاجر» من السوريين لم يختر الهجرة، على ما يؤكد «أنا ما بتصور في حدا هجّرهن» فكيف يختار نصف الشعب السوري الهجيج، وإن اختار ذلك حقاً بمحض إرادته ألا يعني ذلك شيئاً؟ أليس الرحيل شكلاً من أشكال التصويت على نظامك وفي ما إن كانت سوريا-الأسد صالحة للعيش أم لا؟!
أما عن المذكورين في القرآن الكريم فثمة كائنات كثيرة العدد مذكورة فيه، من المنافقين إلى الكفّار، إلى أنواع أخرى من الثدييات والمجترات والمسوخ والركوبة والحشرات والزواحف، وسواها.
رماديو النظام السوري
يكاد جبروت الصين يتفوق على أي من الأقطاب الكونية الأخرى، لا لرجحانٍ في القوة العسكرية، بل بسبب من إصرار الصين على التدخل وإيقاف كل نقد لسياساتها. تجهد الصين أخيراً في منع معرض فني في مدينة بشمال إيطاليا للفنان الأسترالي-الصيني باديو ساو، المعروف بنقده اللاذع لـ «الحزب الشيوعي الصيني» حسب فيديو على «سي إن إن» فقد طلبت السفارة هناك من عمدة المدينة إلغاء المعرض.
يقول باديو ساو إنها ساحة معركة تستخدم اللغة المرئية والانترنت لإلغاء الرقابة. عندما يُسأل الفنان عن الفائز في المعركة يجيب بـ«أنها معركة طويلة، لكن حقيقة حدوث هذا المعرض ربما تكون فوزاً صغيراً».
نعم. لا شك. إنه فوز صغير على جبروت الرقابة الصينية، وفي الوقت نفسه على تواطؤ الشركات العالمية التي لها مصالحها في الصين، التي تجعل المعركة مع هذا النظام الاستبدادي أكثر صعوبة، ولذلك تكتسب المحاولة الصغيرة معنى كبيراً، رغم أنها تبدو لا شيء أمام الجبروت الكوني الصيني.
ليس على الفنانين السوريين أن يحبطوا ويتراجعوا أمام ضربات المتموّلين الرماديين وأصواتهم الناهضة في زمن الهزيمة، تلك التي راحت تطالب منتقدي النظام السوري من الفنانين بالصمت بذريعة رفعة الفن وأولوية الفرجة على ما يسمونه الالتزام، (باعتبار الأخير تهمة لا بدّ من التنصّل منها!).
كل معرض، وكل لوحة، كل صوت، وكل ضربة ريشة فوز كبير على النظام، وعلى رمادييه.
في رثاء سهير البابلي
العناوين الصحافية الأكثر غرابة في نعي الفنانة المصرية سهير البابلي تلك التي تحتفل بانقلابها على المسرح، بشيطنته، واعتبارها أنه كان مقلباً كبيراً. كأن المسرح هو الشيطان، العدو الأول والأخير للإيمان!
غريب فعلاً، لأن حب الناس للسيدة الراحلة كان بالضبط بفضل المسرح، بفضل تلك المقاطع الجميلة التي تملأ فضاء وسائل التواصل الاجتماعي بالمتعة والضحك.
من دون كل ذلك لن تكون سهير البابلي سوى اعتزال المسرح، وارتداء الحجاب، ودعوات مديدة لعبدالفتاح السيسي حتى ربع الساعة الأخير: «خليكوا الدراع اليمين لعبدالفتاح السيسي، حافظوا عالبلد معاه، ده بيشتغل بقلبه ومخلص..».
*القدس العربي