راشد عيسى: العلم الأوكراني ينتصر … فصل السياسة عن حبة القمح … وماذا تعني لكم هذه المصافحة!

0

الأعلام التي يتبناها الطغاة لا تطاق، تلك التي يحشر الناس في ظلالها حشراً، ومن أجلها يُشْلَع الأطفال من نومهم الدافئ كي يهتفوا للعلم، بكلمات هادرة غير مفهومة. الأعلام ذاتها قد يعيد الناس اختراعها على طريقتهم، تبدو أجمل، عندما تصبح رمزاً معمداً بالدم والعذاب والدموع للحرية وتحدي الظلم والاحتلال. لن تتمالك نفسك عندما تشهد جماهير كرة القدم تهتف للاعب أوكراني، وهي رافعة علم بلاده الساحر، الذي كان مجهولاً لمعظمنا عشية الرابع والعشرين من الشهر الجاري، تاريخ الاجتياح الروسي للبلد الأوكراني الآمن، لا اللاعب تمالكَ نفسه ولا نحن. نبكي أمام العلم لأنه هذه المرة رمز للجمال الخالص، بلونيه البديعين، للحرية، والأمل بعالم خال من بوتين والبوتينين.

ونعم، وردّاً على فلاديمير ما أبو عفش:
هذا العَلَم، الآن، وإلى نهاية هذا «الآن» هو عَلَمي.
لا رئيس، ولا زعيم، لا حلف، ولا حزب. فقط هذا السحر، رحابة السماء، كما رحابة حبّة القمح.

ليس من أجلكم

قد يكون الرئيس الأوكراني مناصراً بالفعل لسياسة إسرائيل (ورغم ذلك ما زال موقف إسرائيل الرسمي ضبابياً من الاجتياح الروسي لأوكرانيا).
وقد يكون هناك بالفعل مستوطنون إسرائيليون خرجوا في تظاهرات مناصرة لأوكرانيا (برغم موقف حكومتهم الضبابي)، قد تكون شرطة الحدود الأوكرانية، أو أي دائرة رسمية أخرى أظهرت عنصرية تجاه اللاجئين، سوريين كانوا أم أفغان، لكن الأكيد أن بوتين لا يقصف أوكرانيا الآن لكل تلك الأسباب، بل هو يقصف أحلام شعب ببلد حرّ وديمقراطي، بذريعة تهديده للأمن الروسي، علماً أن أوكرانيا تخلت طوعاً عن سلاح نووي كان أجدى لها من صواريخ الناتو.

ها أنتم ترونه (بوتين) مناصراً ثابتاً لمصالح إسرائيل، هل كان للقصف الإسرائيلي في مختلف الأرجاء السورية أن يستمر من دون رضا أو تنسيق أو تواطؤ روسي؟ كيف تنظرون للعلاقة الوطيدة لبوتين مع مجرم تاريخي مثل بشار الأسد؟ بل كيف ترون تصريحات الأخير المناصرة للاجتياح عندما قال إنه «تصحيح للتاريخ، وإعادة للتوازن في العالم»! من حسن الحظ أن «الجبهة الشعبية- القيادة العامة»، ولا «الجبهة الديمقراطية»، لا قناة «الميادين» ولا «اتحاد الكتاب العرب» في دمشق، في إمكانهم التأثير في مسار هذه الحرب.

الموسيقى والسياسة

في الوقت الذي يصيح فيه الرئيس الأوكراني «يا وحدنا» نشهد تضامناً عالمياً قلّ نظيره مناصراً لحق الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم، على المستوى الرسمي لا بدّ أن هناك بعض المفاجآت لحسابات بوتين، لا نحسبه مثلاً كان يتوقع أن يصل الموقف الألماني إلى هذ الحدّ، هذا الذي كان متردداً حتى بالاستغناء عن خط الغاز «نورد ستريم»، لكن على المستوى الشعبي التضامن أبعد بكثير، على ما يبدو أن الناس ستحارب كل ما يمت للثقافة الروسية بصلة، أخيراً وصلت الحرب إلى الموسيقى، فقد سحبت  أوركسترا زغرب الفيلهارمونية مقطوعتين موسيقيتين للمؤلف الروسي الشهير تشايكوفسكي من حفلة لها الجمعة تضامناً مع أوكرانيا، وقال مدير الأوركسترا «نحن فنانون، ولا يمكننا أن نحارب إلا عبر الموسيقى»، أما المسرح الوطني الكرواتي في زغرب فقد أعلن عن تأجيل حفل مرتقب بعنوان «سرينادة روسية». ألغيت باليه للبولشوي في لندن، كما أوقفت مشاركة مايسترو روسي في نيويورك، وستُحرم روسيا من المشاركة في نسخة هذا العام من مسابقة «يوروفيجن».

بالطبع لا دخل لتشايكوفسكي، ولا لموسيقاه، وقد يحدث أن يكون بعض راقصي البولوشوي، أو مايسترو نيويورك ضد سياسة بوتين بالكامل، لكن هذا جزء من جناية بوتين والبوتينية بحق روسيا ثقافة وتاريخاً وشعباً، هل يمكن القول دائماً بفصل السياسة عن الموسيقا والرياضة والأدب،.. هل يمكن فصل السياسة عن حبة القمح، ومنها «يبزغ فجر الحياة وفجر الحروب»!
عندما تندلع الهمجية والتوحش لا يُعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور.

مصافحة للتاريخ

موقف المملكة السعودية المحايد إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا يحال إلى أسباب عديدة، من بينها لوم بايدن للرياض بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، والبرود الأمريكي في الدفاع عنها إزاء هجمات الحوثيين، لكن سبباً ساطعاً هو فوق كل الأسباب، لا بدّ أن مناصري بوتين من العرب يتجاهلونه اليوم، فقد كان بوتين المناصر الأبرز لبن سلمان بعد جريمة قتل خاشقجي، رغم كل (وربما نكاية بـ ) العزلة الدولية التي أحيطت به، وتسجّل مصافحة شهيرة بين الرجلين بعد أسابيع فقط من الجريمة، في قمة الأرجنتين، كواحدة من أشهر المصافحات الدبلوماسية.
انظر الفيديو مجدداً، سترى أمام أي نوع من الزعماء. تلك المصافحة، وعلى العكس من السبب الذي ولّد المصافحة كإشارة على خلوّ الأيدي من السلاح، ليست سوى إعلان وقح عن تأييد وارتكاب الجريمة.

*القدس العربي