يتغير كلّ شيء في ليلة واحدة، تستيقظ صباحا، فلا تعود كما كانت.
إحباطات متكرّرة، خيبة أمل مفجعة، وسماء كأنها تهرب إلى عتمات الغيوم.
القرارات تسرق دواخلها، مثل لصّ (أمين) لتدرك أنّها مسروقة؛ لكن تحت علمها.
تلملم بقايا حياتها وترتب بقيّة الدفء من ملابس مركونة.. والحقائب تنتظر!
يرّن الهاتف، يتكرّر الرقم في اليوم التالي، وبين حالة اليأس والكسل تردّْ:
ـ كيف حالكِ؟
ـ إنني ألازم سرير العبودية، خروجي عذاب
ـ وبقاؤكِ؟
ـ أيضا..
المسافات تحكمها أوجاع النفس والأمس! تخاف كلّ شيء، حتى (هو) تخافه، لأول مرّة في حياتها تشعر بأنها وحيدة، وأنها (هي) وليست غيرها!
الوحدة التي ينأى بها جسدها المتعب عن الناس كلّهم وبشر العلاقات.. ثمّة إحساس عارم بالتحدّي، رغم ذلك، وحراك داخل هواجسها لا يجعلها ترتاب، بل تطوف.
ضباب كثيف، تتأمله ولا تأبه له، فهي لا تعلم متى سينقشع، لا علاقة للشمس بهذا الضباب الآخر، لأنه يغمر نفسها وليس الكون، ومهما يكن لتشرق الشمس إذن، إنها العادة؛ لكن حين تشرق روحها، وتطلع شمس نفسها حقا خارج ليل الهجر والبعاد، وإن بدت في صلب لجته وعتمته. صمتٌ قاسٍ تخشاه وتتحداه، وتلك مفارقتها: تتحداه حين تصمت فقط، مع أنّها لا تخفي رنين صمتها عن قلبها، (فهو) يدقّ عليها الأبواب حد أن راح فمها يسأل قسوته الرحمة:
ـ متى تعتقني؟
ـ أنتِ حرّة!
ـ كيف؟ صار وهمي سجني.
ـ ماذا تريدين؟
ـ الروح المتمرّدة لا تريد الاستكانة؛ لكن القلب متعب، هو الذي يريد.
ـ ماذا؟
ـ الطمأنينة، القطارات تنتظر، هل هي في سبات؟
القطارات قد تنام أيضا، رغم عويل الطرقات وبكاء الطيور، أليس لهذا التيه من حد وحدود ونهاية؟ تريدُ أن تكون كما تريد، امرأة من سلالة أور في زمن رخو!
تنحاز إلى أنوثتها، إلى حرية افتقدتها، وإلى خيال أن تكون امرأة من سومر، عشتار، وهم أسطورة، كما الأميرات، الآلهات، العاشقات. وصعب أن تظلّ ذلك الكائن المندغم في ليل التقاليد. جاهرت، وجاهدت حتى جاء النهار خجولاً أول الأمر، ثمّ صادحا كالجرأة. إذ ذاك أطلّت وفي داخلها نور المسرّة، هي مغسولة بالضوء، نظيفة مثل صفاء سعيد، وإلى نهار قلبها، ذهبت بخطى مسرعة، كأنّ في قدميها نارا، وقرّرت عُبُور شرك القحط.
*القدس العربي