خواطر…

0

رقية حاجي

مجلة أوراق العدد 13

نصوص

خاطرة مجنونة

نصف جنون الزيت مرتفع سعره يا أبتي والزيتونة في غيبوبة جذور بغيبوبة مصحوبة بأعصاب الألم الخبز يا أبتي حلم كيف لتلك الأيام هضم قالوا: هي فترة دامسة هي زحلقة حقبة هل عاش جدي مثل تلك السنين الصعبة؟ هل خبزت جدتي الدقيق بدموع الكربة؟ برد … من نخاع الريح لا تهدأ لا تستريح مكشرة عن لونها القبيح أبتي قد ضاع ثمن الجورب قد ضاع ثمن الدفتر في جب المستقبل في حفرة حفرها ثعلب أو أكثر أمان سلك الكهرباء أمان بإمكانك أن تحتضنه وتنام لا مكان للرعب مع الكهرباء فهي أسلاك تنعم بسلام في الهواء الملح انسلخ يا أبتي عن الماء حين هبت عاصفة عمياء لا تخف يا أبتي سنشرب الحليب من الحجر فمزارعنا قد هجنت البقر واللحم تزرعه بالأحلام شحم يقطر من شجرة الأوهام تقطف منها دسماً هذا كله لأننا بخسنا العلما العسل وما أجمله من لون تبيضه الدجاجة في خلية الكون خذ منه يا أبتي القشر فهذا نصف الجنون لا تلمني يا أبتي إن نمت مع النملة في جحرها فبيتنا تسكنه عفاريت أوقدت سحرها انظر على السقف أحدهم يأكل الاسمنت وفي الأرض أحدهم يحفر تحت البيت وعلى الجدار عفريتة وضعت لوحة برسم البيع هذا البيت ورغيف الخبز وقطرة الزيت رقية حاجي.

توبة خجولة… خاطرة نثرية

توبة خجولة ذات مرة قررت التوبة عن الكتابة توبة عن مراقبة أسراب المعاني ذات مرة كتبت ألفا من الندم وأسرفت بالدمع على خاصرة العين كم من توبة عن شيء هي إصرار خجول ذات مرة حبست كتبي وعينت توبتي سجان كبرت معصية الإصرار وتحولت كتبي بقلبي لأطفال صغار أقلعت عن القصيدة الثائرة التي تمطي مفاتن الحب وتنحذر من شهقات السياسة وكلما أقلعت أكون قد تناولت وعاء هاربا من رف الذاكرة في داخلي توبة تشدني وتقمع جموح المساء توبتي عن القلم مشبوهة تقتات على نون والقلم وما يسطرون … أيعقل أن أقرأ نون ثم يلفحني السكون على وسادة السطر نصف قصيدة تريد أن تكبر تريد ان تنجب وأن تتزين بحلية الإحساس ثم لا يكتمل المعنى الحب نصفه سياسة نصفها أبجديتي نصفها فنصف للتوبة ونصف للعقوبة نصف للحق نصف للإرادة المسلوبة نصف للوردة العزباء ونصف لبساتين مطلقة كل هذا بنصف قصيدة وتوبة خجولة رقية حاجي

خاطرة… الهاتف

تستيقظ في الصباح، تلتقط هاتفك عن الطاولة الجانبية، تتفقد رسائلك، تمر على بعضها دون تمحيص، وتتوقف عند بعضها الآخر، هناك ما يزعجك، وهناك ما يسعدك، ثم تبحث عن رسائل لم تصل، تتفقد المحادثات القديمة طمعاً في رسالة لم تقرأها، لكنك تتنهد و تنتقل لحساباتك على السوشيال ميديا، تقلب الصور والأخبار، تكتب هنا أو هناك، تحكّ رأسك، تتنبه للساعة، تنتفض، لكن الهاتف يظل في يدك عند دخول الحمام، وعند الفطور. ترد على بعض الرسائل، وقد تشارك بعض الصور والعبارات مع الأصدقاء، قد تصوّر فنجان قهوتك، وقد تبتسم، لكن الشاشة وحدها تعكس ابتسامتك.. تُشرع في عملك، وفِي رأسك صدى ما تلقيته من الشاشة، تعود فتتفقد الهاتف بين الحين والآخر، لا رسائل جديدة.. تقلبه على وجهه علّك تصبح أكثر تركيزاً على عملك، لكن شيئاً لا إرادياً يتسلل إلى يدك، أصابعك، خدرُ لذيذ يسحبك نحو الهاتف، تتذرع بتفقد أمر مهم، و تنساه فور أن تبدأ تصفح التطبيقات، أو تشرع في كتابة خاطرة عبرت مخيلتك، وألحّت عليك لنشرها.. على الغداء والعشاء، وبين اللقمة واللقمة، نظرات خاطفة على الشاشة، تحصي عدد الاعجابات، تجوس بريد التعليقات، ويزعجك أن البعض لم يفهم ما عنيته، أو انتبه لتفاصيل غير التي تهمك، ويزعجك أكثر، ذلك الذي أردته أن يقرأ ولم يفعل.. وعندما تهمّ بالاسترخاء على كنبتك الوثيرة تحدث نفسك؛ الآن أستطيع تفقد الهاتف! وكأن ما مضى كله كان تحت الحساب.. في المساء، تريد أن تفعل شيئاً مختلفاً، نزهة مع أصحابك، وقتاً لعائلتك، سهرة منزلية، أو واجبات متراكمة، لكن سحر الشاشة المضيئة يجذبك، يقذفك من خبر لخبر، ومن صورة لأخرى، ومن مشاعر إلى مشاعر أقوى، حتى تجد نفسك في فراشك، والهاتف واقف بينك وبين النوم. عندما تستسلم أخيراً، تعيد ضبط المنبه، تضعه بجانبك، ولعدة ساعات، ساعات قليلة، وأنت غارق في نومك، تعيش حياتك الحقيقية في (حلم)..

تشتت أفكار لمشروع كاتبة

لا أعرف من أين يأتي الكُتّاب بهذا الجَلد على الكتابة! وبهذا الانصياع للكلمات والحكايا! وبهذه المازوشية اللعينة التي تبرر لهم كل الآلام التي تُحدثها الكتابة.. أمّا أنا، فقاومتها-للمرة الثانية- قمعت صوتها، وسددت إليها الضربات، كِلْتُ لها الشتائم واللعنات، ثم أنكفأت على نفسي وبكيت.. ثمّ عدت من حيث أتيت، وحنثت بيميني.. و رجعت بعدما أقسمت على تركها نادمة.. خمسة شهور وأنا أقتات على ذاتي، أمرّ بجانب المسودّات الأخيرة فأُطفىء نارها في قلبي ، وأسدّ عيناي عن وهجها.. كنّت قد بدأت روايتين، وظننت -واهمة- بأنني تمكنت منهما، قبل أن أفقد الاحساس بهما في يوم واحد.. وحلفت بالرحيل دون رجعة؛ قلت في نفسي: أنا أم، وطالبة، ومغتربة، وصاحبة أفكار متشعبة، جامحة المشاعر، غريبة الأطوار، متمردة، متقلّبة المزاج، حزينة جداً، ويتيمة؛ ولا أحتاج المزيد من الفوضى والحزن في حياتي.. قلت؛ الرواية ليست لي! جربتها مرة.. والثانية ظلّت في غمدها.. لا أحتاج إلى رواية ثالثة تفصلني عن الواقع، وتربطني بأشخاص يقتاتون على دمي وأعصابي.. لكنني في هذه الليلة، ودون سابق إنذار، ودون انتظار.. عُدت. لثمت مواضع الحروف، قبّلت نواصي الكلمات، وجمعت ما تناثر من دم الأبطال على ذاكرتي في المحبرة.. هذه المرة الثانية التي أدرك فيها بأن الروايتين؛ رواية واحدة.. وأن الفجوة بينهما: أنا..