تشكل حقبة كورونا التي ارخت بظلالها على العالم منذ أواخر سنة 2019 فرصة تاريخية لمفاوضة أشكال الانتماء التقليدية traditional forms of belonging/ness التي تسود مجموعة من المجتمعات والبلدان، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة تأثيرات صدمة الاستعمار colonial shock/trauma. ومن شأن هذه المفاوضة، من زاوية نظر متفائلة، أن تخلخل بنيات هذه الأشكال والصيغ (الانتمائية) التقليدية لتفرز أنماطا أكثر شمولية وإنسانية، تكون فيها سعادة ورفاهية الإنسان/الفرد إلى جانب الوطن ككل، المنطلق والغاية والمنتهى. فكلما أحس الانسان/الفرد بأهميته وقيمته، كلما زاد ولاءه وانتسابه إلى المجتمع الذي يعيش فيه، وكلما زادت رغبته في خدمة ذلك المجتمع والاحتفاظ به والتضحية من أجله أيضا. كما أن شعور الأفراد بالانتساب الوجداني الفعلي يعزز تماسك مجتمعهم، ويقوي، بشكل تلقائي، إيمانهم بضوابطه ومعاييرهregulations and norms . كما أنه يفرز “الولاء الطوعي” له كأسمى درجات الانتماء، مما يولد لديهم، السعي الحثيث واللامشروط نحو خدمته ونهضته وصيانته، ومن ثم التأسيس، بلا شك، لانتماء أشمل، بل أهم: الانتماء الوطني الفعلي…
إن تحقيق هذه الغاية الكبرى، أي الانتماء الوطني الفعلي، يجب أن ينطلق من “مفاوضة” negociation أشكال الانتماء التقليدية السائدة والمؤثرة في “المجتمعات والبلدان المصدومة استعماريا”colonially shocked societies and countries . وهي مفاوضة ديالكتيكية/جدلية تقوم تحت لواء “المنطق” و”الموضوعية” وكذا “المصير” الوطني المشترك. كما أن وسائل وآليات اشتغالها تنهل من النقد-ية (نقد الواقع وأشكال الانتماء التي أفرزته) والتفكيك-ية ثم التأسيس-ية أو البناء-ية، بشروط الواقع الحالي المعاش في تفاعل مع “المعاش الكوروني” المستجد، لكن دون نية النقد والمحاسبة واستنزاف الطاقة والجهد في رثاء الأطلال التي خلفتها تجارب ما قبل الجائحة. إنها مفاوضة تتسامى عن هفوات حقبة ما قبل كورونا pre-corona condition/era، وتتفهم وتستوعب إكراهات حقبة كوروناcorona condition ، وتجتهد وتجدد وتؤوّل في سبيل حقبة ما بعد كوروناpost-corona condition/era : المستقبل برغبة “الوطن المزدهر”، وبضمير جمعي-تكاملي-إيثاري (“نحن النحن/ We the We”)… ضمير متماسك لا يستثني أي فرد داخل الوطن، بغض النظر عن العقيدة واللسان والثقافة والاثنية والمجال والطبقة الاجتماعية.
الفشل في مفاوضة أشكال الانتماء التقليدية الراهنة في حقبة كورونا، وعدم القدرة على تحليل واستيعاب نتائجها وامتداداتها تربويا وصحيا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا وفكريا من طرف كل مكونات البلد الواحد دون استثناء، قد يضيع فرصة تاريخية في تهيء وبناء وإنضاج الشروط الموضوعية والذاتية الملائمة للانتماء الوطني الحقيقي لحقبة ما بعد كورونا. والنتيجة قد تكون استقواء وتجدر أشكال الانتماء التقليدية التي احرجت جائحة كورونا إفرازاتها على عدة أصعدة (صحية وتربوية واجتماعية وثقافية). وخطورة تجدر تلك الأشكال التقليدية، في أغلب الظن، ستكمن في تعزيز “تقادم هشاشتها” من جهة، واحتمال تطور درجة تجدد وفتك وعنف الموجات والجائحات الكورونية (فيروسية/وبائية) في المستقبل. فلنتصور جميعا مشهدا لا أحد منا يتمنى تحققه؛ مشهد تقوم فيه “الهشاشة المتقادمة”، كإفراز مباشر لأشكال الانتماء التقليدية رغم الدرس الكوروني البليغ-الأليم، بمجابهة كورونات coronasمتطورة ومتجددة باستعمال وسائل بدائية وبنيات خدماتية رديئة ووعي سلوكي مزيج من التنظيم والفوضى والحجر والضبابية والغموض والانفلات والخوف والدهشة و”الفقدان” alienation… هذا المشهد لا أحد يريد أن يتكرر لتحاشي السقوط في “واقع خراب” The Waste Realityسمته اللسع/اللدغ المتعدد والمتجدد عن “وعي/إدراك” و”ترقب/انتظار”، وبطريقة ماسوشية masochistic تؤذي، وقد تدمر الكل قبل الذات ( أي بدافع سادي sadisticموازي) sadomasochism
*مادة خاصة بالموقع