يركز كتاب «تلال الفردوس»، الذي صدرت نسخته العربية عن دار صفصافة بالقاهرة على قصص وأفكار تدور حول الجسد الأنثوي، وتشكل تاريخها، في أنحاء مختلفة على ظهر كوكب الأرض. وخلال فصوله الثلاثة تشير مؤلفته الكاتبة والروائية الهولندية مينيكه شيبر إلى أن بعض هذه الأفكار تجاوزت الحواجز الاجتماعية والثقافية، وساهمت بالفعل في تحرير النساء، ومنها ما جرى إعادة بنائه من جديد على نحو راديكالي. مما يعني أن النساء مازلن واقعات في أسر تقاليد انتقلت عبر العصور، تربطهن بأسلافهن على نحو أوثق مما قد يتم إدراكه. ومن هنا لا بد من فهم الماضي.
ترى شيبر في الفصل الأول من الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية عبد الرحيم يوسف، أن الأساطير لعبت بطريقة ماكرة دوراً رئيسياً في تاريخنا. ورغم التطور الكبير في القرن العشرين، حين بدأت النساء في شغل وظائف كان من المتعذر عليهن فيما سبق الوصول إليها، فإن هذا التطور الحديث نسبياً امتزج بالقلق والارتباك والإحباط والعنف، الذي ما يزال عموماً يحكم علاقة الرجال بالنساء. فمشاعرهم تجاههن ما تزال مختلطة تتراوح بين السلطة المطلقة والعجز المطلق، بين البهجة وبين انعدام الأمن والثقة. وتلقي المؤلفة اللوم على الرجل في هذه الإشكالية، لأنه الطرف الذي يملك سلطة أكثر، بدنياً، وجنسياً، ومالياً، وفكرياً، وهكذا، عليه مسؤولية أكبر في صنع والحفاظ على علاقة تتسم بالإنسانية؛ وهي قاعدة ذهبية تنطبق على كل البشر، كما يجب على النساء أن يتخلصن من دورهن التقليدي كشيء ممتع، ويطالبن بحرية تقوم على المؤهلات والمواهب، التي لا علاقة لها بمظهرهن، مؤكدة أن أغلب ما قيل وكُتب، وخاصة عن الجسد الأنثوي يعود في الأصل إلى مصادر ذكورية أو تلوَّن بوجهات نظر ذكورية، فطوال قرون كانت الأبحاث حول المجتمع البشري أبحاثاً ذكورية.
وتذكر شيبر أن الأبحاث، التي تستند لوجهة نظر أنثوية على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، حديثة نسبياً وتعود إلى سبعينيات القرن العشرين. لكن قبل ذلك كان الاهتمام بالإسهامات الأنثوية يأتي في مستوى أقل مقارنة بإسهامات الذكور في المجتمع، والسبب يعود، حسب رأي المؤلفة، إلى أن معظم الأنثروبولوجيين كانوا رجالاً، وقد اعتنقوا ضمنياً فكرة أن أمر النساء ليس مثيراً للاهتمام. وقد كانت لديهم علاوة على ذلك فرصة أقل في الوصول إلى النساء في الثقافات التي كانوا يقومون فيها بأبحاثهم الميدانية. وهكذا جرى اختزال النساء إلى جماعات صامتة.
ولفتت شيبر في كتابها الذي يتكون من اثني عشر فصلاً، إلى أن الأفكار المتعلقة بحقوق وواجبات الرجال والنساء تسير متوازية مع التطورات السياسية والاقتصادية. وقد بدأ الشعراء والحكاءون والفنانون ورجال الدين والباحثون والأزواج من الرجال في تحديد الاختلافات المرغوبة بين الجنسين بناء على إجاباتهم عن أسئلة جوهرية. ففي ثقافات كثيرة تُعتبر الفتيات في مرحلة انتقالية في بيوت عائلاتهن. مكتوب عليهن الرحيل، ويعتبرن ماء مسكوبا في الصين أو رماد سجائر في الثقافة العربية، أما الأطفال فينتمون عادة إلى عشيرة الزوج، وهن حسب مثل سائد في «لوبا» بالكونغو «مثل قطرة المطر»، يخصبن حقول الآخرين.
وفي سعيها للبحث في جذور هذه النظرة المتدنية للنساء، تقول شيبر إن المتخصصين في علم نفس التطور أوضحوا أنه في المجتمعات أبوية الإقامة تتعرض الزوجات لخطر العنف على هيئة تحرش وإيذاء واغتصاب واستغلال أكثر مما يوجد في سياقات الأسرة أمومية الإقامة، وكثيراً ما جرى اعتبار النساء ملكية خاصة بالذكور. لذلك لم يكن يُنظر إلى الاغتصاب كتعدٍ على سلامة المرأة، لكن كانتهاك لملكية المالك. وبدفع تعويض للمالك الأصلي، وفي مجتمعات كثيرة ما زال هذا هو مسار الأحداث المعتاد، رغم أن هناك مزيداً من الاحتجاجات ضد هذا حالياً. والتبرير الشائع هو أن المالك لديه سلطة على ملكيته ما يمكنه أن يبادلها أو يتصرف فيها كما يشاء. وأن العطب أو الإضرار بها يعطيه الحق في تعويض معقول.
*المصدر: الشرق الأوسط