حسين جرود: خامس شيء – سعادة أزلية

0

أخرج من بيتي ماشيًا

أبحث عن صديق

عن آخر الأصدقاء

آخذه ونمضي بعيدًا

نقطع الفيافي

ونضع المدينة خلف ظهرنا

ثم أتذكر أن إحضاره

معي

سيمنعني من الانتحار

وأنني أحمله معي

كشمّاعة

أو وديعة

لأعيده

إلى المدينة (المشرحة).

نشعر بالعطش

ثم نعثر على ماء ساخن في إناء

في غرفة مهجورة

أشرب قليلًا منه وأمتعض

بينما يشرب كفايته

ويقول لي: هذا هو الموجود

أعود وقد قررت قرارًا واحدًا

أنني لن أشرب الماء الساخن أبدًا.

لسنوات سيبقى مشواري اليومي

يبدأ بطريق الفيافي

ولكنه ينعطف في بدايته

نحو مدينة أخرى

لسنوات سأتذكر خيانتي

وأنني لم أمت في ذلك اليوم

لسنوات سأفشل في الكلام

لسنوات لن أحفظ أسماء

أصدقائي الجدد

لسنوات سينقذني فشل

من فشل

ويثبت لي ولو مؤقتًا

أنني لم أتأقلم

حتى الإهانات والذل

كانت أوسمة بالنسبة لي

أنا الشاب الذي مات في السابعة عشر

ولا تستطيعون أن توجهوا لي.. سهمًا واحدًا.

عندما تراودني المخاوف

من الموت والاضمحلال

لا أتذكر إلا هذا السلاح.

إذا كنا نخسر طفولتنا وأحلامنا

الحقيقية مبكرًا

فلماذا نأسف على المسخ الباقي

لماذا نخاف عليه هكذا ونحميه

لماذا كلما امتد العمر نخاف أكثر

ونصبح أكثر حكمة.

كل يوم

أنظر نحو الشرق

نحو الجسد المسجى

بجانب جدار غرفة مهجورة

قبل أن ينحرف الباص شمالًا

ويحملني

وأسال نفسي

“أين هي الحياة”.

-2-

عشت حيواتٍ كثيرة

ولكني أذكر دائمًا

جسدًا على جدار غرفة مهجورة

ينظر نحو الشرق

كطائر دون ريش

وبعد مئة محاولة

أنسى كل شيء

وأستيقظ.

على مدار 25 بيتًا

انتقل خمسة أشخاص

الأول

لم ينم سوى ليلة واحدة خارج بيت الطفولة

والثاني

صمت حتى انكسر

والثالث

ولد بلا طفولة

وبلا أمل

والرابع

قاتل

لا يألفُ أحدًا

والخامس

رقيقٌ جدًا ودون ملامح.

-3-

ولدنا في الوقت الضائع

وعرفنا مبكرًا

أننا لن نتزوج من نحبهنّ

ولن ندرس ما نريده في الجامعة

ولن نفهم المعلومات بل نتقيّؤها

ولن نتذوّق الفنون بل نلتهمها لمدة اثني

عشر ساعة في اليوم أمام التلفزيون

أنقذتني الأرقام من وهم العالم

كنتُ أضمّها

وأرى تناسقها يأخذني

إلى عوالم أخرى

وكنت أكتب كالروبوت

وألعب بالكلمات مثله

وأعرف أنني لن أشعر بشيء

قد يمر العمر دون أن أشعر بشيء

قد تتحول الأرقام إلى أفكار

قد تتحول الأرقام إلى موائدَ ضخمة

فيها ما لذّ وطاب

قد تتحول الأرقام إلى أجساد

متراكبة في فيلم طويل

قد تتحول الأرقام إلى صف

طويل من البشر

ينتظرون دورهم لدخول الحياة

أو الخروج منها

قد تتحول الأرقام إلى لعبة

لكنها لن تحوِ لحظة واحدة

حقيقية.

أستغرب ممن يضع اللوم على

 أحد في تخريب حياته

حياتنا ليست حياة

بل سلسلة من الأصابع الوسطى

المرفوعة (من أول يوم)

ويضحكني أحيانًا

أن ما يدعونه سنوات عجاف

كانت لحظة سكر

لحظة نشوة

عشتها بين حربين.

على الأقل صرنا نعرف بشاعتنا

ولم نعد نعتز بشيء

ولا نرى كبيرًا

أو صغيرًا

ولا نهتم…

يضغط أشخاص على قلمي

في هذه اللحظة

لا أريد ذكر أسمائهم

أحدهم عجوز مغترب

والأخرى طالبة جامعية كئيبة

و…

يريدون نهايةً سعيدةً ما

لهذه المسرحية التافهة

يريدون أن يخرجوا

من قراءة الفصل الخامس

غير ما دخلوا

والثالث لا يستطيع أن

يمسك يدي

بعد أن قتلوه

ترتسم صورته أمامي

ما أجمل الأموات

إنه يمنحني حريته

وما أبشعنا

مثل الحمير على طواحين القمح

مثل الكلاب وراء النفايات

مثل الصراصير ندعي الحكمة

ومثل النمل نموت

ولا يهتم بنا أحد

ولا نهتم حتى نحن

لحياتنا

مقرفون

تافهون

لا نساوي شيئًا في أي حساب

مع أننا نعبد الأرقام

ومكاننا بالوعة العالم

التي يغيرها كل مرة

ليصفّي حساباته

أعرف أنني لن أموت

من سكِر سبع سنوات متواصلة

لا يموت

ومن استيقظ بعد ذلك

لم يكن شخصًا آخر

كان هو

هو نفسه

ولهذا قتلتُه.

*خاص بالموقع