حسين جرود: ثاني شيء – موسيقى تصويرية

0

-1-

نكتب على ورق مقوّى

يمتصّ الصدى

ولا يترك للصرخات مجالًا

كي تهدأ

أو تصدح

في حصار الإسفنج

في عيون الدمى

في وجع الحائط

في الأيام

الطائشة

لن تأخذ قلبي

أو ترميه

أية صدفة

أو رصاصة

/

آثار الإدمان

على كبد الشمس

ونحن السائرون الموتى

-2-

توقف القطار عن الحركة

أصبح جثة مهجورة

على طريق

تصلح لينام فيها

المشردون

ولا يدركون في الصباح

من يوقظهم

-3-

ماذا هنالك غير أجراسٍ

على دربٍ حزين

يتوسّد المجنون شبكات

العيون

ويرسل الصورة الصغيرة

كالخرافة

ويعيد تأثيث البيوت.

غدت الحقيقة بصقةً

وغدا السراب تسامحًا

معها

كأننا نعطي الحقيقة فوق

قيمتها

حين نراها.

ليت البلاد خرافة

كانت ستعطي فعلها

كان الجميع سيفهمون

خوارها

ونهيقها

كانت شعوب الأرض تقرؤها

وتسمع صيتها.

-4-

سبعة أقمار في درب مسدود

تتوزع في خط العمر المركون على جلطات

لا أعرف ما يعني السرطان

فخلايا الدم لدي تضيع

على الطرقات

وأسير على أثر الكلب

أو الأصوات

-5-

الأضلاع المكسورة

تنغرس في الصدر

وتبني هرمًا

يهرب شرياني في درب فرعي

يصل الشلال

ويرى المياه التي ترتطم على الأرض الصخرية

في لحظة فورانها

تفقد فكرتها

بهجتها

عصيرها

تصعد

وتعود إلى الأنقاض

/

والنهر الميّت حولي

يصفر فرحًا

يغيظ السماء

-6-

شطيرة زبدة

يخرج منها الزبد

فنجان قهوة

يبقى منه الرماد

يخبرني أني فقدت الأمل

وأقول إن الأمل كبير

ما دام الواقع

يطير بنفخة.

ماذا يهم إن أصبحت

مجازًا

أو كنت وهمًا

ما زالت كوابيسي

تعطيني الأمل.

-7-

الازدحام يخنق المدينة

تسرع الجرذان نحو المصيدة.

كلما نسيت فكرتك

تذكرتها

كلما قلصت الشوارع أظافرك

طالت فرصتك في البقاء.

عندما يأتي أحدهم

وينكش تلك الجدران

تكتشف أنها لم تجف.

-8-

كيف تغسل يداكِ الشمس

وتسقطني من نبتة الفاصولياء

/

جربتُ وجهكِ على جميع النساء

كحذاء ساندريلا

/

أقف أمام الكهف المسحور

وأقول افتح يا موت

/

لو كنت عنكبوت

حلت مشكلتي

/

لو كنت كلب

عرفت صوتي

/

خرجت الشياطين من المصباح

وبقيت وحدي

/

أتت الفيلة لتهدم بيتي

وأنا نملة

/

لا أفتخر إلا بنقطة ضعفي

الطيور والأجنحة

/

أعد الحساء في المساء

وأشرب الماء والطين

/

ترضعين التفاصيل

كمسحوق الغسيل

/

تذوبين في الأيام

وتمحين كل عابر

/

نوم طويل

نصف حلم

/

تغلقين عينيك

فأتنفس

/

مجازر جديدة

في بقعة ماتت

/

عروض مجانية

لا تُشاهد

/

رياح وأمطار

ومني وأسنان

/

حفر وحمير

ومركبات ومراقبون

/

سرطان يكوي الأرض

ويتوجع

/

أعلق بالشجرة

فأقطعني

/

أتثائب

وأمضغ الهواء

-9-

تحققت نبوءة كافكا

وأصبحنا شعبًا من الصراصير

تسحقنا أحذية حراس الحدود.

تحققت نبوءة أورويل

وأصبحت الورشات تفصّل الأخ الأكبر حسب الطلب

وترميه في مزارع الحيوان.

تحققت نبوءة موراكامي

ستصنع بيتًا من الكرتون

وتمضي داخل الإعصار.

تحققت نبوءتي

ستعيش وحدك

تراقب الشروق والغروب

كآخر إنسان على الأرض.

-10-

فرنسا مصنوعة من الجبنة الزرقاء،

وألمانيا من الصخور

الصلدة،

وتركيا من المعلبات الرخيصة،

ومصر من الضوء،

ولبنان من الشجر،

والعراق من بقايا

كؤوس الشعراء،

وسوريا عشتار

التي تغوينا

وليس لها وجود.

-11-

قد مر هيمنجواي من حرس الحدود

والتربة الحمراء يحرسها الجنود

والأشجار زوار

ثقال الظل

وترى الجنود ببيته

وترى الدموع

على مخدته

لكن دموع الآخرين

/

لن تجد شيئًا

يصلح للسخرية

لن تجد شيئًا

قد يغير

الحظ

لن تجد

كلبًا

يهز ذيله

لن تجد فراشةً

أو دبابة

أو قنبلة

/

لن تجد البحر

أخذ المهربون

أبناء المدينة

ورموا

بدلًا

منهم

ملابس

وسيارات

مستعملة

-12-

لو كنت شرطيًا

لحبستُ سوريا

-13-

أحيانًا تكون عيونك أنطولوجيا لفهم العالم

وأحيانًا زرّين ضروريين في قميصي

-14-

الليل كالغراء

والصبح من ورق

-15-

وعليك أن تتحمل أشكالهم

المقرفة كل يوم

وألوانهم المشمسة

وأيامهم التعسة

صامدون كالصدأ

على باب حكاية.

-16-

حتى اللحظات السعيدة

كانت خيطًا رفيعًا

ضروريًا

في سجادة الكآبة.

مع أني أخسر دائمًا

لا أنسى اللحظات

التي أحرقتها

لأشاهد لعبة.

في الدوري السوري

كنا نشجع أحد الفرق

ثم نتمنى

أن يسجل

أي فريق

أي هدف

فقط لنكسر الرتابة.

عيناها حركت البيدق

فخرج الحصان

وتثاءب الملك

وما تزال اللعبة مستمرة.

-17-

في نهايات الحروب

في بداياتها

في أسوارها

في شكلها الدائر

في أفكارها

في عموم الموت

كالفطور في الصباح

يرميه الطاغية فتاتًا للناس

ولا يدركونه

في بقايا الأشكال الزائلةِ

في ألوان الحرباء الواقفةِ

يرمي الكذبات

فيتلقفونها جيدًا

ويلبسونها

ويمشون

مختالين

في فجر طويل

لا ينتهي

في نهايات الحروب

في بداياتها

في أسوارها

في شكلها الدائر

في أفكارها

يسلب الطاغية أسماء الناس

ويتركهم عراةً

خائفين

-18-

من تحريك الكراسي

من قرع الخزان

من هروب السحابة

من صوت الطائرة

من اللون الأسود

حول نار السيجارة

المتعفنة

من عيدان الخشب المدسوسة

في التبغ الأحمر

من قطع الكرتون التي تغسل بالقطران وتدعى تبغًا

من قشق الأيام

ومن ناسٍ جوعى للمال وللجنس وللأحلام

قد أكلوا الزرع

وأكلوا الحجر

وأكلوا الحيوانات

ومنطقها

قد نهبوا جثة هذا الليل

بأجمعها

ورموا الأنقاض إلى الشمس

-19-

المياه والتدخين والمتة والسهر

تسبب السرطان

ومع هذا نموت بالجلطات

-20-

الضوء الأخضر

يقوّي النظر

فلماذا ذهب الدولار بعيون الناس؟

-21-

أنقر وسادة

النوم

أنقر كيس

النوم

أنقر جسد

الزجاجة

أنقر باب

الغرفة

ولا أستطيع

الخروج

من بيضة

الأبجدية

/

لا أحن إلى طفولتي

فأنا ما زلت طفلًا

ولا أحن إلى وطن

بعينه

بل أملك صينية

عيون

مقلية

من تلك الأوطان

-22-

تخرج الأعداد من فوهة الوقت

تخرج النيران من شفة الحوار

الفجر حار حر كئيب

مغطّى بمفرزاتي

يقذف أحلامي

وفق خوارزمية يكتبها دماغي.

أول استمناء

لحظة توصف بسهولة

ويكتب عنها

ليست لحظة رومانسية

نعيشها مع شخص

ولها موضع جغرافي معروف

في بعد آخر

بل هي أول سيطرة

على هذا الوحش.

أتحدث عن التستوسترون

والموسيقى

والوقت الضائع

بين الحقيقة والفراسة

لا أستطيع أن أركز

دماغي لم يعد يقذف

وتركني لمصيري

أبحث عن ثورة.

اذهب واستمنِ

ووفر كلماتك

وفر رصاصاتك

اترك العالم بسلام.

-23-

أفتح باب الفجر

تتساقط كل مقاعد المدرسة

المحشورة

وتتكسر.

على صوت فيروز الذي لا يطاق

أفتح نافذة الضحى.

على ظهري المثقل بنقص المياه

تعبر سكين الظهيرة.

لا أجد الكلمات المتقاطعة

قد طيرتها

مروحة العصر.

الغروب البداية

والنهار مضيعةٌ للوقت

ولماذا يعرض على الشاشة

ولماذا لا نخبِّئه كما

نخفي السجائر في

الحمامات

وعلى جدرانها

نتحدث عن

أعضاء المعلمة.

بلاد كلها مدخنين

وتجد من يسألك عن

سعر الدخان

ولماذا يعرض في الواجهة

أو لا يدخن أمام أبيه…

-24-

لأن المشانق لا تكفي سبعة أيام

نعيد مشهد المشي إلى المشنقة سبعة آلاف مرة

كان الصمت خيارًا مرًا

ومحطات الأخبار لا تغطي

جميع المحافظات.

والمنفيون

يتمسكون بمنفى قريب

ويراسلون منفى أبعد

والوطن السرطان الأكبر.

شخص مثلك إذا أصيب بكورونا

سيقولون أنه سليم

وإذا أصيب برصاصة

يصبح من قتلاهم.

تابع المشي فقط

وسيأتي دورك

ومتى لم يكن الشعر تذكيرًا بالصمت

والحكم المنسية.

-25-

ما أجمل تلك الأيام

يوم كانت أحلامنا آلة لطباعة

النقود في الغرفة الخلفية

وتعيش متنكرًا سعيدًا

ترتدي القمصان البيضاء

وتكذب على الناس

/

لا يعلم أحد الآن

ما الذي يحدث في الغرفة الخلفية

أحيانًا أوقد نارًا كبيرة

وأرميكم في الزيت

أقليكم كقطع الدجاج

أو أراكم على

الجدران البيضاء

تدخلون أعضاءكم في بعضها

طول النهار

أو أنفخ

فقاعات

الصابون

وأطيرها

وأرى

أنها

متماسكة

أكثر

مني

ومنكم

/

في الغرفة الخلفية

تختفي أقنعتكم فأراكم

بوضوح

ويختفي قناعي

فلا أرى شيئًا

/

الآن في الشارع

يطلب شخص ما

أن أصرف له مئة ليرة مزورة

شخص سرق حلمي

وذكرني بالغرفة الخلفية

-26-

حكم الإعدام وقد كتبوه

نسخوه ولصقوه

كذبوه وصدقوه

لم يأتِ بجديد

-27-

لديّ شغفي

أنا فقط فقدتُ العالم

-28-

كأن حياتنا ليست

حروفًا مبعثرة

وكأن في داخلنا شيئًا

متماسكًا

وكأن هنالك إنسانًا

يعرف اسمه

-29-

بعد خمس دقائق، ستسقط قذيفة وأموت

وأريد أن أخبركم أني متفائل.

في بلد العميان والقذائف هذا

القذائف عمياء والناس قذائف.

كل ثلاث سنوات تسقط قذيفة

أزحف قليلًا فقط

لأموت مرة كل خمس سنوات.

-30-

السفينة تشق التربة

الحمراء

وعيوننا تغرق في المياه البيض

-31-

أغرقنا جميع سفن النجاة

لأننا قراصنة

أبحرنا في بحر الظلمات

نحو المجهول

أفرغنا هذه البحار

من متعتها

ومائها

أرسلنا الغربان وطيور الحمام

لتتوه وتسقط في الأنحاء

وعشنا كالببغاوات المدللة

أطلقنا زفيرنا كل يوم

ليدفأ الجو

وخبئنا اللعنات جيدًا

كي لا ينفد مخزوننا

الاستراتيجي

/

في الطرقات

تدفعنا الأقدام

كالكرات

في البيوت

نحسد العجائز والأطفال

على هدوئهم

في المقاهي

تفقد القهوة والسجائر

متعتها

ونسأل أنفسنا

نحن الغارقين

كيف سنتمكن

من الغرق

ونرتاح

/

أكياس بلاستيكية

دمى ورقية

مجسمات بشرية

عيون زجاجية

كلاب

خنازير

بقر

نَوَر

أوباش

في جميع الجهات

جميعها

تطفو على السطح

وتنظر نحو الأفق

ببلاهة

-32-

هذا الخراب

كان مهرجانًا كبيرًا من الضحك

-33-

يدي تضيء

عندما أمسك قلمي

كي أتبوّلَ

في حمامٍ عام.

في كل خريف

يسقط بسهولة

وفي كل ربيع

أوّل الشهداء

/

الأسرّة والمِحَن

تتلازمان في القصائد

كالقوافي

أنين الشاعرات المهجورات

ودماغ الشعراء

الواقف

عن العمل

/

عندما قصّوا أيديكم

وأرجلكم من خلاف

تركوا لكم هذا

النهار المتوسط

ليطولَ ببطء

ويذوبَ في راحة

الأشياء

-34-

جثة على الرصيف

وفي داخلي مليون كلب

-35-

بقي لنا مئة كلمة

نتبادلها فيما بيننا

ككرة المضرب

/

كم نحن متشابهون

وتعساء

-36-

المدن للمخابرات

الريف للبنادق

الشركات للاعقي الأحذية

الكتب للموتى

الشوارع للمتسولين

الحب للأغبياء

الهجرة للجبناء

/

لماذا لا يصبح الشعر قطاعًا خاصًا؟

-37-

فقدت الفوضى التي كنت أجد نفسي

داخلها

-38-

هل كانت سجائرنا تحتوي على الحشيش

أم كانت أيامنا لا تحتوي على ليل؟

-39-

أصبح لدي ثقافة موسوعية

بخرافات الشعوب

بجنون القبطان

بنجاة الحوت

وغرق السفينة

-40-

جميلة كتونس

وقلبي سوري لا يحتمل

-41-

جسد ينطفئ

ويعاد تشغيله باستمرار

يهرب من فخ إلى آخر

/

لا أمكث مع نفسي إلا فترات قصيرة

-42-

تتحدث عمن وصلوا

وعن الذين يعيشون هنا

كأنهم هناك

سعداء كأنهم لم يكونوا

-43-

كل الذين حدثتهم عن سمكة سانتياغو

قالوا أنهم يعرفونها

منهم من شبهها بالقلوب المتعثرة

أو بالمدن بعد مرور الغزاة

منهم من شبه نفسه بالشيخ

والشيخ بالسمكة

والسمكة به

منهم من شبهها بأسماك القرش

لكن مع هذا

لدينا صنم نعبده ولا نستطيع نشره

مع أنه مجاني وكثيف ومتوهج

-44-

الأيام الممتلئة كقطار

يقولون: أنت لا تعرفنا

وأقول أنتم لم تعرفوني

الكلمات فقاعات

ننتظر على السكة

قطارًا سقط

في الماء

-45-

حياتي مزيج من رهاب الأمكنة

والهروب منها

-46-

الأرق

التعب

النوم المتقطع

قد تكون كلمات سعيدة

تبحث عن أبو تمام

-47-

السجون الكبيرة

والسجانون في كل مكان

نتحدث بود

مع من هربوا منا

وهربنا منهم

ووصلوا إلى مكان بعيد

ليتمكنوا من حبنا بأمان

-48-

لا يجهل الناس شيئًا

يعرفون أنهم ضحايا

ويفضلون صيت الغنى.

جميعهم يريدون القتل

ويجدون أنفسهم في ظروف غير مناسبة.

-49-

الشاعر الذي يستعمل كلمة رصاص

مجرم ضل السبيل

ومن لا يستعملها أيضًا

-50-

أقل حزنًا من أي وقت مضى

تأخذني جميع الأشياء إلى الماء

-51-

أبدأ نهاري بالبحث عن النسيان

ودائمًا أنسى

أنسى بسرعة

أني ولدت، وأني هنا.

أعطي العصافير فطوري

القطط غدائي

ونأكل بعضنا

أنا والليل.

أبحث عن خمس فوارق

بين الإنسان والحيوان

بين الفزاعة والأشجار

بين الضياع والسفر…

أتوقف عن محاولة ضبط الموسيقى

أنتظر

خراب بيوت النمل

كي أهجر بيتي.

-52-

يُغلق الباب الحديدي

ويتركنا في الخارج

أنا وحواء مجهولة

خائفة من هجوم الشياطين

على المبنى

لم أكن أتقن فن اللامبالاة

لكننا امتلكنا رفاهية التدخين

في الأبنية

باب الغرفة الحديدي مغلق

لا أستطيع الاختباء

لا مكان سوى الممرات

أواصل عبوري الذهني

بينها

/

بعد سنوات

تكلمت مع الفتاة الملونة

دون أن أخبرها أني أعرفها

ونامت في أثناء حديثي

لم أخبرها تلك الذكرى

عن شخص نائم

جسده يدخّن

أمام باب مغلق

وشبحه يدور في الممرات

وفتاة واقفة

قلبها يتحرّك

صدرها ممتلئٌ بالعصير

وتلاعبه مئات الشفرات

-53-

عندما تخرج آخر ذرة غبار من رئتي

عندما أبتدئ عمرًا جديدًا

في يوم عادي

عندما تصبح الأشجار المقطوعة

فوق رأسي

جسدًا ثانيًا

يشبهني

عندما تسقط شمس العصر

بزاوية حادة

ويمتصها قلبي الأسود

وأرى خيط العنكبوت

يلمع ويتأهب

لقطع طريقي

عندما يهدر صوت محركات

تمضي

في طرقات لا توصل

إلى مكان

عندما أرى العابرين

يعيدون العبور نفسه

للمرة الثالثة والخمسين…

أعرف أن اللعبة انتهت