1
لربما عشت طويلًا، لا أدري، فكل يوم كانت أحداثه تكمل السيناريو بصمت لتصل الى حبكة ما لا تفضي إلا لمزيد من التعقيد. التوقف عند النقطة ذاتها في المكان ذاته، المشاهد المعادة لحد الابتذال والأفق الذي ما زال يضيق حتى ظننت أنهُ سيغلق بالكامل أمام شعاعٍ من أمل!
أيّ الطرقات أقصر! لست بحاجة الى طريقٍ ممتد يجعلني أرى كل شيء بهذا الوضوح القاتم، لست بحاجة لرؤية المزيد من التشوهات بعين دامعة تجعل الرؤى أكثر غلظةً وتفسيرها أكثر التباسًا. لربما عشت طويلًا إذًا، اليوم أكمل عامًا آخر وأنا أحاول الخروج من هذه الهوة الضيقة، لا أعرف حدودًا لها! كل ما أحتاجه هو أن أترك هذه العتمة التي أضلّت النائمين وتركتهم يحلمون بالبقاء لكثرة مخاوفهم وحرصهم على ضنك الوجود. لستُ على علمٍ بما يحدث في الخارج لكني أسمع أصواتًا صادقة تثيرُ انتباهي وحِسًا هادئًا يجعلني أقتفي أثره دون حذر. لستُ خائفًا ولا تتملكني رهبة من شيء فكل ما أراه الى زوال وكأنني الآن محض خيال والكلام الذي لا أقوله هو كل ما أسمعه. على عجالة من أمري كأنني على سفر أمضي الى عالمٍ رحبٍ يملؤه الممكن وتحيطه الأسماء. تؤنسني اليقظةُ وضحكات طفلٍ ليس لديه أدنى فكرة عن الألم. طفلٌ يجلسُ هادئًا بين النيام يحملُ قلبهُ على مقربةٍ من النور.
2
آذارُ لكِ
لاسمكِ الغائب
وصوتكِ الذي لا يغادر
أثرُكِ الحيُّ
وزُرقتُكِ التي تملأُ صوركِ التذكارية
أقولُ وقد جفَّ السرابُ فيّ
وعلا صوتُ العُشب
لكِ آذارُ
وربيعهُ
وعمرًا مديدًا يألفُ رحابةَ حضوركِ الدائم
لكِ كلُ الحياةِ
ولي فُتاتُها
وقصائدٌ تأتيكِ
لتأكلَ خبز يديكِ
فتهنأ.
لكِ كُل الربيع
وخُضرتهُ
ولكِ تلكَ القصائدُ التي تجعلُ عُمري شجرة
قصائدٌ
بأجنحةٍ بيضاء
تقفُ على أغصانٍّ متينة
قصائدٌ بلا نهاية
إذ ألوذ بها كُلما سمعتُكِ تقولين
“لا تمحو ما تكتب فقد يصيرُ كلامُكَ حمامًا”.
3
إنه الموت
الذي يخافه الجميع
لأنهم ببساطة
لا يعرفونه
ولا يعرفون شكله
ولا المزاح معه.
هو ذلك الضروري الذي لا يشبه شيئًا نراه
هو ذلك الذي لا نرى غيره
ونحاول جاهدين أن نفكر بكل شيء غيره
هو ذلك اللص الشحيح
يسرقُ منا ما نحب
ويهبنا لمن لا نحبهم.
هو ذلك الضروري
الذي يقفُ وراءنا
ويعرف أسماءنا وأفكارنا جيدًا
هو ذلك الذي لا يموت.
ماذا يفعل بنا الموت
بينما نفكر في عصيانه؟
وكيف سيكون شكلهُ
لو أخَذنا معه على عجالة من الأمر
فأصبحنا في حوزته
مثلَ طينٍ على حجر
مثل ماءٍ في إناءٍ مثقوب!
*القدس العربي