“اقتل ولا عليك”
هذا عنوان أحد أبواب موقع “ديوان الذاكرة اللبنانية” (واجهة مشروع لأرشفة أخبار اقتتالنا الأهلي في لبنان، عملت عليه مؤسسة “أمم للأبحاث والتوثيق”)، يجمع أخباراً عن وقائع العفو، خاصة العفو العام عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية، ويسائل ثقافة العفو.
في التقديم لهذا الباب، كتب لقمان سليم، مؤسِّس “أمم”: “لا بد من الاعتراف بأن مؤدّى ‘السكوت عن’ هو تنازل الجمهورية ومواطنيها عن سيادة القانون لسيادة شرائع أخرى، من عدادها شريعة الغاب!”.
قبل عام، اغتيل لقمان سليم، وحتى الآن لم يُلقَ القبض على مرتكبي الجريمة، وحتى الآن، لم تصل التحقيقات فيها إلى منتهى، تماماً كما يحصل في جرائم الاغتيال السياسي في لبنان. الجمهورية تنازلت عن سيادة القانون لصالح شريعة الغاب.
“الخفافيش”
هو وصف أطلقه لقمان سليم، في بيان أصدره، على المعتدين على دارة عائلته في حارة حريك، حيث توجد مكاتب مؤسسة “أمم” و”دار الجديد”، مرتين، في أواخر عام 2019: اقتحموا الدارة وهتفوا بشعارات تخوين وتهديد مرّة، ومرّة ثانية طبعوها على أوراق وألصقوها على السور الخارجي. في هذا البيان حمّل المسؤولية “عمّا جرى وعمّا قد يجري” لـ”قوى الأمر الواقع، ممثلة بشخص السيد حسن نصر الله وبشخص الأستاذ نبيه بري”.
في حارة حريك كان لقمان سليم، بما رعاه من أنشطة ثقافية ولقاءات سياسية معارِضة، نقيضاً للثقافة التي عمل حزب الله ويعمل على تعميمها منذ ثمانينيات القرن الماضي. لذلك لم يستسغ الحزب المهيمن على الطائفة الشيعية يوماً هذه “الظاهرة”، وأيضاً كان يخشاها. كان لقمان دليلاً حيّاً ماثلاً 24/24 أمام عينيه على أن “غزوته” الثقافية الخمينية لم تصل إلى مبتغاها، وعلى أن التعدد لم يمت.
قُتل لقمان سليم ويمكن أن نفهم بسهولة سبب اغتياله: إقصاء حاملٍ لأفكار تزعج القاتل، القاتل الذي يعرف أن لا قدرة لديه على قتل الأفكار، ولكنه يستطيع إنقاص عدد حامليها.
“يُقال: خفِشَ في أَمره إِذا ضعف” (لسان العرب).
طابور العدالة
صفّ المنتظرين لكشف ملابسات الجرائم السياسية ومعاقبة القَتَلة طويل جداً في لبنان. ونحن، منتظرو العدالة للقمان سليم نصطف فيه. سنة مرّت ولا إشارة على اقتراب ما من كشف ما جرى. خمس رصاصات في رأسه وواحدة في ظهره، لم نعرف بعد هوية مطلقها في الرابع من شباط/ فبراير 2022.
ماذا يعني هذا؟ لا داعي للكثير من التحليل في الأمور الجليّة. هذا يعني أن هذا الصف سيطول ويطول، لأن غول القتل سيلتهم كثيرين ممّن يرفضون التطويع ويرفضون الصمت، وسيستمر ذلك إلى أن تُكسر هذه الدوامة، ولا يكسرها سوى كشف القتلة. إذن هذا ليس مجرّد مطلب. هذا صار من شروط الحياة.
(رصيف 22)