حسن عارفة: الثورة السورية والقضية الفلسطينية

0

عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مؤخراً بسبب أحداث “حي الشيخ جراح” المقدسي، ثم دخول غزة على خط المواجهة، هذه القضية التي تراجعت في السنوات الماضية بسبب أحداث الربيع العربي، والثورات المضادة، وحروب الدكتاتوريات العشوائية في المنطقة والتدخلات العربية في بلاد عربية وغيرها.

وكالعادة، يقف شعب الثورة السورية مع شقيقه في فلسطين، في غريزة تضامنية لدى الشعبين لا يمكن كبتها أو السيطرة عليها، فالجينات نفسها، عاشت نضالاً طويلاً ضد أعتى وأعنف نظامين مرّا على المنطقة، نظام بشار الأسد  ونظام إسرائيل الاستيطاني، وإن رأى بعض السوريين بأن ما يحدث خارج الخارطة السورية لا يعنيهم وفيهم ما يكفيهم، وهنا لكلّ رأيه.

للقضية الفلسطينية أولوية عند السوريين – إن لم يكن كلّهم فمعظمهم- منذ وعد بلفور الشهير عام 1917، استمرت حتى النكبة الفلسطينية 1948، تتوجت بالمشاركة في الحروب الخاسرة دفاعاً عن فلسطين، مروراً باستقبال الأشقاء في الأراضي السورية، حيث أقر مجلس الشعب السوري –عندما كان لدينا مجلس شعب حقيقي- القانون “260” عام 1956 ووافق عليه وقتها الرئيس السوري الراحل “شكري القوتلي”، القانون الذي منح الفلسطينيين في سوريا كافة الحقوق بالتساوي مع السوريين ما عدا أمور بسيطة وتافهة هم بغنى عنها، كالحق على الاستفتاء للأسد مثلأً.

ومع وصول حافظ الأسد للسلطة، استغل هذه القضية والشعب الفلسطيني أفضل استغلال ممكن لصالح طموحاته، حيث استطاع تدجين طيف واسع من السوريين وإقناعهم بأنه عرّاب الفلسطينيين وحامل لواء القضية، ومن معرفته العميقة بطبيعة الشعب السوري، استعمل القضية الأهم لديه كجرعات مخدرة لتنسى الناس حقوقها، كل ذلك فداءً للقضية.

لكن، والحق يقال، نظام الأسد حافظ على القانون 260 مع بعض الإضافات، فرض المساواة بين الفلسطيين والسوريين، وهو ما تجلى باعتقال كل فلسطيني لا يغزل على منواله، والتنكيل بهم كما يفعل بالمعارضة السورية، حتى  لشدة عشقه للقضية الفلسطينية، سمّى أكثر أفرعه الأمنية عنفاً وجهنمية بـ”فرع فلسطين”، هكذا عبّر حافظ الأسد عن حبه القاتل.

وعلى نهج أبيه بخصوص هذه القضية سار بشار الأسد، مع مواكبة حداثوية منحنية للحلفاء في “حلف الممانعة والمقاومة”، وتوّج دعمه لهذه القضية بعد الثورة السورية، فلم يميز بين سوري وفلسطيني معارضين له، لا ببراميله ولا بمعتقلاته ولا بضرباته، فدمّر مهد الثورة الفلسطينية والمخيم الذي كان يوماً “عاصمة للشتات الفلسطيني” معلناً السيطرة عليه عام ٢٠١٨، ووصلت ساديته إلى أن منع عائلات كثيرة في عام ٢٠١٩ من انتشال جثث ذويها، بينما يسمح لروسيا بنبش مقابر مخيم اليرموك بحثاً عن جثتي جنديين إسرائيليين مدفونين هناك، متفوقاً على والده بطرق التعبير عن هذا النوع من العشق في مواقف كثيرة تخص فلسطين وأهلها!

لكن وباء الأسد الذي ضرب القضية الفلسطينية، وهو الأشبه بفيروس متحور ومتطور عن فيروس حزب البعث الذي أنهك هذه القضية، لم يكن محصوراً بالأسدين، أم المصائب هي بتأييد جمهور هكذا نظام، لقضية حقة كالقضية الفلسطينية، ليكون هنا أحد أسوأ الانتهاكات بحقها، جمهور يشجع مجرماً أمعن باستخدام كل الأسلحة التي بحوزته ضد شعبه وضد الفلسطينيين، يشجع الفلسطينيين ضد نظام أيضاً أمعن باستخدام الكثير من أسلحته ضد أهلنا في فلسطين!

وفيما تتزامن الاعتداءات الإسرائيلية على القدس وغزة، مع الذكرى ال٧٣ للنكبة الفلسطينية التي حدثت في الـ١٥ من أيار، حين احتلت القوات الإسرائيلية القسم الأكبر من فلسطين، نتطلع نحن كسوريين معارضين للنظام الأسدي، لذكرى جديدة من نكبتنا يوم الـ٢٦ من شهر أيار أيضاً، حين يعيد بشار الأسد تنصيب نفسه رئيساً لسوريا.

(حكاية ما انحكت)