حسن الساحلي: اتهامات بالتحرش لمخرجين لبنانيين: متى ينتهي الدرس ويبدأ الانتهاك؟

0

شرت صفحة Pervs of Lebanon (منحرفون في لبنان) في “انستغرام” مجموعة شهادات لفتيات لبنانيات تخبر قصصاً عن تعرضهن للتحرش من قبل المخرجين (ج.ق.) و(م.ج.) اللذين يعملان بالتدريس في جامعات ومدارس لبنانية معروفة. ليست المرة الأولى التي تنشر الصفحة شهادات عن فنانين، فقد سبق أن نشرت شهادات عن المصور الفوتوغرافي (ش.ك.)، ومدرس الرقص (خ.ت.)، ويبدو ان اللائحة ستطول خلال الأسابيع المقبلة. 
طبعاً، هناك من يتساءل عن سبب وجود هذا الكم من الفنانين ضمن لائحة المتحرشين الذين فضحتهم الصفحة، رغم صورة الرقي الإنساني والإلتزام الأخلاقي التي لطالما حرص الفن النخبوي، على ترويجها عن نفسه. من المفيد القول هنا أنها مجرد أسطورة، ربما ساهم في ترويجها ادعاء الفنانين بوجود تطابق بين الأعمال الفنية التي يقدمونها، والتي تروج لقيم سامية ومطلَقة، وبينهم كأفراد يمتلكون سلوكيات اكتسبوها من المجتمع والثقافة اليومية التي عاشوا في سياقها.

تستقبل فروع الجامعات وكليات الفنون في لبنان، مجموعة كبيرة من الفنانين المعروفين الذين يتوزعون بحسب علاقاتهم ومدى تكريسهم، بين التعليم الخاص والرسمي. يُعتبر التعليم من المهن الأساسية التي يمارسها الفنان لتأمين مدخول ثابت وضمان صحي، بما أن الفن غير قادر على تحقيق هذه المهمة، وهو ما ينطبق على غالبية الأنماط، وعلى المكرسين وغير المكرسين في آن. لا يشذ المسرح عن هذه القاعدة، ولو أن كثيرين يلجأون للعمل في التلفزيون أو يستفيدون من برامج صناديق الدعم التي تقدم مبالغ مالية للمشاريع الفردية والجماعية. 

من ناحية أخرى، يعمل أساتذة الفن في سياقات مختلفة عن سياقات التعليم في الفروع العلمية. فهنا العلاقة أكثر شخصية مع الطلاب الذين يتحولون من مجموعات إلى أفراد، لديهم إمكانات ومواهب واستعدادات مختلفة، ولا يمكن التعاطي معهم بشكل متجانس. مثلاً في المسرح، الأستاذة المنتمون إلى مدارس التعليم الأكثر تقليدية، يذهبون بعيداً في التأثير في الطلاب جسدياً ونفسياً في جلساتٍ تكون أحيانا ثنائية، بين الأستاذ والطالب فقط. يعني ذلك زيادة فرصة تطور العلاقة، ومعرفة الأساتذة بنقاط الضعف النفسية والجسدية لدى طلابهم.

يوحي العاملون في الفنون بأنهم أكثر انفتاحاً، ما يجعلهم أكثر جاذبية في عيون الطلاب، كما أنهم أكبر عمراً وأكثر نضوجاً… وفي حالات كثيرة يُظهر ممثلون ومخرجون معروفون في التلفزيون، بأنهم في استطاعتهم تسريع دخول الطلاب إلى سوق العمل، او “إيصالهم إلى الشهرة” التي تعتبر هوساً لأبناء الجيل الحالي المولود في عالم يعتمد بشكل أساسي على خلق ذوات عامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (التطبيق الأكثر شهرة عند المراهقين اليوم هو “تيك توك” الذي يعتمد على إعادة خلق مشاهد تلفزيونية وسينمائية).

نسمع كثيراً في أوساط التلفزيون والسينما عن الأساليب التي يستعملها مخرجون لاستغلال نقاط ضعف الممثلات المبتدئات، إن كان مقابل إعطاء دور في مسلسل أو فيلم، أو حتى مقابل تجربة أداء فقط. خلال السنة الجامعية الأولى من دراستي “السينما والتلفزيون”، في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، كان علينا الإستعانة بطلاب من قسم المسرح لإنهاء مشاريعنا بالتصوير. أتذكر أن أحد الأساتذة، وهو بالمناسبة سينمائي معروف في لبنان، قال لي ولأصدقائي ألا نتردد و”نستعبد” فتيات المسرح، “لأنهن يفعلن أي شيء من أجل الظهور أمام الكاميرا”!

تطبيع التحرش
في الشهادات التي كُتبت حول المخرج المسرحي (ج.ق.)، الذي كان يدرّس في إحدى المدارس المعروفة، تعاد السياقات نفسها مع أكثر من ضحية (هناك أكثر من فتاة بعمر 17 عاماً): “أنت تمتلكين موهبة وإمكانات عالية. هل تريدين التمثيل في فيلم أقوم بإخراجه؟ فقط عليكِ المجيء إلى منزلي للقيام بتجارب أداء. أيضاً، يجب أن أشرف بنفسي على تدريبك وتطوير ممارستك الفنية لتكوني جاهزة للدور”. المحزن في الموضوع أن الفتيات اللواتي تعرضن للإستغلال، وفق الشهادات، امتلكن حينها شغفاً كبيراً بالمسرح والتمثيل، لكن كل شيء توقف بعد حوادث التحرش.

من ناحية أخرى، جعل كل من (م.ج.) و(ج.ق.)، التحرشات الجسدية واللفظية، وفق الشهادات، كأنها تصرفات معتادة وطبيعية في الصفوف، طالما أن مَن يقوم بها “فنان منفتح ولا توقفه الحواجز الإجتماعية والتقليدية” (مثلاً تقول فتاة أن ج. وضع يده على مؤخرتها في الصف لكنها لم تفعل شيئاً لأن الجميع كان يتعاطى مع تصرفاته كأنها شيء طبيعي). كما أنهما استعملا أساليب التعليم الفني بطريقة تخدم الأهداف التي يريدان الوصول إليها. مثلاً، تقول شهادات عديدة، إن ق. خلال الحصص التعليمية، اعتاد في الجلسات الفردية، أن يدخل مَشاهد الإغراء في التدريب (حين يكون وحيداً مع الطالبة طبعاً) فيطلب من الفتاة تقبيله على فمه أو القيام بأعمال أخرى، وقالت فتاة إن صديقتها اغتُصبت خلال جلسة تدريب فردية مع ق. في منزله. وهناك شهادات تقول إنه ادعى اختبار قدرة الفتيات على مكافحة التشتت خلال المَشاهد، أو “التركيز في الدور” مهما رأينَ، وذلك عبر القيام بتصرفات ذات طابع جنسي، وصلت أكثر من مرة إلى الاستمناء أمامهن. 

“سيتقاعد قريباً.. فلا داعي للمحاسبة”! 
وهناك حوادث ترددت أصداؤها لدى إدارة المدرسة أو الجامعة، وقد فُصِل (ج.ق.) مرة، وفق إحدى الشهادات، من دون إثارة ضجة حول الموضوع، “لكن ذلك يعني أنه انتقل إلى مدرسة أو جامعة اخرى ليستغل المزيد من الفتيات”.

في حالة (م.ج.) الذي استباح طلابه نفسياً وجسدياً، وفق الشهادات، على مدى عقود من ممارسته التعليم، كان يطلب أداء مشاهد اغتصاب وإخصاء امامه، لكن على أن يجعل مَشاهد اغتصاب الفتيات تمتد لوقت طويل من أجل “متعته” الشخصية، بينما ينهي المَشاهد المخصصة للشبان في دقائق. أكثر من شهادة تحدثت عن لمسه مؤخرة أو ثدي تلميذة، أو التحرش اللفظي وترويج ثقافة الإغتصاب في الصف. تخبرنا شهادة أخرى، أن الطلاب تحدثوا مرة إلى الإدارة لكنهم تلقوا إجابة من نوع “إنه فنان وهذه طريقته بالتعليم”. علماً أن الإدارة كانت، وفق الشهادات، تعرف بهذه التصرفات، لكنها تعاطت معها كأنها جزء طبيعي من الصف! إلى أن وصلت الشكاوى لأقصاها في العام الأخير من مسيرته التعليمية، لكن الإدارة قالت حينها إنه سيتقاعد العام المقبل في كل الأحوال، ولا داعي للقيام بأي خطوة سلبية تجاهه…

*المدن

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here