اسماعيل عمر
صحفي وكاتب سوري
بعد إعلان بن غوريون قيام دولة إسرائيل من الكنيست مساء 14 أيار (مايو) 1948، كان الرد العربي على هذا الإعلان عبور القوات العربية نحو فلسطين لتحريرها من اليهود وذلك ابتداءً من الفترة نفسها التي أعلنت فيه الدولة اليهودية، حاولت القوات السورية الوصول إلى الحدود الأردنية الفلسطينية المشتركة قرب سمخ، بينما تحركت القوات اللبنانية جنوباً نحو المالكية وقَدَس، أما القوات العربية الأخرى فقد تحركت نحو مواقع أخرى من فلسطين.
بالإشارة إلى الخطة العربية التي كانت قد وضعت سابقاً من قبل جامعة الدول العربية، كان على الجيش المصري الوصول إلى تل أبيب من الجنوب، والجيش الأردني الوصول إلى حيفا من الشمال الشرقي والشرق، ولكن حصل تعديل في الخطة نتيجة إصرار الملك عبد الله (ملك شرقي الأردن) لتزعم قيادة العمليات العسكرية لبسط سيطرته على الموقف والخروج من المعركة المنتصر الأول وقائداً للأمة العربية دون منازع، وعليه هاجم الفيلق العربي القدس دون التقيد بالاتفاقات السابقة، كما هاجم السوريون عيمك هابردين (سمخ) من جهة الشرق بدلا من الانطلاق من المطلة نحو الجنوب من الجهة الشمالية.
في المقابل حاولت القوات اليهودية منع الجيش اللبناني من تحقيق مهمته للسيطرة على المالكية، فتقدمت لاحتلالها قبل أن يتمكن من بسط سيطرته عليها ، لكن الجيش اللبناني شن هجوما مضاداً استطاع خلاله استعادة قرية المالكية، فيما عادت القوات اليهودية مجدداً وسيطرت على المالكية بعد إخراجها وحدات الجيش اللبناني منها بتاريخ 19 أيار (مايو)، لكن عادت واستطاعت وحدات مشتركة من الجيش اللبناني وجيش الإنقاذ العربي من استعادة المالكية من اليهود، وحررت رمات نفتالي وقَدَس، وهكذا أصبحت الطريق نحو سهل الحولة والجنوب مفتوحة.
من جهته استطاع الجيش السوري احتلال سمخ على الضفة الجنوبية لبحيرة طبريا، واستمر الجيش السوري بتقدمه ولم يكن أمام القوات اليهودية سوى القيام بهجوم مضاد لإيقاف تقدم السوريين، لهذا شنت هذه القوات هجوماً على الجيش السوري في منطقة جسر بنات يعقوب لكن الهجوم الإسرائيلي فشل، وحاول السوريون استغلال الموقف وعبور نهر الأردن في محاولة لاحتلال مستعمرة مشمار هابردين لتأمين الاتصال بقوات الجيش اللبناني وجيش الإنقاذ في قرية المالكية، وقد استطاع السوريون السيطرة على مشمار هابردين وإقامة رأس جسر عبر نهر الأردن نحو فلسطين.
اقترح بيغن بتاريخ 24 أيار (مايو) 1948 تكليف ايغال الون مهمة ضرب الجيش السوري عند عيمك هابردين من الشمال والشرق فور تسلم القوات اليهودية العتاد والذخائر القادمة من الخارج، فيما ركز على ضرورة إخراج لبنان من المعركة لأنه الحلقة الضعيفة في عقد الحلف العربي، كما أن سلطة المسلمين فيه ضعيفة ويمكن تقويضها، ومن ثم إنشاء دولة مسيحية يكون نهر الليطاني حدها الجنوبي ويعقد حلفاً معها.
من جهة أخرى أعلن الرئيس اللبناني بشارة الخوري في تصريح نقلته صحيفة الحياة في عددها 629 الصادر بتاريخ 28 أيار (مايو) 1948 وجاء فيه: «أن أعز أمانينا أن تخفق ألوية النصر في فلسطين»، فيما أعلن أوبري ايبان أن الحكومة الإسرائيلية تسيطر على الجليل الغربي بما في ذلك المستوطنات الممتدة حتى الحدود اللبنانية، كما أعلن مناحيم بيغن أن الدولة الصهيونية أسست على جزء من وطننا ممهدا بذلك للمطالبة بتحقيق الأطماع اليهودية خارج فلسطين.
لا بد من الاشارة إلى أن الكونت برنادوت موفد الأمم المتحدة حاول حل المشكلة الفلسطينية من خلال إيجاد حل وسط مقبول من الأطراف كافة، فاجتمع مع ممثلين من كل فريق في جزيرة رودس لمدة أسبوع، وبنهاية الاجتماعات في 27 حزيران (يونيو) 1948 قدم اقتراحاته لمختلف الأطراف معتبراً هذه الاقتراحات أساساً مقبولاً للحل وحاول إيجاد توازناً وحلولاً مقبولة من الأطراف المتصارعة، فاقترح إعطاء منطقة النقب للدولة العربية في مقابل إعطاء الدولة اليهودية منطقة الجليل الغربي، ولكن الطرفين رفضا هذه الاقتراحات.
كان من حصيلة معارك الأيام الأولى من الحرب وقبل إعلان الهدنة الأولى أن سيطرت القوات العربية على القسم الأكبر من فلسطين . . . فسيطر الجيش السوري مع جيش الإنقاذ العربي على الجليل حتى جنوب طبريا ما عدا مستعمرات الجليل الشرقي.
فيما أعلنت الحكومة اللبنانية بتاريخ 3 آب (أغسطس) 1948: “أن لبنان دخل المعركة بكل جارحة من جوارحه وخاض حرب الإنقاذ . . . ولكنه كأشقائه العرب يقبل بوقف القتال ويستجيب لطلب الوسيط الدولي لإجراء مفاوضات مع اليهود”.
الجدير ذكره أنه في الفترة التي تلت الهدنة الأولى وبعد أن وصلت الأسلحة والذخائر المنتظرة لليهود اختل ميزان القوى لصالح اليهود، كما اعتمد اليهود على أسلوب قتالي برهن عن نجاحه بعد استعماله على جبهات عدة ويقضي بنقل المعارك فجأة من جبهة إلى أخرى خاصة وأن الجيوش العربية كانت لا تأتمر بقيادة أركان واحدة، وفيما كانت القوات اليهودية تقاتل الجيش المصري على الجبهة الجنوبية نقلت فجأة عملياتها العسكرية إلى الجبهة الشمالية لتنفيذ عملية حيرام العسكرية لضرب الجيش اللبناني والتي ترتب عنها سقوط منطقة الجليل إضافة لبعض القرى اللبنانية.
من المعلوم أن التخاذل العربي والصراع الشخصي بين القادة العرب للسيطرة على قيادة الجيوش العربية فيما بينهم ساهم بإضعاف قوتهم وانهيار جبهتهم، ففي 30 تشرين أول (أكتوبر) 1948 تبلغ القاوقجي قائد جيش الإنقاذ العربي من المقدم شوكت شقير رغبة لبنان بالانسحاب من المالكية وقَدَس وبليدا تجنيباً للمناطق الحدودية القتال، وبالفعل انسحب القاوقجي بجيش الإنقاذ من القرى الثلاث باتجاه مناطق أخرى وحاول أن يبلغ وزير الدفاع السوري حسني الزعيم بهذه التطورات لكنه فوجئ بأن الوزير الزعيم كان بدوره قد أعطى أوامره إلى الجيش السوري بالانسحاب من الجبهة الحدودية مما سمح لليهود ببسط سيطرتهم على هذه المناطق الاستراتيجية.
في المقابل وافق العرب على وقف إطلاق النار بسبب الخسائر المرتفعة واختلال ميزان القوى لصالح قوات العدو خاصة بعد أن استطاعت هذه القوات من بسط سيطرتها على أجزاء كبيرة من فلسطين تفوق تلك التي كانت قد منحتهم إياها الأمم المتحدة من خلال قرار تقسيم فلسطين، يضاف إلى ذلك، بعد سيطرة اليهود على بعض القرى اللبنانية بعد اختراقهم الحدود الدولية كرسوا سيطرتهم على مناطق كان لبنان يطالب بها قبل الحرب فيما أصبح الآن يطالب بما فقده خلال هذه الفترة، لهذا عملت على تدمير مناطق القرى السبع تباعاً وطردت سكانها كما استولت على كامل سهل الحولة.
من الواضح أن اليهود قد استغلوا الأوضاع السياسية اعتباراً من 15 أيار (مايو) 1948 وباشروا بتنفيذ مخططاتهم وأطماعهم تجاه لبنان فعملوا على اقتطاع الأراضي تباعا واحتلوا عشرات القرى بهدف مقايضتها وتحقيق أطماعهم في المياه اللبنانية. كما حاولوا من خلال بسط سيطرتهم على العديد من المناطق. وتحقيق استراتيجية سياسية وعسكرية واقتصادية، فالسيطرة على أرض ماكير (الجولان وحوران) تسهم بالسيطرة على مياه اليرموك والأراضي الزراعية الخصبة فيما السيطرة على أرض نفتالي (الجليل) توسع الأرض الزراعية وتجعل بالإمكان السيطرة على مياه الأردن والليطاني، وكذلك السيطرة على الجولان تجعل من المستحيل قيام القوات السورية بهجوم على فلسطين.
والسيطرة على منطقة الجليل تضمن لهم مواقع أقوى في الجليل وتفصل المناطق اللبنانية عن المناطق السورية.
في وقت لاحق عبر بن غوريون عقب انتهاء الحرب عن أهمية موقع الجليل والشريط اللبناني في استراتيجية الاستيطان اليهودي عندما قال أنّنا لا نبغي جليلاً خالياً ومقفراً بقدر ما نريد جليلاً مستوطناً على طول شاطئ البحر حتى رأس الناقورة وعلى امتداد الحدود اللبنانية وفي ضواحي صفد أيضاً لأن للاستيطان هذا أهمية عسكرية.
التطورات السياسية بعد حرب العام 1948
في المقابل وصلت برقية إلى الخارجية البريطانية من السفارة البريطانية في دمشق تناولت خلاصة حديث ساسون المستشار الشرقي لدولة إسرائيل حول موضوع الصراع العربي اليهودي، ومما ورد في البرقية:
– ليس صحيحاً أن اليهود سيهاجموا الولايات العربية الدول العربية.
– لا ينوي اليهود إحضار كما يتداول ما يقارب 13 أو 14 مليون يهودي لتوطينهم في فلسطين، ولكن العدد المقدر هو مليون وبضعة مئات من الالاف فقط، خاصة وأن الدولة اليهودية غير قادرة على تأمين الحماية لهم، ولكن فيما لو رغب بعض اليهود البارعين والحرفيين المتخصصين في الهجرة إلى فلسطين لن يشكل أحد عائقاً في سبيل وصولهم إلى فلسطين.
-لن تطالب دولة إسرائيل بالمزيد من الأراضي العربية، ولكنها تتمنى أن تتعاون مع العرب في التنمية الاقتصادية المشتركة.
-ليس صحيحاً أن الدولة اليهودية تتمنى الارتباط بأية قوة أجنبية، أو أن يكون للسياسات الروسية أو البريطانية أية تأثيرات جانبية على السيادة في الشرق الأوسط، وما هذه الأقوال عن دور روسي أو بريطاني ليست سوی ادعاءات بعض الأطراف العربية وبريطانيا في المنطقة.
– ليس صحيحا أن اليهود يريدون عرب ضعفاء بقدر ما يريدون عرباً قادرين على الارتباط باليهود عبر اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية وجمركية، وهذا ما أراد موشي شارتوك (شاريت) الوصول إليه من المفاوضات.
– ليس صحيحاً أن اليهود يحرضون العالم ضد العرب، كما أن كل ما نشر عن اللاجئين في الصحف العربية والبريطانية غير صحيح ويؤثر سلباً على هذه القضية.
– أظهر ساسون الكثير من الأسف لأن الوسيط الدولي بانش قد أمضى عشرة أسابيع دون أن يصل إلى أي تقدم عملي، وأرجع السبب إلى دور الزعماء العرب السلبي من الأزمة وهذا إن دل على شئ إنما يدل على نظرة تطرف لدى العرب، فمشكلة اللاجئين لا يمكن أن تترك إلى الوسيط الدولي فقط وإنما العمل المشترك للوصول إلى نتائج أكثر جدية لحلها.
جرياً على عادتهما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا إيجاد حلول للمشاكل وبشكل يتلاءم مع مصالحهما، وعلى هذا الأساس قاما بإرسال روبرت ماكلينتوك مدير مكتب الشؤون السياسية الخاصة في وزارة الخارجية الأمريكية والسيد جون تروتبيك رئيس المكتب البريطاني للشرق الأوسط في القاهرة لإجراء محادثات غير رسمية مع موفد الأمم المتحدة الكونت برنادوت في جزيرة رودوس وكانت وجهات النظر متطابقة بين الأطراف الثلاثة، وخرج المجتمعون باقتراح يقضي بضرورة تعديل قرار تقسيم فلسطين.
عاد وقدم الوسيط الدولي الكونت برنادوت بتاريخ 16 أيلول (سبتمبر) 1948 في تقريره الذي رفعه للجمعية العامة للأمم المتحدة عن فشل تقدم العمل بقرارات الأمم المتحدة بسبب وجود العديد من الصعاب أولها عدم وجود اتفاقية محددة: بين الأطراف المتنازعين، بالإضافة إلى عدم تنفيذ التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة وخاصة القرار الصادر بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ولإبقاء صحراء النقب ضمن الأراضي العربية.
في ظل هذه الأوضاع نقل السفير البريطاني عن رئيسي الجمهورية (بشارة الخوري) والحكومة اللبنانيين (رياض الصلح) رأيهما حول القضية الفلسطينية خاصة بعد اجتماع القمة العربية حول المشكلة الفلسطينيين، فأشارا إلى أن قرار اللجنة السياسية بإنشاء حكومة عربية في فلسطين الهدف منه فهم التناقضات العربية من المشكلة والحد منها، وأضافا كذلك أن الهدف ليس منع الاعتراف الدولي بإسرائيل وإنما منع أية دولة عربية من الاعتراف بإسرائيل، ومنع السيطرة على مناطق الضفة الغربية من قبل حكومة شرق الأردن.
مع انتهاء حرب العام 1948 كان الكونت برنادوت موفد الأمم المتحدة قد أوصى بضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، كما أن الأمم المتحدة قد تناولت الموضوع في كثير من جلساتها واتخذت العديد من القرارات ولكن كان ينقص هذه القرارات التنفيذ، ومن هذه القرارات تبني الجمعية العامة 11 كانون أول (ديسمبر) 1948 قرار رقم 194 حول اللاجئين وحق العودة، وكذلك تبنت الموافقة على اللجنة التي سبق وتم تشكيلها يوم 9 كانون الأول (ديسمبر) 1948 والتي دعيت لجنة التوفيق والمؤلفة من تركيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على أن يكون مقرها لوزان وتوكل إليها مهمة تقريب وجهات النظر بين العرب والإسرائيليين.
النتائج الكارثية على أبناء الجولان:
أصبحت إسرائيل على حدود الجولان وهذه المرة ليس تحت غطاء الانتداب البريطاني والتنافس الاستعماري الفرنسي البريطاني.
لم يعد بإمكان ملاكي أراضي الحولة الوصول لأراضيهم والمطالبة بها وقد حرمتهم قبل ذلك سلطات الانتداب البريطاني لتسهل عمليات القضم لصالح الاستيطان اليهودي بل ونشرت مستوطناتها حتى قبل حرب 1948.
أدت هذه الحرب لاستقبال عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من الشمال الفلسطيني إلى قرى الجولان المتاخمة ومدينة القنيطرة.
سهل وزير الدفاع السوري حسني الزعيم تقدم القوات اليهودية ليسيطر على الجليل والحولة.
قاوم أبناء الجولان وشاركوا في حرب 1948 بفعالية ومن خلال حرب شعبية حتى قبل 1948 وتلخصت بما يلي:
في تاريخ 14 /1 /1946 أقدم 15 صهيوني مسلح من مستعمرة الدردارة بمهاجمة ثلاثة رجال من الدرك السوري بينما كانوا نائمين وأوثقوهم وكموا أفواههم كما تسللت دبابات انكليزية الى وادي العسل في الجولان بتاريخ 10 /6 /1946 بقصد الوصول الى بانياس وفي 28 /12 /1946 تجاوز مستوطنون من مستعمرة كفر صلد اليهودية خط الحدود وقاموا بتعزيل اراضي العقدة السورية توطئة لاستثمارها بعد ان قامت حكومة فلسطين البريطانية عام 1942 بالتعدي على الاراضي السورية وتسجيل هذه الاراضي باسم اليهود دون وجه حق ودون أن تدافع سلطات الاحتلال الفرنسية يومها عن حق المواطنين السوريين، وقد أدت هذه الحوادث وغيرها وخصوصا بعد صدور قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947، أدت الى شعور أبناء الجولان أكثر من غيرهم بالخطر الصهيوني كما تدل على ذلك وثيقة محفوظة في مركز الوثائق التاريخية بدمشق وتتحدث عن دور خاص لأبناء الجولان في انقاذ الاراضي الفلسطينية بسبب الوضع الجغرافي للجولان ومتاخمة أراضيه لأراضي فلسطين المقدسة مباشرة حسب تعبير قائمقام الجولان في ذلك الوقت الذي ارسل رسالة الى محافظ دمشق في 1/12/1947 يخبره فيها أن وجوه واصحاب الرأي في قضاء الجولان وعلى رأسهم النائب الأمير فاعور الفاعور اجتمعوا معه حيث بحثوا فتح مراكز للتطوع للقتال في فلسطين.
وقد فتح مركز للتطوع فورا في نادي المحاربين القدماء حيث سجل في ظرف ساعتين أكثر من 300 متطوع من عرب الفضل والشراكسة حسب نص الوثيقة التي تذكر أن الكثيرين سجلوا أنهم يقتنون سلاحهم.
معركة الخصاص الثالثة
ولم ينتظر أبناء الجولان تشكيل جيش الانقاذ فقد بدؤوا بمقارعة عصابات الصهاينة بعد أيام من الاجتماع المذكور وتشير وثيقة مؤرخة بتاريخ 22/12/1947 أي قبل تشكيل جيش الانقاذ بثمانية أيام إلى أن مجموعة من عرب الفضل كمنت لعصابة صهيونية في بيت الأمير فاعور في قرية الخصاص الواقعة في سهل الحولة وقتلت ستة من عصابات الصهاينة وأحرقت سيارتهم وعلى اثر ذلك أتت ثماني عشرة سيارة للصهاينة لنجدة السيارة الأولى فهب أهالي قرية الزوق وقطعوا الطريق على السيارات وتبادلوا مع اليهود اطلاق الرصاص لمدة ثلاث ساعات قبل تدخل قوى الحدود وتذكر الوثيقة مقتل عدد كبير من الصهاينة ووصول نجدات كبيرة من بيت جن للاشتراك مع عشائر الفضل في حركات الحدود.
وتواصلت المعارك بين أبناء الجولان المتطوعين لقتال الصهاينة في الأيام التالية لهذه الحادثة وقد ذكرت وثيقة مؤرخة بتاريخ 12/1/1948 أن المجاهدين العرب هاجموا سيارة تقل أفرادا من العصابات الصهيونية المسلحة كانت تتجه إلى مستوطنة كفر حلط اليهودية وذلك قرب المداخل المتاخمة للحدود السورية عند بانياس، وتبادل الطرفان اطلاق النار لمدة ثلاث ساعات مما أسفر عن قتل سبعة صهاينة وواحد من العرب السوريين، وتذكر الوثيقة أن المصفحات البريطانية قصفت مواقع المجاهدين العرب في الأراضي السورية ولا يزال تجمع المجاهدين يزداد ويستعد لتنفيذ عمليات في الحولة.
وفي 18/1/1948 حصل اشتباك بين المجاهدين العرب والمستوطنين اليهود قرب مستوطنة دان الكائنة على الحدود السورية قرب تل القاضي، وقد اصيب مواطن سوري من قرية شوقا الفوقا في الجولان، وقد قام المستوطنون جراء هذه العمليات بالانتقام من أبقار المواطنين السوريين وقتل عدداً منهم، ومن ذلك ما ترويه وثيقة أرسلها قائم مقام الجولان إلى محافظ دمشق يخبره فيها أن مستوطني دان قتلوا عشرة أبقار لمواطنين سوريين قرب جسر وادي العسل غرب بانياس.
معركة عين زاغة
في عام 1948 قاد الشيخ “عدنان السلوم” شيخ العجارمة ثلة من المجاهدين للدفاع عن “فلسطين” فهاجم مستوطنة “عين زاغة” في منطقة “الحولة” بالجولان وتسمى آنذاك “بالكبانية” أي المستوطنة- فقتل ثلاثة مستوطنين وخلف عدداً من الإصابات بين صفوفهم بعد أن تمكن من الوصول إلى بوابة المستعمرة المحصنة تحصينا عسكريا فأصيب خلال العملية وتم نقله بسيارة قائد الجيش آنذاك “سامي الحناوي” إلى مدينة “دمشق” ومكث فيها أكثر من ثلاثة أشهر.
ومن أبناء الجولان الذين اشتهروا بمواقفهم الوطنية والبطولية نايف رعد العجرمي “أبو رعد” وكان يعمل سائقا لدى الجيش الانكليزي بفلسطين وعندما علم عام 1948 بتآمر الانكليز لإعلان قيام الكيان الصهيوني، قام بسلب شاحنتين محملتين بالأسلحة والذخائر وزن كل واحدة منهما 10 أطنان وقطرهما مع بعضهما البعض وأدخلهما إلى الجولان وأوصلهما لقرية واسط، والتقى بالأمير فاعور الفاعور وقال الأمير لأبو رعد: الله حي خالي (خال الأمير فاعور هو الشيخ زعل السلوم وعند البدو تعني أن كل أفراد العجارمة هم أخواله),ويكمل الأمير فاعور (الحَذيّة يا خالي –بفتح الحاء والتشديد على الياء وتعني الحذية أنه يطلب الغنيمة التي حصل عليها أبو رعد) فقال له البطل أبو رعد: “ابشر فأنت من يستحق الغنيمة التي أتيت بها من أعداء الأمة .”
ولم يقتصر جهاد أبناء الجولان على المناطق الحدودية بل تجاوزه إلى داخل فلسطين التي استشهد فيها العشرات منهم في نابلس وعارة وحيفا وبلاطة والقدس وطبريا.
*****