حازم العظمة: عن عشبة الحصان الميكانيكي التي أتت معي من دمشق

0

عن عشبة الحصان الميكانيكي التي أتت معي من دمشق

كلُّ شيءٍ يهزأُ من الكلماتِ البسيطة والمقاطعِ البسيطة. عُدتُ أبحثُ عمَّن يهزأُ من الكلمات المتفذلكة والمطوّلات المتفذلكة
حين في آخر الشارع، بعدوانيةٍ مطلقة، في آخر الرصيفِ، في آخر القارّة، في متتابعاتٍ ليليّةٍ بين الأنقاضِ الليلية
في منشآتٍ كهذه كانت معاملَ قديمة، أحيَتْها جمعيّاتٌ تُعنى بشرح اليوتوبيا والديستوبيا للرّعاع…
حين بعدوانيّةٍ جديدة تَسرَحُ طليقةً في مؤتمراتٍ حول حقوق الأمّ والطفل، في معارضَ تنظّمها جمعيّاتُ المُواطَنة الأصليّة…
في جمعياتِ المواطَنة المضادّة للمَواطن الأصليّة، في المَواطِن الأصليّة لمُواطنين أصليّينَ لا جمعيات لهم
بعدوانيةٍ جديدة، في مؤتمراتٍ عن المدنية يفتتحها أُمناء الفروع تحت صورة الزعيم، على مسافة شارعين من ألواح الإعلانات المُضيئة في المطارات، على مسافة قارّتين من لِجان تصويب اللغة على الهواء مباشرةً
بعدوانيةٍٍ جديدة في ندواتٍ عن القتلى والمناخ يفتتحها البنكُ الدوليّ
تتصدرّها صورة الزاحف الكوني الأوحد، الحائز على سلسلة جوائز غينيس وساويرس ونوبل والشيخ زايد…
في ندواتٍ عن المجتمع المدني، والإثنيّات المهجورة والشعوب البائدة برعاية غينيس، في مؤتمراتٍ عابرة للقارّات تشرح عن البيئات الحاضنة الأصليّة للقَتلى المشيَّعين بأزهار الرمّان
عن قتلى مرميّينَ على وجوههم فوق أغصان الرمّان
عن أزهار رمّانٍ بلا قَتلى، وأزهار رمّانٍ لم يشيّعْها أحد
في ندواتٍ عن تأصيل الزراعة وإعادة إعمار الخراب، في ملفّاتٍ دهريّة ترعاها مؤسّسة كارنيغي، تتصدّرها قوائم الشهداء في لوحات رخامية بأسمائهم خُطَّت بماء الذهَب
حُفظتْ في نيويورك تحت أساسات مجلس الأمن…
بعدوانيّةٍ فتيّة، في قراءاتٍ بطيئة على ضوء الشموع تصحبها الكمانات، لقوائمَ طويلة مذيّلة بجداول كبار المحسِنين الذين لحِقَ بهم الإفلاسُ في العشرية السوداء لوحدها… 
جداول المحسِنين في العشرية الرابعة السوداء
والرابعة عشرة…
في ندوةِ اعتمادات التجارة الكونية الحرّة، بإشراف ساويرس ورامسفيلد، مباشرةً على الهواء حول مائدة الفطور في الصباح الصحراويّ على شاطئ النيل،
تحت الأشجار المَداريّة في محميّات وحيد القرن… 
عن عشبة الحصان الميكانيكي التي أتت معي من دمشق مرميّةً في زاوية حقيبتي مع قميصينِ خفيفينٍ وفرشاة أسنان وحذاءٍ رياضيّ…
منذ خمسين سنةً لم أتعلّم شيئاً، ولا أعرف أحداً. تأكّدتُ من جديد، أنّ كل الأشخاص المهمّين كانوا يثيرون لدي شكّاً عميقاً… 
تحدّثتُ بعدها بيومين عن الحصان الميكانيكي الذي عاد معي من الجنون، عن العُشبة السِرّية التي تجعل السماء تُضاء بإنارةِ الفوسفور…
كانت مخبّأةً في ثيابي:
– مراسلاتٌ قصيرة تبادلتها مع ناشرين عابرين للقارّات
– رسائلُ حجرية في جيوبي تُشير إلى المواضع المحتملة لسقوط النيازك 
– طائراتٌ ورقية
أرسلتُها لمفاوضاتٍ مع الخرائب… 

لا تقلقوا، هذا هو سبب الازدحام الحاليّ
أحفاد المهاجرين الأوائل يقلّدون أبناء السكّان الأصليّين الأوسمة…
لا تقلقوا
كلّ الأوسمة عليها ألوانُ الزاحف الكوني الأوحد…
(صمت)

في كلّ مرة يتحطّم العالم أُلقي حصاةً في البئر
والبئر لا تمتلئ…


■ ■ ■


ما أردتَ أن تقولَهُ

ما من سببٍ ليعيدَ أحدٌ شيئاً
ما من داعٍ لتفسير ما ترميه النافذة على انكساراتِ الضوء 
الضوء البنفسجي كان يُرهفُ كسورَ الزجاج على قرصِ الشمس.

ما من داعٍ لتصنيفِ النافذة
في مشهدٍ للبحيرةِ، ومشهدٍ للمستحمّاتِ
ومشهدٍ ثالثٍ للريح…

دعها، دعْ ما أردتَ أن تقولهُ
دعِ الأشياء تقول ما تريد أن تقوله هي
وإلا للجحيم… 
ما أردتَ أن تقولهُ ربما استنفدَ الصيفَ كلّها.

لن تتركَ الصيفُ أثراً على الرملِ، تعرفُ
دعِ الخُطى على الثلجِ أيضاً… 
هل تذكرُ كم مرةً سخرتَ من الـ”خطى” والـ”صدى”؟


 غيرُ مَلمسِ ما يُعيده الزجاجُ
من صريفِ صحفٍ قديمة
ما يُعيده من أحاديثَ هامسةٍ
ما يردّدهُ
من همسِ المستحمّاتِ عند أقدام الصخور


■ ■ ■


نُعيدُ التماعاتِ سُوقِها النحيلة 

نحن لا نقول الأشياءَ كما هيَ
لا نقولُ عبارةً قبل أن ندوّرها مرّاتٍ على جدرانٍ في رؤوسنا…
هناك ترتدُّ وتنعكسُ
حتى تحمرَّ وتتوهّجَ
كقطعةِ حديدٍ تتوهّجُ في البَوتقة.

أعَدْنا: 
لا نرمي الزنابقَ بالحجارة من أعلى المنحدرات…
إنّما نتمدّد على الهضابِ أمامَها،
أنّنا نعيدُ، في خيالاتِنا، التماعاتِ سُوقِها النحيلة
صعودَ النُسغ في عروقها  
(الملمسَ الحجريَّ للتُوَيْج)

منذ زمنٍ بعيد
نسينا كيفَ نشرب من الجداولِ كالخّيول
بأن نجثو على أربعةٍ…
عيوننا تذهب بعيداً
حتى الأزرق الحليبيّ للنبعِ
حتى العروق الغامضة النحيلة للينابيع.

*العربي الجديد