حارث الريح*

0

فواز قادري

شاعر سوري مقيم في ألمانيا، وله العديد من الإصدارات الشعرية.

مجلة أوراق- العدد 17-18

أوراق الشعر

حارث الريح 1

كأنني أحرث الريح

أكتبكِ دوامة إثر أخرى

عصف بلد وراء بلد

أغنية الخبز وفاكهة الليلك

ولد كسير ولد موجة

حفنة تراب لعرق وردة مقطوفة

 مطر دمعة غيم شارد

سيرة امرأة بمثاقيل الدنيا

أمومة ونزيف في شارع غريب.

أوقفت الحلم ومضيتُ.

حارث الريح 2

لا تعتبي على الريح

عبرت قرب شبّاكك ذات نهار

هزّت الستائر وأفاقت النوم

أخذت الغبار الخفيف وأنفاس الضوء

تركت المساء في حيرة

وتركت الحديقة غيمة مثقلة بالطيور

مرت قرب بابكِ

 قرعت وتوارت خلف أقرب ليل

لم تقل شيئاً لوردة ذابلة في الأصيص

مرت على الشام ونادمت امرأة مثل موّال حزين

لم يكتب الشاعر الكثير لنساء دمشق

كانت البيوت أخفض من السماء

الأسطح بلا حمام ولا أجنحة

كتب الشام مبهرة كأسطورة

ورنين اساور التاريخ في يديها

 كتب الطفل الغريب يمشي دون وعي

رأسه في الأعلى

وعيناه تبحثان عن أعين النساء بين النجوم.

حارث الريح  3

حصدت الريح وأنا في طريقي إليك

قارة قارتان مدن بلاد بعيدة

 شوارع برائحة الغرباء ورائحة الجوع

رصيف 2و4 قطار 108

اتجاه ضياعي القديم

قطار 5 اتجاه ديسبورج

“فهد” بكرم بالغ

يشعل نار فرن البيتزا

لضيوف ثقلاء من علم الغيب

أم “لارا” تلعن ضياعنا المارق

وتأخذ الوجل والخوف من وجوهنا

تبتسم وفي عينيها ألف دمعة:

“سأذهب إل البلد

قبل أن يجف تراب الوالدة”

ستسافر وطفة الطيبة

 وتترك عندك وردتيها أيها الأب الجميل

أيتها السماء الكسيحة

رصيف خامس وصيف متورّط بالمطر

أذهب إلى “زكريا” رفيق تيه طفولتي العتيق

أي مدينة أي جرح وخيبة؟

منذ الولادة وأنا أمطر

وتجمع أمي من خلفي السيول

أقول: اين أمك يا اخي اليتيم؟

  “جواهر” حمالة أبنائك سيدة البيت

رفيقة دربك ايها الشقي

 إسراء نجمة حياتك الاخيرة

“نور” صبية قمر عائلتك البعيد

ياسمين ضحكة الليل والصباح

فرح حسام القريب من القلب

الأولاد: “سما حسون”

 كركرة الطفولة والشغب

 محمد الجميل مثل أيّل جبلي

آلاء تفاحة قلب العاشق

 ونورس طائر يحب الأسر

 يفرفحُ بين ذراعيها

ويكتب سماء حرة في العينين

يأخذ من يديها

سنابل هشة لطيور الهوى

نصر صديق يقترب من القلب

في ليلة سابقة جمّعت يا “إبراهيم!”

القصائد الساهرة معنا يا صديقي

فرشتها تحت وسادتي

 وبدلت ألف ليلة بألف نهار

طارت الأحلام ونامت الحرب في بيوت الناس الفارغة

طيّرتُ آخر فراشة سجينة

في عز الليل.

حارث الريح  4

أعود وتشغل مكاني الريح

قصبة أرتجف وتنكرني الجهات

طرقات مسكينة ليس لها صاحب

بيوت وجع وضحكات تستورد الدمع

وهذا الولد الشقي كسر “عين” الليل

بحبة فرح واحدة

عدّل من سخونة رأس الصباح

أعود وأشغل الريح أحرثها

فمن يزرع الزلّ والنخيل؟

من يعتذر للأشجار عن قتلى العصافير؟

يأخذني في نزهة قصيدةً برّية الأجنحة

بريئة المعاني فصيحة الحب

كبرت وتأخرت على أم

يغسلها دمع الخوف والذكريات..

وأنا قرب قلبها

 تطعنني أغنية كردية حزينة.

حارث الريح  5

حارث الريح الخبير

لكِ يستعيد بشاشة الفصول

سأسرقكِ من نفسك

حتى إذا ما صحوتِ

لن تجدي من الريح

 غير أثرٍ متسللٍ نهمٍ

كشف كل كنوزكِ وترككِ وحيدةً للمساء

شبحكِ أنا

هذا الظل ظلي من ضوئكِ البعيد

يسرقكِ ويغلقُ الصباحَ خلفي

من يدكِ تسحبكِ الأغنية

ويطيش حجر الأيام

تسرقكِ مني الريحُ

من شتاء الفصول المتواصل

من خطوات بطيئة على رصيف غريب

من أعين البكاء والفزع

حناجر أسرى تعول

خيط ناعم يدور حولك

 وينسج لك خيمةَ المستحيل.

* قصائد من مخطوطة “حارث الريح”.