ظهرت النصوص الروائية الأولى التي وثّقت تجارب السجن في العالم العربي منذ أربعينيات القرن الماضي، وكانت بداياتها مصرية مع صدور “وراء القضبان” (1949) لأحمد حسين، لتشهد تنامياً كبيراً مع موجة القمع التي سادت معظم الأنظمة العربية بعد هزيمة حزيران عام 1967 مع أعمال عبد الرحمن منيف وشريف حتاتة وصنع الله إبراهيم ونوال السعداوي وآخرين.
“فضاء السجن في الرواية العربية” عنوان الكتاب الذي صدر للباحثة الأردنية جمانة صوان عن “دار فضاءات للنشر والتوزيع”، وتناولت خلاله نماذج متعدّدة تنتمي إلى أجيال مختلفة من الكتّاب العرب ضمن رؤية تدمج النقد الأدبي بالدراسات السوسيولوجية والنفسية والسياسية.
يتضمّن الكتاب ثلاثة فصول: الأول بعنوان “السجن السياسي: من سجن الآخر”، وتستعرض فيه مراحل السجن السياسي قبل الدخول إلى السجن (الحياة في السجن الكبير)، ومسائل المراقبة والاعتقال وما يتعرّض له المعتقل داخل السجن من حبس احتياطي وأنواع التعذيب وشكليه الجسدي والنفسي، والتحقيق في ظلمة الحبس الانفرادي والزنزانة الجماعية والمحاكمة والخروج من السجن والعودة إلى السجن الأكبر.
ويتناول الفصل الثاني “البطل السجين وإشكالية الأنا والآخر” التأثير النفسي في البطل السجين وتدميره للأنا، والتحولات في شخصية البطل السجين والدفاع الذاتي للأنا في مواجهة الآخر، والتعريف بالآخر، وما علاقته بالأنا، الآخر داخل السجن، والمعتقل، وسبل التواصل معه، والموقف من سلطة الآخر السلطة، وسبل التواصل مع السلطوي خارج السجن، والزيارات والمراسلات وعلاقة السجين بالمرأة والسجينة الأم والجدة والحبيبة والزوجة والسجانة والوجه الآخر لعلاقة السجين بالمرأة.
أما الفصل الثالث “البناء الفني في روايات السجون”، فيناقش المكان، ممثلاً بالسجن، العالم الخارجي، البيت، القرية، الريف، الطلل، المدينة. والزمان، ممثلاً بالزمان البيولوجي، النفسي، الوجودي، السردية، السارد، السرد، والزمان السردي، الاسترجاعات، التواتر، الاستشرافات، الاستباقات، السرد اللاحق، الوقفة الزمنية، الحذف والإضمار، المشاهد الحوارية والبانورامية والمفاجأة، الشخوص، البطل، السجين، بؤرة النص، الشخصيات الثانوية، والحوار “المونولوغ والديالوغ”، الشخصيات والحلم والحبكة واللغة والتناص والوصفية الحوارية.
توضّح صوان في تقديمها بأن “أدب السجون” برز مع شيوع الأحزاب السياسية وتعدّدها في الوطن العربي، واحتلال فلسطين، وانتفاضات شعبها المتجددة، وأحداث النكسة، كل هذه العوامل لعبت دوراً كبيراً في ظهور العديد من الأعمال الروائية، خصوصاً الرواية التي كتبها الأسرى في سجون الاحتلال، وفترة وجود الانتدابات على الوطن العربي الذي امتد لسنوات طويلة، وما إن تخلصت الدول العربية من الاستعمار حتى اشتغلت فيها الحروب من جديد، منها الحروب الأهلية كالحرب الأهلية اللبنانية، وحروب خارجية كالحرب على العراق، فظهر أمامنا العديد من السجون، منها غوانتانامو، أبو غريب، وغيرهما من السجون.
وتلفت المؤلفة إلى أن هذا الأدب السجن كقضية رئيسة، ويكون السجن هو فضاء العمل المكاني، وقد يكون خارجه، لكننا نجد بقية عناصر العمل الأدبي ترتبط بالسجن بطرف ما، وقد يتطرق العمل إلى مواضيع عديدة من عالم السجن، أو إلى موضوع واحد يسلط من خلاله الكاتب الضوء عليه دون غيره ويكثفه، ولا يشترط أن يكون الكاتب قد خاض تجربة السجن بنفسه، فقد يكتب عنها دون خوضها، لافتة إلى أن أدب الأسرى يندرج تحت أدب السجون، ويكتبه فقط من خاض تجربة الأسر، وهناك من يحصره في أسرى سجون الاحتلال، على عكس أدب السجون، إذ يشمل أدب السجون ما كُتب داخل السجن أو خارجه على أن يكون السجن هو فضاء هذا النص.
من بين الروايات التي يتناولها العمل: “الشرنقة” لحسيبة عبد الرحمن، و”تجليات الشيخ جدي” لمي الحافظ، و”مذكرات في سجن النساء” لنوال السعداوي، و”خمس دقائق فحسب”، لهبة الدباغ، و”تحت شمس الضحى” لإبراهيم نصر الله، و”العشاق” لرشاد أبو شاور، و”إسماعيل” لأحمد حرب، و”يوميات كاتم صوت” لمؤنس الرزاز.
(العربي الجديد)