عامر عبد الله
كاتب سوري من الجولان مقيم في النرويج
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق الملف
مفاوضات فصل القوات بين سوريا وإسرائيل
عقب انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة وبناء لاقتراح الرئيس المصري أنور السادات لعقد مؤتمر دولي في جنيف برعاية الأمم المتحدة وبحضور الدول الكبرى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وذلك يوم 16 تشرين أول (أكتوبر)1973 أمام مجلس الشعب المصري، انعقد المؤتمر في جنيف بتاريخ 21 كانون الأول (ديسمبر) 1973 بحضور مصر والأردن وإسرائيل والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وبغياب سوريا التي رفضت المشاركة، غير أن أعمال المؤتمر عادت وتوقفت بسبب المشاكل والصعاب التي واجهت المؤتمرين وخاصة بين مصر وإسرائيل حين تم طرح موضوع فصل القوات، فعلقت الأعمال لحين إيجاد حل لهذه المشكلة التي عادت وانتهت بتوقيع اتفاق فصل القوات بين الطرفين بتاريخ 18 كانون الثاني (يناير) 1974.
الجدير ذكره أن وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر كان يقوم في ذلك الحين بجولات مكوكية بين الدول المتنازعة للتخفيف من الاحتقان السياسي والعسكري بين سوريا وإسرائيل المنذر بتجدد الصراع العسكري، وهدف من جولاته الوصول إلى اتفاق لفصل القوات بين الطرفين في منطقة الجولان السوري مشابه لما توصل إليه المصريين والإسرائيليين في سيناء، وفي الرابع من آذار (مارس) 1974 جرت اشتباكات عنيفة بين السوريين والإسرائيليين على خط الحدود الجديد بين الطرفين في الجولان مما استدعى تدخلا دبلوماسيا أمريكيا كان بنتيجته انتداب سوريا وإسرائيل ممثلين عنهما إلى واشنطن بعد صدور دعوة من الرئيس الأمريكي بتاريخ 7 آذار (مارس) 1974 لبحث موضوع فصل القوات، في 8 آذار (مارس) أعلن الرئيس السوري حافظ الأسد في خطاب له بأن الحرب مع إسرائيل لم تنته ما لم تحرر كامل الأراضي العربية ومذكراً الإسرائيليين الذين يدّعون بأن الجولان جزء من إسرائيل أن فلسطين ليست جزء من العالم العربي وحسب بل هي الجزء الأساسي من جنوب سورية.
استمر التعنت الإسرائيلي والتصلب السوري حيال موضوع فصل القوات وذلك حين أصر الإسرائيليون على الانسحاب فقط من جيب أكتوبر دون الانسحاب من الجولان، في المقابل أصر السوريون على شرطين أساسيين:
الأول: أن تكون المنطقة الفاصلة بين الطرفين بحدود تسمح بعدم حصول إطلاق نار بين الجانبين.
الثاني: أن يكون الفصل مرفقاً بتعهد إسرائيلي للانسحاب من كامل الأراضي المحتلة.
نتيجة للضغوط الأمريكية على إسرائيل عمدت إسرائيل للتخفيف من تصلبها في مواقفها حيث ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن هنري كيسنجر سيقدم مشروعا للطرفين يقضي بانسحاب إسرائيل من جيب أكتوبر ثم من منطقة جبل الشيخ وجزء صغير من الجولان.
قبیل سفر وزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن أعلن أحد المسؤولين الإسرائيليين أن وزير الدفاع سيطرح على الأمريكيين مشروعاً من عدة نقاط، وهي على النحو التالي:
– الانسحاب من جميع المناطق المحتلة عام 1973.
-الانسحاب من مدينة القنيطرة في الجولان والمحتلة عام 1967.
– تخفيض القوات بشكل يضمن عدم قصف المستوطنات الإسرائيلية في الجولان.
– وضع قوات طوارئ تابعة للأمم المتحدة في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل ووضع هذه المناطق تحت السيطرة المدنية السورية.
عاد وكرر المسؤولون الإسرائيليون عشية سفر دايان إلى واشنطن أن الخطة المطروحة للنقاش تتمحور حول النقاط التالية:
-انسحاب إسرائيل مسافة 15 كلم من جيب أكتوبر يعاد منها 10 كم للسوريين مع وجود قوات عسكرية سورية محدودة فيها.
– وضع قوات طوارئ دولية في الكيلومترات الخمسة المتبقية.
– تبقي القوات الإسرائيلية على بعض من قواتها في المنطقة المتبقية من جيب أكتوبر.
– تخفيض عديد قوات الطرفين ضمن مسافة 20 كم على طرفي خط 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 أي خط قبل الحرب.
– تبادل الأسرى بين الطرفين.
قضية جيب أكتوبر:
من الملاحظ هنا أن وفداً عسكرياً سورياً غادر إلى واشنطن بعد عودة دايان وكان برئاسة اللواء حكمت الشهابي رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك لاطلاع المسؤولين الأمريكيين على وجهة النظر السورية، وبعد أن وصل الوفد إلى واشنطن في 11 نيسان (أبريل) 1974 بدأ مشاوراته مع وزير الخارجية كيسنجر، خلال المباحثات قدم السوريون اقتراحاتهم الرامية إلى انسحاب إسرائيلي من كامل الجيب المحتل والمعروف «بجيب أكتوبر» ومن نصف مساحة الجولان المحتل عام 1967 كذلك ترفض سوريا أي تواجد لقوات الطوارئ الدولية في المنطقة المحررة وتأمل بإنشاء منطقة محرمة يرابط فيها مراقبون دوليون، في المقابل أعلن كيسنجر عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى حل بين الطرفين خاصة وأنه سيقوم بجولة في المنطقة لتقريب وجهات النظر بين السوريين والإسرائيليين.
في هذه الأثناء تقدمت إسرائيل، حول موضوع فصل القوات مع سوريا، بمشروع يقضي بانسحاب جزئي من جيب أكتوبر مع قبولها بتواجد محدود للقوات الدولية، لكن سوريا رفضت هذا العرض وتقدمت بمشروع مقابل يقضي بما يلي:
– انسحاب القوات الإسرائيلية من القنيطرة وثلاثة تلال محيطة بها هي تل الفرس وتل أبو الندى وتل العزيزيات.
-الانسحاب من جيب أكتوبر المحتل عام 1973.
– التعهد بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة حسب جدول زمني محدد.
وساطة كسينجر لحل قضية جيب أكتوبر ومطلب عودة النازحين السوريين لأراضيهم
مع وصول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة وإزاء التوتر القائم بين السوريين والإسرائيليين تقدم كيسنجر بمشروع اعتبره حلا وسط، تضمن هذا المشروع أفكارا من المشروعين السوري والإسرائيلي على النحو التالي:
– انسحاب إسرائيلي من جيب أكتوبر ومساحته 525 كم مربع مع انسحاب إسرائيل ميل واحد من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ومن مدينة القنيطرة.
– خفض عدد القوات من الجانبين ورسم جديد يفصل بين القوات.
– مرابطة قوات من الأمم المتحدة في المنطقة العازلة.
– تبادل الأسرى وعودة النازحين السوريين إلى أراضيهم.
عارض المشروع الطرفان السوري والإسرائيلي، حيث أكد الرئيس السوري حافظ الأسد على الأسس السورية الثابتة للحل، فيما طالبت إسرائيل بوقف العمليات أولاً وتهربت عن الرد حول نقطة مدينة القنيطرة وإجلاء 17 مستعمرة في الجولان.
عاد الإسرائيليون وتقدموا بمشروع إلى كيسنجر نص على ما يلي:
-الانسحاب من القاطع الشرقي من القنيطرة وضمها للمنطقة العازلة.
– عودة السكان إلى المناطق التي سينسحب منها الإسرائيليون غرب خط عام 1967 (الجولان المحرر).
– الانسحاب من كامل جيب أكتوبر المحتل عام 1973 مقابل احتفاظ إسرائيل بالتلال الثلاث المحيطة بالقنيطرة.
-تنسحب إسرائيل من مركزين على جبل الشيخ لصالح القوات الدولية.
– تبادل الأسرى.
– انسحاب إسرائيلي من منطقة القنيطرة مع مساحة صغيرة غرب خط 6 يونيو 1967 وإطلاق الإدارة المدنية السورية في هذه المنطقة مع اعتبار مدينة القنيطرة من ضمن المنطقة العازلة التي يحرم على سوريا إدخال قوات عسكرية إليها.
– انسحاب إسرائيل من الحميدية والبطمية والرفيد مقابل تخلي سوريا عن مطالبتها بانسحاب إسرائيلي من التلال الثلاث تل الفرس وتل أبو الندى وتل العزيزيات المشرفة على مدينة القنيطرة وكذلك بعدم مطالبتها بإحدى المستعمرات.
رفض السوريون هذا الاقتراح فعاد وتقدم كيسنجر بمشروع أخر ويقضي ب:
– انسحاب إسرائيلي من جيب أكتوبر.
-قبول إسرائيل التخلي عن مركزين من المراكز الأربعة على جبل الشيخ للقوات الدولية.
اتفاق فصل القوات بين سوريا وإسرائيل
توصلت سوريا وإسرائيل إلى اتفاق لفصل القوات بين الطرفين في منطقة الجولان بعد مناقشات كيسنجر وترؤسه مفاوضات شاقة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون إنجاز اتفاقية فصل القوات وأعقب ذلك بيان رسمي إسرائيلي يعلن قبول إسرائيل بالاتفاقية.
. . . “تم توقيع الاتفاقية يوم 31 أيار (مايو) 1974 عند الساعة الثالثة عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين بتوقيت دمشق المحلي تحت رعاية الأمم المتحدة ومشاركة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وتوقف القتال بين القوات السورية والإسرائيلية في الجولان عند الساعة الرابعة عشرة والربع، أي بعد نصف ساعة من توقيع الاتفاق في جنيف”.
أوردت صحيفة البعث السورية نص الاتفاق على النحو التالي: تراعي سوريا وإسرائيل مراعاة دقيقة وقف إطلاق النار بينهما في البر والبحر والجو، وتمتنعان عن كل الأعمال العسكرية ضد بعضهما البعض منذ توقيع هذه الوثيقة طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة رقم 338 المؤرخ بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
تفصل القوات العسكرية السورية والإسرائيلية وفقا للمبادئ التالية:
أ – تكون كل القوات العسكرية الإسرائيلية غرب الخط المسمى بخط (أ) على الخارطة المرفقة بهذا الاتفاق باستثناء منطقة القنيطرة حيث تكون غربي هذا.
ب – تكون كل الأراضي شرقي الخط (أ) تحت الادارة السورية ويعود المدنيون السوريون إلى هذه الأراضي .
ج – تكون كل القوات السورية شرقي الخط المسمى بخط (ب) على الخارطة المرفقة .
د – تكون المنطقة بين الخطين (أ) و(ب) على الخارطة المرفقة منطقة فصل وترابط في هذه المنطقة قوة مراقبين دوليين تابعة للأمم المتحدة ومنشأة وفقا للبروتوكول المرفق مع الاتفاقية .
هـ – تكون هناك منطقتان متساويتان لتحديد الأسلحة والقوات واحدة غرب الخط (أ) وواحدة شرق الخط (ب) حسبما اتفق عليه.
و – يسمح لسلاحي جو البلدين بالعمل حتى خط كل منهما بدون تدخل من الجانب الآخر .
ز- في غضون 48 ساعة بعد توقيع هذا الاتفاق يصار إلى الإفراج عن جميع الأسرى والجرحى الذين يحتفظ بهم كل من الجانبين .
ح – هذا الإتفاق ليس اتفاق سلام بل هو خطوة نحو سلام عادل ودائم استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
بدأ الطرفان تنفيذ الاتفاق اعتباراً من 6 حزيران (يونيو)1974 حيث تم تبادل الأسرى، وفي اليوم التالي بدأ الإسرائيليون الانسحاب من جيب سعسع كما تم الاتفاق عليه مسبقاً، علماً أن الانسحاب تقرر أن يتم على أربع مراحل وبنهايته تكون إسرائيل قد انسحبت من 663 كم مربعا هي إجمالي مساحة جيب أكتوبر ومدينة القنيطرة والرفيد و21 موقعاً استراتيجياً محصناً، كما تم الاتفاق على أن يكون الوضع بعد تنفيذ المراحل الأربع يوم 26 حزيران (يونيو) كما يلي:
– تمركز قوة دولية من 1250 رجلاً في المنطقة العازلة بين الخطين (أ و ب) مع إخلاء إسرائيل ثلاثة مراصد على قمم جبل الشيخ.
– عودة 50 ألف سوري إلى المنطقة ويعهد بحفظ الأمن إلى الشرطة السورية المسلحة بأسلحة خفيفة من السلاح.
– إقامة منطقتين إلى جانب المنطقة العازلة تكون محدودة القوة العسكرية بعرض 10 کم.
– إقامة منطقتين إلى جانب المنطقتين السابقتين وأيضاً بعرض 10 كم وتضم كمية أكبر اعتباراً من تاريخ انتهاء فصل القوات أصبح على الأرض منطقة فاصلة بين القوات السورية والإسرائيلية وهي منطقة منزوعة السلاح لكنها تخضع مدنياً للسلطة السورية، وتعتبر هذه المنطقة التي يتراوح عرضها بين 0.2 كم و 2.5 كم نهاية السيادة السورية والخط الغربي نهاية السيادة الإسرائيلية.
أما الخط الحدودي فأصبح كالآتي:
ابتدأ من جنوب نهر اليرموك وعلى مسافة 1 كم من مكان التقائه بوادي روكد (رقاد) يتجه الخط الحدودي نحو الشمال الشرقي حتى رأس تل أبو الغيتر على مسافة كم جنوب شرقي هضبة مجشيم، ويمتد هذا الخط على طول 5 كلم على منحدرات الضفة الشرقية لوادي روكد بشكل يضع هذا الوادي ومصبه في نهر الأردن داخل فلسطين المحتلة (إسرائيل)، ينتقل الخط الحدودي عند مصب وادي (نوب) ليقطع وادي روكد (رقاد) ليصل إلى تل أبو الغيتر حيث يسير الخط عند المنحدرات الغربية للوادي لتكون ضفتي نهر اليرموك ضمن الأراضي السورية، يستمر خط الحدود من وادي روكد نحو الشمال الشرقي حتى قرية البطمية التي تقع على مسافة 1.5 كلم شرقي الوادي، ويستمر الخط صعوداً ليصل إلى أقصى نقطة نحو الشرق ويقطع طريق القنيطرة – درعا، وخلال مسار الخط بين هاتين المنطقتين يقطع مناطق وعرة هي تل عكاشة والمنحدرات الشرقية لتل السقف الكبير وجبل (حزاك) حيث يصل إلى قمته، ينحرف خط الحدود جنوب شرقي القنيطرة على مسافة 1 كم شرق قرية صرمان (القحطانية) نحو الغرب ليتجه شمالاً حيث يمر بالأطراف الشمالية ليدخل منطقة جفعاتي (بقعاتا) ماراً أمام قرية جباتا الخشب ليعود وينحرف الخط مجدداً على مسافة 3 كم غرب جباتا الخشب نحو الغرب ليصل إلى أسفل منحدرات جبل الشيخ الجنوبية الشرقية بالقرب من قرية مجدل شمس، يستمر بسيره نحو الشمال الغربي وعلى بعد حوالي 1 كم شمال شرق البلدة (مجدل شمس) ليتجه نحو الشمال الشرقي ويستمر بصعوده نحو الأعلى بشكل خط مباشر فوق الصخور إلى أعلى نقطة في هذه المنطقة حيث يمر من الجبل متسبيه شلجم (٢٢٢٤م) وقبل الوصول إلى القمة ينحرف الخط انحرافا حادا نحو الشمال الغربي جنوب الجبل ليسير نحو المنحدرات الغربية ليصل إلى الحدود اللبنانية.
نتائج هذا الاتفاق المخزي:
– لم يعد كافة أبناء الجولان الذي نزحوا عام 1967 لأراضيهم فالغالبية العظمى بقيت في عشوائيات دمشق وريفها ودرعا وحمص.
– عاد فقط فئتين من أبناء الجولان هما الفئة التي تخص مدينة القنيطرة ومحيطها ولهم سبع سنوات نازحين وفئة أبناء المناطق التي احتلتها اسرائيل بعد حرب 1973 واستمر نزوحهم حوالي سبعة إلى ثمانية أشهر.
– كان هذا الاتفاق الأخير بين سوريا واسرائيل في القرن العشرين.
– هذا الاتفاق فرض حالة اللاحرب واللاسلم حسب مشروع كسينجر.
– لم تخرج طلقة سورية واحدة بعد هذا الاتفاق وكانت حرب تشرين 1973 هزيمة سورية إضافية، فهي لم تحرر الجولان ورسخت الاحتلال وشجعت اسرائيل فيما بعد على قرار ضم الجولان.