بعد إعلان المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين عزمه تنظيم انتخابات جديدة للأمانة العامة للرابطة، ينتج عنها مكتب تنفيذي ورئيس جديدان، تطور خلاف إداري بين أعضاء المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين والزميل نوري الجراح (بعد طلبه لمرة ثانية، تمديد مهلة الترشح شهرا جديدا، ورفض المكتب التمديد إلا لأسبوعين) إلى “حرب” حقيقية وضعت الرابطة على شفا انشقاق كبير (وربما الانفراط كليا).
تجاهلت هذه الحرب الشعواء أسباب الخلاف الأساسية، والتي تعود إلى إهانات لحقت بأعضاء المكتب التنفيذي بعد اجتماعيه الأولين مع الزميل الجراح، نتجت عنها استقالتان من عضوية المكتب التنفيذي احتجاجا، وغياب الزميل الجراح بعد ذلك عن اجتماعات الرابطة ونشاطاتها وفعالياتها كلها، ووقع المكتب التنفيذي في ورطة أخلاقية كبيرة، لأنه كان الجهة التي رشحت الزميل الجراح لرئاسة الرابطة من دون منافس، والجهة التي أقنعت الكثيرين من أعضاء الرابطة ببرنامجه الذي تقدم به، وارتأت بعد مرور سنة على تلك الحادثة المؤسفة أن الوقت حان لحل المشكلة بإجراء انتخابات ديمقراطية جديدة ينتج عنها رئيس جديد.
ظهر بعد فترة على الحرب أن الزميل الجراح يريد تخريب عملية الانتخابات، وبالتالي انتخاب رئيس جديد، واستخدم وسيلتين:
الوسيلة الأولى هي خلق توتر داخل الرابطة يؤدي إلى نزاع مصطنع داخلها، وخلق محورين فيها، يقود هو المحور الأول، ويحشر المكتب التنفيذي في زاوية المحور الثاني. حاول أعضاء المكتب التنفيذي، بكل الطرق، تجنب هذا الاستقطاب، فقام بالاتصال بأشخاص مقربين من الزميل الجراح وطلب اجتماعا معه يحضره محكمان، فرفض، كما وافقنا على مبادرة توسط من أشخاص محترمين، ولهم علاقة بالزميل الجراح، فرفض أيضا.
تجنب المكتب التنفيذي أيضا توسع هذه الحرب أو استخدام الأساليب التي استخدمها الزميل الجراح، فلم ندخل في جمع تواقيع، ولم نقم بالاتصال بكتاب سوريين وعرب، ولم نسع لاستخدام سلطاتنا في توريط أسماء بهيئات وتشكيلات ولجان ومواثيق مخترعة على عجل وفي الوقت الضائع وتحويل أصحابها إلى دعاية انتخابية الخ… ولم نطلب تواقيع أحد على أي بيانات، ولم نقدم وعودا، ولم نستخدم نفوذا، ولم نطلب معونة كتاب سوريين أو عربا إلا في قضايا تحض على وحدة الرابطة ورفض الانشقاقات والانقسامات، كما تجنبنا أي مهاترات وإساءات شخصية، واعتبرنا، وما زلنا، كل زملائنا، بمن فيهم من خاصمونا وقرروا الانخراط في محاور، وقبول المزاعم المسيئة ضدنا.
القضية الثانية هي الإساءة المباشرة لأعضاء المكتب التنفيذي عبر تناول ذممهم السياسية والفكرية والأخلاقية والمالية.
رفض المكتب التنفيذي كل أشكال الاستفزاز، واعتبر ما يحصل نزاعا مصطنعا، ورد على الاتهامات المشينة بذمته المالية والسياسية والفكرية بالطرق الإدارية والقانونية، واستمر بإجراءات التجهيز للانتخابات، كما طالب بمحاسبته على تلك الاتهامات أمام الأمانة العامة الجديدة المنتخبة.
***
فوجئ المكتب التنفيذي للرابطة ببيان لـ24 مرشحا للأمانة العامة (إضافة للزميلة عائشة أرناؤوط التي لم تتقدم للترشيح ولم يرد اسمها في قائمة المرشحين المسلمة من السيد طارق ركيلة، المعين من قبل الزميل الجراح، أو من السيد فائق اليوسف، المعين من قبل الرابطة)، والذي يستخدم الوسيلتين المذكورتين أعلاه لمنع الانتخابات، من أشخاص يفترض أن مصلحتهم أن يفوزوا بتلك الانتخابات.
الواضح في البيان المذكور أنه مكتوب بيراع الشخص نفسه الذي كتب بيانات “محور” الزميل الجراح السابقة، وسواء اقتنع موقعو البيان كلهم بالمكتوب فيه أم لا، فإنه يسيء إليهم، كما يسيء للزميل الجراح نفسه، من حيث حسبانه الإساءة للمكتب التنفيذي.
الإساءة الكبرى في هذا البيان، (وفي أسلوب اختراع الهيئات واللجان والتشكيلات العجيبة وخصوصا “هيئة مراقبة الالتزام بالنظام الداخلي” التي تحتوي كلمات يختص بها السجانون والجلادون: المراقبة والالتزام والنظام)، أنها تحولت عمليا إلى إعلان البراءة من المكتب التنفيذي، الذي قاد الرابطة بشرف ونزاهة واحترام، والذي دعا هؤلاء الأشخاص المحترمين أنفسهم لانتخابات جديدة، كما أنها تحولت إلى إعلان ولاء ومبايعة لـ”السيد الرئيس” نوري الجراح.
لم يكن ينقص الزميل الجراح، والزملاء الكرام الموقعين على البيان، سوى القيام باستعراض عسكري لإلقاء التحية على الزميل الجراح، الذي أمن لهم هذه الفرصة العظيمة لتكريسه رئيسا فوق القوانين والأنظمة والانتخابات والجاذبية الأرضية.
لقد ذكرنا البيان، للأسف الشديد، بمظاهرات التأييد السياسية في البلدان العربية، وكذلك ذكرنا بتراث سياسي هائل من تجريم الأشخاص واغتيالهم سياسيا ومعنويا وأخلاقيا، ومن حسن الحظ أن السادة الموقعين على البيان لم تكن لديهم سلطات البطش بنا واعتقالنا لانتزاع الاعترافات منا بشرعية “الرئيس” الذي أهان عشرة من أعضاء المكتب التنفيذي ثم غاب أكثر من سنة وعاد ليعلن أن العرس عرسه وأن الانتخابات انتخاباته إلى آخر ما في هذه الظاهرة السياسية المؤسفة التي ظننا أن المثقفين قادرون على النجاة بأرواحهم منها.
***
رغم كل ذلك فإن أعضاء المكتب التنفيذي يرفضون مجددا هذا الاستقطاب المخجل والمسيء لكل من قبل المساهمة فيه، وهم لا ينظرون إلى الموقعين ككتلة واحدة صماء، ويعرفون أن البعض مضطرون للتوقيع لسبب أو لآخر، وهو يناشدهم تحكيم العقل والنظر إلى القاع الذي وصلت إليه الرابطة لأن الزميل الجراح لا يريد إنجاح انتخابات يفترض أن تنهي هذا الخلاف التافه الذي تحول إلى حرب داحس وغبراء.
طوال هذا الخلاف العجيب، لم نقرأ للزميل الجراح اعتذارا واحدا على تصرفاته، ولا اعترافا ببشريته، كما فعلنا وكررنا نحن عدة مرات، فهل الزميل الجراح من نسل الآلهة الخالدين، وهل هو “القائد الضرورة” و”البطل المنقذ” الذي تنتظره الجماهير، أم هو شخص مثلنا يصيب ويخطئ؟
***
لنفترض، جدلا، أن كل سرديتنا كاذبة، وأن الزميل نوري الجراح لم يقم بإهانة أعضاء المكتب التنفيذي، وأنه كان يقوم بواجباته كعضو في المكتب التنفيذي ورئيس خلال كل هذه المدة الماضية، أفليس إذن، بناء على هذه الحبكة الثانية الافتراضية، أن يكتشف خلال ذلك انتهاء صلاحية المكتب التنفيذي قبل سنتين من انتخابه، ويعتبر بالتالي انتخابه كله أمرا باطلا بني على باطل، وأن يكتشف وقتها انعدام النزاهة عندنا، وانتهاكاتنا لللنظام الداخلي، وسوء إدارتنا للرابطة، وسوء أمانتنا الخ…؟ ولماذا تمت ظهرت هذه الاكتشافات كلها بعد الخلاف معه؟
أما كان بمقدوره في اجتماعه الرئاسي الأول أن يطلب التقارير الإدارية والمالية للرابطة كي يبني عليها بدلاً من افتعاله شجارات جانبية مع عضوين من أعضاء المكتب؟
لقد تسبب انجراح نرجسية الزميل الجراح، بصدع كبير في الرابطة لن تقوم لها قائمة بعده، وتمكن من خلق جو كبير من الشحناء والتوتر والعدوانية اللفظية الهائلة، وتمكن في مسافة أسابيع قليلة، من تقطيع وشائج وعلاقات وصداقات، وخلق كراهيات وعداوات ومحاور خلبية، وهذا انجاز سيحاسبه عليه التاريخ الثقافي لسوريا.
والأسوأ من ذلك، أن هذه القضية المصطنعة خلقت بيئة للخائضين في ذمم وكرامات رفاق وزملاء لم يكن ذنبهم إلا أنهم اجتهدوا، فأصابوا أحيانا، وأخطأوا أحيانا، لكنهم في النهاية كانوا يقومون، بقدر طاقتهم وقدرتهم على الاحتمال، وعلى حساب عائلاتهم وأشغالهم، بجهد جماعي غير مأجور، ولا يريدون على ذلك شكرا أو تقديرا، ولكنهم لم يتوقعوا، في نهاية كل ذلك، أن يُخاض في ذممهم وكراماتهم ويتم التعامل معهم كمشبوهين ومتهمين ومجرمين، وكل ذلك من أجل أنا متضخمة لا ترى الآخرين.
كنا نتمنى على الزميل الجراح، الذي “قصفنا” خلال الأسابيع الفائتة بقضايا النزاهة والعدالة والديموقراطية ومواثيق الشرف والالتزام بالنظام الداخلي، أن يكمل السلسلة الذهبية ليصل إلى مصطلحات التواضع والخجل والاحترام والاعتراف بالأخطاء، ولكنه، وقد انتشى بهذه الهيئات والتشكيلات والبيانات، أضحى، كما يقول المثل الانكليزي، ضحية “نجاحه” في تهديم الرابطة وتكسير أركانها، ولم يعد يرى إلا غاية الانتصار على جمع من رفاقه وأصدقائه السابقين.
يخجلنا، شديد الخجل، أيضاً أن يتغافل جمع من الأشخاص الكبار الذين نجلهم ونحترمهم عن كل هذه المفارقات ويدخلون حمأة الكراهية والعدوانية والحض على الشر. ألم يكن هناك، على سبيل المثال، يقول للزميل الجراح، إنه من غير اللائق، إن لم يكن أشبه بالفضيحة، أن يؤلف لجنة “لمراقبة الالتزام بالنظام الداخلي” مؤلفة من 3 من مستشاريه، ورابع هو خله ونديمه؟ وكيف لأعضاء الرابطة ألا يسخروا من فتاوى هذه الهيئة الهجينة المضحكة التي لم تتوقف، هي وبقية التشكيلات المتوالية، عن إصدار القرارات التي تكرس شرعية أبدية للسيد الرئيس وتؤكد لا شرعية “خصومه” الأشرار؟
***
علينا أن نعترف، في النهاية، أن ما حصل في الرابطة، هو صورة لما حصل في سوريا، وأن هذه المؤسسة التي استطاعت الحفاظ على كينونتها، بمواجهة الأضداد، لن تعود أبدا كما كانت، وأننا نفتح مرحلة جديدة في التاريخ الثقافي للثورة السورية، ونغلق مرحلة أخرى.
وعلينا أن نعترف أيضا أن الزميل الجراح نجح في شق الرابطة واختراع رابطة أخرى بائسة تدور حول شخصه، وقد قبل الموقعون على البيان المذكور، للأسف أن يكونوا نواة هذا الانشقاق وتلك “المؤسسة” الجديدة المخصصة لترئيس الزميل الجراح وليس لأي شيء آخر، ولو كلف ذلك تخريب جهود ست سنوات من العمل الجماعي.
لقد تمكن فرد من هز أركان رابطة وترويع “سكانها”، فيا له من انتصار بائس.
لقد تساءلنا، وتساءل أصدقاء الرابطة، إن كانت هذه نهايتها أم هي بداية جديدة لها؟
أملنا أن تكون هذه بداية جديدة، وتأسيسا على كل ما سبق، سنصدر قرارنا الأخير قريبا.