“بلاغة المكان” لعلي سفر.. اللغة مفتاح الشعرية الأول

0

عن “دار موزاييك للدراسات والنشر” في تركيا، صدرت الطبعة الجديدة لكتاب “بلاغة المكان” للشاعر والإعلامي السوري علي سفر، بعد أكثر من 25 سنة على صدور طبعته الأولى، التي قوبلت آنذاك بترحيب إعلامي ونقدي، وأثارت بعضًا من الجدالات في المشهد الشعري السوري، حول طبيعة النصوص التي قدمها سفر، وشكل التعاطي معها ضمن الجدل المستمر حول بنية قصيدة النثر، واستجابات القصيدة العربية للتحولات العامة في نهاية القرن.

استعادة “بلاغة المكان” بعد كل هذا الوقت على صدوره تأتي ضمن سياق سوري مضطرب، حيث تشهد البلاد انقسامًا مكانيًا، بين الداخل والمنفى، فضلًا عن الانقسامات السياسية، والإحباط العام بسبب انسداد الأفق أمام السوريين ومن بينهم الأدباء والمثقفين، ولهذا يرى علي سفر في تصريح خاص لألترا صوت: “إن إصراره على طباعة الكتاب مرة ثانية، جاء بناء على اعتقاده بأن المناخ التسعيني الذي حمل تجربته إلى القارئ حمل معها أحلامًا ورغبة بالتغيير، ولهذا يصبح النص حاملًا للمستقبل، حتى وإن جرت الأحوال إلى أوضاع مأساوية كهذه التي تعيشها سوريا.. كما أن الرهان على اللغة بوصفها مفتاح الشعرية الأول، يبدو هنا بالنسبة لتجربته طازجًا، وحاضرًا، رغم المسارات المختلفة التي مضت صوبها في الإصدارات اللاحقة”.

وفي سياق هذه الرؤية سيكون لبلاغة المكان خصوصيته ككتاب فهو يؤرخ ومن خلال الفلتر الذاتي لتاريخ الشخصية في المدينة، وبما عاشته من توترات واضطرابات، وضمن هذا التصور سيلاحظ القارئ في نصوص الكتاب المستعادة راهنًا تفاصيل تتحدث عن الراهن الذي حدث في الماضي، فالشوارع تكتنز الخوف من الاعتقال، والمدينة تمضي من خراب إلى خراب!

قدم للطبعة الجديدة الروائي والشاعر السوري إبراهيم الجبين، فقال في المقدمة: “يبدو “بلاغة المكان” مفتاحًا وضعه علي سفر لذاته، منه عبر إلى جسر من ضباب قاده إلى سحر الصورة، فكانت الكاميرا صديقة للشاعر، كما هي الكلمات. لكنه بقي جسرًا طويلًا فتنته أن لا أحد يريد أن يرى نهاياته، يعبر من طالع الفضة إلى حجارة قاسيون ودرجات النوفرة. ولأنه كتابُ متحرّر من بعده الزمني الذي كتب فيه، لا يدعو شعرٌ كالذي تقرأه في بلاغة المكان إلى الحزن، ولا إلى حنينٍ غامر، مثلما يفعل الشعر السوري، زمن المأساة. لكنه يتركك تتساءل طيلة الوقت عن ذلك الخبز البهي في تلك الأمسيات الشتائية البعيدة البعيدة في دمشق. هل يعود يومًا ليعيد بلاغة ذلك المكان؟”.


من الكتاب

الدويلعه 1

وللأعمدةِ تَصَالُبُ الأضواءِ هنا، أنينُ الميتين والضجيج.

تبدلَ المناخُ ما بين طفلٍ يزرعُ السكين في تفاصيل غصنٍ يضيعُ، وحبٍّ يطبقُ درفتيهِ على جدرانٍ، تحوي الشارع الضاجَ، والعربات المحملة بانتحال الصفات!

مضى في غير وقتٍ كُلُ حلمٍ ضاجعَ الطفولةَ وتركَ خلفه شقوةً وسجن.

ماتَ وراء النفقِ ومرَّ بين ضفتين من الصلبان.

وكان ثمة منحنى للجملِ المقولة على عَجَلٍ:

“للروح أفقٌ هو السماء، وللجسدِ الفراغ والظلمة!”

وفي هاتيكَ البرهةِ لم تأتِ الآخرةُ

عجزتْ الكنائس عنها، فزعتْ ومالتْ الأغصانُ كما الاتجاهات.

وقلتِ عن التقاطع أنه الملاذُ، نُحِتَ من الخشب وغطاه الطين، لها وله،

الأعمدةُ الضوئيةُ العابرةُ على طريق المطار،

والتقاطعُ الخرافيُ للدويلعه وطريق جرمانا،

طفلٌ عصا والديه في يوم القيامةِ

وأنجزَ ما لديهِ من مهماتْ!

الدويلعه 2

وهناك في خزان حقائق هذا الوقت خبزُ الأمسياتِ البهيةِ الناضجةْ.

وأيضًا صور احتراق بلاغتنا في طور اللحى والعادة السريةِ والقلق.

يلجُ الآخر كل الحب، ويتركُ كُلَ القولِ لديك.

ماذا يجمع في حبه من أحكام؟

هل ينطبقُ العُرفُ عليه؟

يتعدى المكان والزمان!؟

كانت له الخوالي من الحارات، ويترك -إذ يستذكرُ- كُلَ الحقول التي أمستْ ظلالًا للبيوتْ.

منذ التقاطع حسمَ بالعينين الامتداد، جرى صوب الغوطة وعند الجامع ركعَ، قال لك: (…)

واستجمعتَ كل الرفاقِ ذات صبحٍ، وشهدتم جميعًا على حقيقة الوقت مما لفظه العذاب، وأبقيتَ على الوصل غائمًا في الأسلاك.

أيُ خبزٍ هذا الذي به تغصُ؟ ويحرقكَ اللسان من اللهيب؟ كما في الأول من التاريخ!

كانت عادتكَ السرية حبًا كالأغنيةِ، وامتداد شعر ذقنِكَ إلى الكنائسِ والغبارْ.

عشتَ، لك هذه الأبعاد،

وكُلَ الأغراض!

*الترا صوت