(دول المؤامرة الكونية على سوريا تمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم. إنها نفس الدول التي حاربت سوريا وحاولت حرمان السوريين من نظامهم ورئيسهم بواسطة الإرهاب. والآن، بعدما فشلت مخططاتهم الشيطانية لإسقاط سوريا، وبعدما انتصرت سوريا على الإرهاب، وراحت تضمد جراحها بنفسها، بدون أي مساعدة من تلك الدول الشريرة، يلعبون ورقتهم الأخيرة من خلال تسييس موضوع اللاجئين بمنعهم من المغادرة، وهناك أخبار مقلقة تتسرب بصعوبة مفادها أن حرس الحدود في تلك الدول يطلقون النار على جموع اللاجئين السوريين الذين يحاولون اختراق الجدران العازلة السميكة باتجاه وطنهم الذي ينتظرهم بشوق الأم لأبنائها.
وتضع تلك الدول المتآمرة شروطاً سياسية تمس السيادة الوطنية للسماح لسبعة ملايين سوري بالعودة إلى وطنهم، كقرارات مجلس الأمن التي يراد فرضها على الشعب السوري، هذا الشعب الذي طرد الاستعمار وبنى دولته المستقلة قبل سبعين عاماً يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه السيادية كتغيير الحكومة أو التدخل في مسارات الانتخابات الديموقراطية أو مراقبة صرف أموال إعادة الإعمار مع العلم أن تلك الدول ترفض أصلاً أي مساهمة في ذلك مشترطة مساهمتها بما تسميه «انتقالاً سياسياً» ليس إلا محاولة لفرض عملاء سوريين لتلك الدول حكاماً على شعب يأبى الخضوع.
لذلك تداعت مجموعة من الدول الصديقة وعقدت اجتماعاً في دمشق بمبادرة من الأصدقاء الروس هدفه التباحث حول سبل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتأمين كل ما يمكن أن يحتاجوه من بيئة مناسبة وخدمات لتيسير تلك العودة التي يتوق إليها السوريون على طرفي خط اللجوء: من حرموا من وطنهم طوال سنوات بسبب الإرهاب وبسبب عرقلة الدول التي لجأوا إليها لعودتهم، وأهاليهم ممن صمدوا في الداخل على رغم كل الصعوبات ولم يهربوا تاركين وطنهم للإرهابيين متعددي الجنسية الذين أرسلتهم تلك الدول نفسها بهدف إسقاط سوريا التي لا يمكنها أن تسقط بحكم التاريخ والجغرافيا والجينات المملوءة بالوطنية الصافية. معروف للقاصي والداني أن السوري يموت ولا يتخلى عن بشار الأسد.)
هذا على وجه التقريب ما يمكن أن تكون عليه رواية النظام وأبواقه لمشكلة الهاربين السوريين من جحيم الأسد. الجحيم الذي تعكسه صور آلاف السوريين المحتشدين في أقفاص «الطابور» أمام المخابز للحصول على حصتهم المقننة من الخبز بموجب البطاقة «الذكية» التي شكلت الإنجاز الأبرز لأسماء الأسد بوصفها أحد أعمدة العصابة الحاكمة، أو الطوابير المحتشدة للحصول على أبسط وسائل الحياة العادية كالوقود والمواد الغذائية، هذا إذا كانوا يملكون أصلاً ما يدفعونه مقابل الحصول عليها.
الموصوف أعلاه هو فقط المنطقة «الأبرد» من الجحيم الأسدي، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أعماق هذا الجحيم المتمثل في غياب أي حصانة للسوري تحت الحكم الأسدي من الاعتقال الكيفي أو القتل أو الخطف بغرض تحصيل فدية، أو الاستيلاء على الممتلكات أو التهجير إلى مناطق أخرى، وغير ذلك من الأعمال الوحشية التي تفوق فيه النظام على أقرانه من الأنظمة المتوحشة أو الإرهاب الأعمى.
وعلى ذكر الإرهاب، أعمى كان أو مبصراً، يمكن القول إن اختيار توقيت عقد «مؤتمر اللاجئين» من قبل دولة الاحتلال الروسي، له صلة مباشرة بالعمليات الإرهابية التي وقعت مؤخراً في فرنسا والنمسا. فالمؤتمر، وفقاً لهذا التفسير، شكل رسالة إلى الدول الأوروبية التي استقبلت قسماً من اللاجئين السوريين في السنوات الماضية، رسالة تفهمها تيارات يمينية معادية للاجئين، تستخدم «الإرهاب الإسلامي» كورقة رابحة في دعاواها المعادية للاجئين، على شكل مقايضة خسيسة على النمط الروسي: نريد أن نخلصكم من اللاجئين، فادعمونا! لحسن الحظ أن التيارات المذكورة لا تشكل غالبية اجتماعية وازنة، وإن كانت بعض الحكومات قريبة من تبني سياسات من هذا النوع، وأبرزها حكومة ماكرون الفرنسية التي تلعب على استمالة الناخب اليميني الكاره للأجانب، متنافسة في ذلك مع حزب الحركة الوطنية لصاحبتها ماري لوبان. وعموماً بالنظر إلى صعود حكام شعبويين يمينيين في عدد من الدول الأوروبية، تبدو الصفقة الروسية المطروحة بشأن تخليص أوروبا من عبء اللاجئين السوريين، صفقة عقلانية ورابحة بمقاييس السوق. فمهما كان التمويل المطلوب لتأمين شروط إعادة اللاجئين كبيراً فهو لن يكون أكبر من الكلفة التي تتحملها تلك الدول لمساعدة قسم من اللاجئين أو المساعدات الموجهة للاجئين في المخيمات داخل سوريا أو في الدول المجاورة. وعلى سبيل المثال خضع الاتحاد الأوروبي لابتزاز الحكومة التركية وتعهد بدفع 6 مليارات يورو للاحتفاظ بملايين اللاجئين السوريين على أراضيها ومنعهم من العبور باتجاه أوروبا. وتشجع الحكومة الدانماركية العدد القليل من اللاجئين السوريين على أراضيها على العودة إلى سوريا من خلال إغرائهم بمبلغ بسيط (يقال عشرة آلاف يورو للشخص الواحد) ليبدأوا به حياتهم… في جحيم الأسد.
كذلك يمكن ربط توقيت عقد المؤتمر بالفترة الانتقالية في واشنطن قبل انتقال السلطة من ترامب إلى بايدن، على أمل روسي بتجاوب الإدارة الأمريكية الجديدة مع هذا «الجهد» الروسي لتخليص العالم من وجع الرأس المسمى مشكلة سوريا. هذا العالم الذي تعامل طوال السنوات العشر الماضية مع هذه «المشكلة» ولسان حاله يتبرم ويضيق ذرعاً بأنها لم تجد حلاً لها بعيداً عنه. أما اللاجئون السوريون أنفسهم، موضوع مؤتمر دمشق، فلا أحد يسألهم عن رأيهم فيما إذا كانوا يريدون حقاً العودة إلى بلدهم أم لا، فهذا يقع خارج اهتمامات المؤتمر المذكور وخارج اهتمامات العالم أيضاً. والحال أن من نجا من السوريين من جحيم الأسد لن يعودوا إليه طواعيةً، حتى لو تغير النظام في دمشق وأعيد إعمار ما دمره الطيران الروسي والأسدي، فقسم مهم منهم أسس حياة جديدة في بلدان اللجوء لن يتخلى عنها ليبدأ من جديد كرمى لرائحة ياسمين دمشق. يبقى أن القسم الأكبر من اللاجئين المقيمين في مخيمات العار سيرحبون بالعودة إلى مدنهم وقراهم، ولكن من المشكوك فيه أن يسهل النظام هذه العودة، فإذا حدث وتساهل معهم، سيكون مصيرهم كمصير السوريين المحكوم عليهم بالاحتشاد داخل الأقفاص الحديدية أمام المخابز.
*القدس العربي