بكتاش آبتين.. في أكمام العالم كلّه أبحثُ عن يد

0

قد يموت الشعراء، بيدَ أنّ الشعر لا يموت. وها هو شاعرٌ آخَر يرحل عن عالمنا، مهدي كاظمي، المعروف باسمه الفنّي: بكتاش آبتين (1974 – 2022)، والمولود في مدينة الريّ التاريخية، جنوب شرق طهران، مات في سجنه. كان ذلك أوّل من أمس، السبت.

قبل رحيله، انتشرت صورة بكتاش وقدماه مقيّدتان في الأغلال، وهو طريح الفراش في المستشفى بطهران. أمّا تهمته، فقد تبدو غريبة للبعض: العضوية في “رابطة كتّاب إيران“، والمشاركة في نشاطها، وتأليف كتاب عن نصف قرن من تاريخ الرابطة.

وكانت محكمة الثورة الإيرانية أصدرت حكمها بسجنه هو ورفيقيه رضا خندان مهابادي، وكيوان باجن، ستّ سنوات، لأنهم يشكّلون خطراً على النظام الحاكِم، ليقضي ثلاثتهم فترة محكوميّتهم في عنبر المصابين بفيروس كورونا. وقد عدّ كتّابٌ وحقوقيون هذا الحُكم بمثابة رسالة لترهيب الآخرين، كما أن المنظّمات الدولية والعديد من الأدباء حول العالم ــ من ضمنهم إيزابيل الليندي ــ طالبوا السلطات الإيرانية بإطلاق سراح الثلاثة، دون جدوى.

نشر آبتين عدّة مجموعات شعرية، من بينها: “الأهداب، خيطت عيني”، و”لمّا تُصبح قدمي قلماً” و”هُوية الخَلوة”، و”مجموعة القرود”، و”المطرقة”، التي فازت بالجائزة الأولى لمسابقة شعر الصحافيين.

ولبكتاش آبتين مجالٌ فنّي آخر، إذ إنه معروف في بلاده كمنتِج ومخرج أفلام وثائقيّة، حيث قدم عدّة أشرطة عن شخصيّات فنّية وأدبية إيرانية شاركت في مهرجانات دولية. ومن أفلامه: “13 أكتوبر 1937″، عن الملحّن وقائد الأوركسترا الإيراني الأرميني لوريس جكناوريان؛ و”همايون خُرّم”، عن ملحّنٍ آخر، وكذلك الفيلم الوثائقي “قابة” (رقابة وقد حذف منها أول حرف). هنا ترجمةٌ لمقاطعَ من شِعره.


أنا، أنت
والمُذنبُ في هذا الفرق
كانَ علامةَ الفاصلة.

ما هو وضع يديْ
بعدما داعبت
خدّيك؟

أنا،
أريدك
وفي هذه المسافة القريبة
ما من رؤيا أبعدَ منك.

بهجةُ المسافرين
وكسَلُ منظّم حركة القطارات.
وا أسفاه،
فالسّكك
تربط المدن ببعضها
ولكنّها تبعدك عنّي.


إبرةُ الشمس
على عين الديك المتورّمة
غُراب مضيء
يجعل الأزقّة المظلمة
تستيقظ!

جحيمٌ هي الحياة من دونك
يا أيّها الشعر، يا رؤيا ترميم الإنسان
إنّي أكتبُكَ
وفي أكمام العالم كلّه
أبحثُ عن يدٍ
تحوّل الرصاصة إلى راية بيضاء
فإنّي أحب مثل خفة اليد هذه.

معقّدةٌ هي الحدود
معقّدةٌ الجغرافيا
العالم الثالث المظلوم، الفقير، الخشِن
معقّدٌ هو الانتحار الجماعي للحيتان على الشواطئ
بسيطٌ ولكن
جوازات المهاجرين المخنوقة في الزوارق
يا للعالم الثالث الضحيّة!
رخيصٌ هو الخبز والموت فيك
يا ليت كانت التلسكوبات
تهتمّ بكشفك
بدلاً عن المرّيخ
يا للعالم الثالث الجريح، الحزين، المشوب بالموت!

أرفعُ القبعة عن رأس الحرّية
انظر
من ذا الذي يعرّض حياته هكذا للخطر؟
أنظرُ إلى السماء والبحر
العالمُ حزينٌ وفاتنٌ
مع هذا،
أليس إضراب النيازك
والحيتان
عملاً بطولياً؟

أشجارٌ بعيون خضراء
حمائم بأكفان بيضاء
وأنت بخدين مورّدين!
يا وطني؛
تابوت الشمس
هكذا يسقط
عن كتفيّ السماء العالية!

ينبغي أن أكذب بصدق
فعلى مسافة عدّة أسطُح
قد نشرتُ القمر على حبل
أخشى فهداً
تتقطّر رؤيا القمر من مِخلبيه.

يهطل الثلج
في الصيف يهطل الثلج
عندما تضحك أسنانك!

لقد عشنا من أجل بعضنا
وافترقنا
من أجل بعضنا
مثل رسالة حبّ
تبتعد عن غلافها
لكي تُقرأ…

يُتناقل كلامنا أنا وأنت على الأفواه
تتكلّمين بفمي
تُنشدين هذا الشعر، وأنا أكتبه!

مسافرٌ أنا
وأُخفي وِحدتي في حقيبتي
والآن أجمع ملابسي
ونفسي.

(العربي الجديد) تقديم وترجمة: غسّان حمدان