فقدت الثقافة العربية، اليوم الأثنين، الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر في بغداد عن عمر 80 عاماً، بعد معاناة مع المرض.
ونعى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق رحيل الشاعر، وعزّى الأدباء في الوطن العربي كله، مؤكداً أن “رحيله خسارة فادحة للأدب العربي، فهو التجربة المهمة، والشاعر المبتكر، والأديب الأصيل، والإنسان النبيل.
تبكيك الأنهار والجهات وهي تتعلم الدوران من تدوير تفعيلاتك، وتبكيك الأمم التي تسمو بك، وتعلو لتعود إليك، المجد لروحك الطاهرة الخالدة”.
كما نعاه مدير عام دائرة الشؤون الثقافية العامة الشاعر عارف الساعدي في كلمة قال فيها: “يا لخسارتنا الكبرى، أنعى لكم رحيل الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر، فقد وافته المنية قبل ساعتين في بغداد، الرحمة والنور لروحه والعزاء لكل العراقيين”.
ولد الشاعر حسب الشيخ جعفر في مدينة العمارة، جنوب العراق، عام 1942. تخرّج في معهد غوركي للآداب في موسكو 1966، وحصل على ماجيستر آداب. وعُيّن رئيساً للقسم الثقافي في إذاعة بغداد 1970- 1974، ومحرراً في جريدة “الثورة”، وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
وأسهم في الصحافة العراقية، وحضر المؤتمرات الأدبية والشعرية في العراق والدول العربية والاتحاد السوفيتي. من دواوينه الشعرية (نخلة الله والطائر، الخشبي، زيارة السيدة السومرية، عبر الحائط في المرأة، وفي مثل حنو الزوبعة). وله مؤلفات عديدة يتناول فيها سيرته، أشهرها “رماد الدرويش”، ورواية بعنوان “نينا بتروفنا”، وترجم قصائد مختارة للشاعر الروسي بوشكين، والشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال.
حصل تقديراً لأعماله الشعرية على جائزة السلام السوفيتية سنه 1983، وجائزة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر (الـدورة الثامنة: 2002– 2003).
يُقال إن ذكرياته في روسيا هي النبع الملهم لكل ما كتب “حكايته الشخصية بدأت وانتهت هناك. أما شعره فقد كان شيئاً مختلفاً. كان ذلك الشعر مزيجاً من عصور مختلفة. كانت تقنيته تمزج بين الأزمنة المتباعدة كما لو أنها تقع في الوقت نفسه. كما أن المشاهد المتلاحقة لا تنتمي إلى مكان بعينه. في ذلك الشعر كان المعدان، وهم سكان الأهوار العراقية، يتلمسون طريقهم في أروقة قصور الإمبراطورية الروسية كما لو كانوا من بُناتها.
لقد تخطى حسب في شعره عقدتي المكان والزمان، فكان شعره شبيهاً بمحاولات فرجيينا وولف في الرواية. ألهمه التداعي الحر أن يكون ابن لحظة الكتابة. كان من الصعب تقليده لذلك كان نسيانه مطلوباً”.
كتب عنه الشاعر والناقد علي جعفر العلاق ” كان ينمو دائماً على مبعدة من الستينات، غائماً ووحيداً، دون أن ينخرط في ضجيج هذا الجيل، الذي كان يحفـل بكل شيء، بالمبدعين والأدعياء، بالحالمين والمشاكسين.
كان أشبه ما يكون بشجرة تنمو، وتشرئب مهيبة، ومثقلة بالعطايا. وكم كان دالاً عنوان مجموعته الأولى “نخـلـة اللـه ” حتى ليبدو وكأنه عنوان لحسب الشيخ جعفر نفسه، الذي كان يتنامى ويضيء في عـرائـه الخاص، وحيداً كنخلة الله تماماً: لا يأخذه الضجيج بعيداً عن ذاته، ولا يفقده البريق الستيني نكهته المميزة.
وفي ذلك الفضاء المزدحم الذي يغري بالتشابه، ونسيان الفرادة، وحين كان الكثيرون من جيل الستينات يدخلون عالم الشعر وليس لهم من شفيع إليه، في الغالب، إلا الذكاء، وخفة اليد، وركوب الموجة، كان حسب الشيخ جعفر يقبل على ذلك العالم صاعداً من حاضنة شعرية باهرة عدة بالغة الرصانة وموهبة صقلتهـا الثقافة، وأرهفتها روح متبتّلـة.
كان يبدو وكأنـه كلاسيكي الستينات، بكل ما في هذا الوصف من جمال، وأسـىً تشبعت روحه بالتراث العربي والإنساني، القديم والحديث معاً، وجمع بن مخيلة فردية نشطة، ونفس قابلة للاشتعال.
إن ما في لغته من يناعة وانثيال صافيين، وما في صوره من إدهاش حميم، لا يتأتى إلا لشاعر استوعب التراث الحيّ، واستدرجه إلى نداءات الداخل المتشابكة دائماً والمتعارضة أحياناً، أعني متطلباته الفنية والروحية والإنفعالية.
ولا أظنّ أنّ شاعراً من نمط آخـر يمكنه أن يحقق هذه الشعرية العالية ما لم يكن يصدر عن أصالة فردية وتجربة حافلة بالظلال، والتمـّوجات، واللوعـة الحقـة.
وما يعزي النفس، أن هذا الشاعر الكبير قد وجد أخيراً من يحتفي بشعريته، ويقدم بين يديها ما يليق بها، أعماله الكاملة والاحتفاء المهيب بصدورها.
*نداء بوست