“تخيلوا في حال سيطرة الأسد على هذا المكان، الخطر الذي سيلحق بالغرب وإسرائيل”.
جاءت هذه الجملة على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية مايك بومبيو، وهو يقف في “مرتفعات ترامب” في الجولان، المستوطنة التي منحها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هذا الاسم، بعد اعتراف الإدارة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في أمر تنفيذي وقّعه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 25 آذار/ مارس 2019، ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.
زيارة بومبيو إلى الجولان غير مسبوقة لوزير خارجية أميركي، في وقت لم يأت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل من خلال تشريع أميركي عبر الكونغرس، بل جاء من الحكومة الأميركية في صيغة “هدية” من ترامب إلى “صديقه” نتنياهو، وكان هذا ملحوظا في لهجة الوزير الأميركي الذي سخر مما وصفه بدعوات من “الصالونات في أوروبا ومؤسسات النخبة في أميركا” لإسرائيل بإعادة الجولان إلى سوريا بعد حرب العام 1967، واعتبر قرار ترامب فوق القانون الدولي عندما أشاد بـ “أمر أساسي” يكمن في أن ترامب اعترف بأن هذا جزء من إسرائيل، وهو ما رفضه الرؤساء الأميركيون السابقون.
كانت الإدارات الأميركية السابقة تعتبر الجولان أرضا سورية محتلة حسب ما ورد في كل قرارت الأمم المتحدة منذ القرارين 497 و242، ولم يسبق لإدارة أميركية أن اعترفت بقرار إسرائيل بضم الجولان الذي صدر في العام 1981. وتعد إدارة ترامب الوحيدة التي خرجت عن الخط الأميركي الرسمي وعن قرارات الأمم المتحدة، وهناك أسباب مباشرة لذلك وأخرى غير مباشرة. ولكن في جميع الأحوال تتصرف إدارة ترامب من خلفية إيديولوجية صريحة تعتبر مصلحة إسرائيل هدفا ساميا، ويمثل ذلك نائب الرئيس اليميني المحافظ مايك بنس، ومايك بومبيو الذي لا يقل محافظة وولاء لإسرائيل، بالإضافة إلى صهر الرئيس جاريد كوشنر والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وهما صهيونيان من الدرجة الأولى، ولهما حصة كبيرة من المواقف التي اتخذتها الإدارة الحالية لصالح إسرائيل ومنها نقل السفارة إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير، ووقف تمويل الأونروا، ودعم الاستيطان بلا حدود.
حجة ترامب حين أصدر الأمر التنفيذي حول سيادة إسرائيل على الجولان كانت حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها وحدودها من تهديدات سوريا وإيران وحزب الله. ويبدو أنه عمل مدروس، ذلك الذي قامت به إسرائيل قبل يومين من زيارة بومبيو الأخيرة، بشن سلسلة من الغارات الجوية على 8 أهداف في محيط دمشق سقط من جرائها حوالي عشرة قتلى منهم سوريون وإيرانيون ولبنانيون وعراقيون حسب بعض المصادر. وبررت إسرائيل العملية بأنها استهدفت على نحو خاص وحدة قالت إنها “تابعة لفيلق القدس الإيراني وإنها مسؤولة عن زرع العبوات التي اكتشفت على حدود الجولان”، كما نشرت صوراً جوية للحظة قصف موقعين في دمشق والقنيطرة، قالت إنهما موقعان عسكريان كان فيلق القدس الإيراني يستخدمهما.
وسواء صحت حجة أمن اسرائيل أم لم تصح ويعلم العالم كله إنها غير صحيحة، فإن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب لا قيمة قانونية له، ولكنه ليس بلا مفعول في الولايات المتحدة، وخصوصا داخل الحزب الجمهوري الذي لا بد أن تسهم هذه القرارات والمواقف في تقوية الجناح اليميني المحافظ المؤيد لإسرائيل، والذي سوف يظل يلعب دورا لإمالة الكفة لصالح إسرائيل، وخصوصا في أي محادثات سلام، حتى لو كانت بعيدة وغير مطروحة في المدى المنظور.
اللافت هو موقف روسيا وإيران منذ أن قرر ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. موسكو صامتة، وتنسق مع إسرائيل عمليات ضرب الوجود الإيراني في سوريا، بينما تصرف إيران جهدها في تمكين النظام لاستعادة سيطرته على الجنوب، وليست منشغلة فعليا بالمواجهة مع إسرائيل انطلاقا من سوريا، وليس من فراغ أن ضربات إسرائيل لا تستهدف الإيرانيين، وإنما الأسلحة فقط.