بسام يوسف: ليس للسوري إلا السوري

0

من أجل الخبز يُستعبَد السوريون: من داعش إلى صقور الصحراء، ومن الدفاع الوطني إلى “راماك”، من ليبيا إلى أذربيجان، ومن القهر إلى الموت، سلسلة بلا نهاية من القهر يُدفع السوريون إليها عنوة.

من أجل الكرسي، ومن أجل تجانس عبيد الكرسي يهجر نصف الشعب السوري، ويقتل مليون من أبنائه، وتُسوى بيوته ومدنه وأحلامه بالأرض، ويُباع وطنه.

ومن أجل سارقي لقمة خبزهم، ومغتصبي حقوقهم يقتتل السوريون فيما بينهم، وينقسمون طوائف، وعشائر، وقوميات.

كلٌ يبحث عن تجانسه الواهم، فيرى في الآخرين عداوة يخلقها ويعيد صياغتها، وينفخ فيها حتى تبتلعه.

وحده وباء “كورونا” يعرف التجانس على حقيقته، ولا يعبأ بضحيته هل نام دون عشاء أم نام من التخمة، ولا يهمه صورة أي نبي، أو إمام، أو زعيم معلقة على جدران منزله.

في سوريا يطرب السوريون لصوت فحيح صنابير الماء التي تُعلن عن وصول الماء، لا يهم أكان الماء عكراً أم صافياً، فمن لم يشرب على القذى سيظمأ، ومن لم يوقظه فحيح الماء، سيبحث عما تبقى في أنابيبها كي يتوضأ لصلاة الصبح.

في سوريا لا نهاية لأوجه القهر، ولا لصيغ الموت، ولا لصراع الإخوة الأعداء.

وفي سوريا وحدها دون كل دول العالم، لا حدود لحكمة السيد الرئيس!

لماذا، ليس في سوريا وحدها، بل في كل هذا العالم المترامي يصبح السوري شغل العالم الشاغل، بعد أن أصبح مباحاً وأداةً لساسة العالم يدللوا به وبموته على رأيهم؟

تتصارع أحزاب أوروبا على مصير اللاجئين السوريين، وتزيد أحزاب اليمين حصتها من أصوات الناخبين، وبالتالي من المقاعد البرلمانية، وكلّما أوغلت أكثر في معاداتها لهم، وتشويههم، وتحميلهم سبب انهيار الاقتصاد وازدياد الجريمة وحتى تفشي كورونا، كلّما انتشى قادتها بانتصاراتهم الفضيحة.

لا يرى الرئيس اللبناني وصهره العتيد أن هناك في لبنان أية مشكلة، سوى مشكلة اللاجئين السوريين، كأنّما السوريون هم من أوصلوا دولتهم الفاسدة إلى الانهيار، وهم من نهبوها وتسببوا بديون لبنان

التي تزيد عن مئة مليار دولار، ولا يرى الرئيس التركي ورقة ليضغط بها على أوروبا، إلا تهديدهم بإغراقها بملايين اللاجئين السوريين، وكذلك في مصر فلم يعد من حل عبقري للاقتصاد المصري سوى منع السوريين من العمل، وسحب تراخيص منشآتهم.. الخ!

في المطارات يُعامل السوري كما لو أنه يحمل في جواز سفره حزاماً ناسفاً، أو موتاً ما، لا تشفع له عيناه الحزينتان، ولا جبل قهره الذي يحمله فوق كتفيه، ولا بحث نظراته التائهة عن وجه رحيم.

هل تخفي هذه البشرية عار صمتها عن مقتلة السوريين، ومأساتهم بالذهاب إلى تحميلهم وزر ما فعله بهم طاغية مهووس وأحمق على مرأى منها؟

هل ينام ضميرها بتجاهلها منظر السوريين الذين يصطفون طوابير لانهاية لها من أجل ربطة خبز، أو يفتك بهم “كورونا” وهم عُزُّلٌ حتى من ثمن قناع يحمي وجوههم المتعبة؟

أية بشرية هذه عندما لا ترى في مأساة السوريين الفاجعة إلا وجه مصالحها، ولا ترى في كل هذا الدم المسفوك، والألم الذي لا حدود له، إلا بازاراً لمضاربات الربح والخسارة؟

الفاجع ليس كل ما ذكر فقط، وليس هذا العبث الذي ما انفك السوريون يتجرعونه كل صباح، إنه في هذا العماء السوري الممتد بلا نهاية، عماء بأسماء متعددة، عماء طائفي أو قومي أو عشائري أو أيديولوجي…

ألم يحن الوقت ليعرف السوريون حقيقة من هو بشار الأسد ومن قبله أبيه، وماذا فعلوا بسوريا وبالسوريين؟

هل بقيت حقيقة إيران وميليشياتها، ومرتزقتها، ودورها، وغايتها خافية على أحد يريد أن يرى الحقيقة؟

هل فعلت روسيا لسوريا شيئاً، غير تدميرها وتجريب أسلحتها فيها، والاستيلاء على ثرواتها بعقود طويلة الأمد؟

وهل ظل خافياً ما تريده تركيا، وأوروبا، وأميركا، وإسرائيل ودول الخليج؟

هل بقي عذر لموالٍ لهذه العصابة التي تحكم دمشق، ألم تنكشف حقيقتها؟

 وهل هناك شواهد أبلغ من منظر الدمار الذي يلف سوريا من أولها إلى آخرها، وموت السوريين في ممرات المسالخ البشرية المسماة كذباً “مشافي”، وبحثهم عن رغيف خبز مغمس بالمهانة والذل؟

ماذا بقي للسوري كي يخسره، وماذا يُنتظر من كل أولئك الذين ومنذ سنوات يتاجرون به وبموته وبمستقبله؟

ألم يُدرك كل السوريين أن شريكهم في الموت، وفي الجوع، وفي التشرد، وفي المصير، هو السوري فقط، وأنه ما من نهاية لموتهم وجوعهم وتشردهم، إلا برحيل هذا النظام، وأنه ما من أمل لهم بوطن يستردون فيه كرامتهم المهدورة، وحقوقهم المُستباحة، وعيشهم الكريم إلا على جثة هذه العصابة الفاجرة؟

فاجعٌ اقتتال السوريين في درعا والسويداء، وفاجعٌ أكثر سوقهم إلى جبهات معارك الآخرين، والأفجع من كل هذا وذاك هو ولاء بعضهم لمن دمّر سوريا، وجعل منها مشاعاً لكل من يريد أن يغتنم منها.

ليس للسوري إلا السوري، هل تحتاج هذه البديهية إلى عناء كبير، ألم تقلها عشر سنوات من القهر والدم والموت، وقبلها قالتها أربعون عاماً من التجويع، والذل، وامتهان الكرامات؟

لا خلاص إلا بهذه الحقيقة الواضحة والجلية، رغم أنها أمنية ناكثة من معظم جهاتها، لكنها وكما أنه ليس للسوري إلا السوري، فإنه ليس للسوري إلا الحلم.

*تلفزيون سوريا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here