على رغم الاجتياح العسكري الأميركي لمنطقة الخليج وإسقاط الحرس الثوري الإيراني طائرة استطلاع أميركية، لم تحسم الإدارة الأميركية قرارها، بعد، في بدء حرب ضد إيران. ومرد التأني في حسم هذه الخطوة، لا يعود بالطبع، إلى حكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو تعقله، إنما لأسباب داخلية أميركية متشابكة.
السبب الأول، هو أن نسبة لا بأس بها من السياسيين الأميركيين لا تحبذ فكرة دخول الولايات المتحدة في حرب بعيدة المسافة، بتكلفة باهظة، ولا مصلحة مباشرة لها فيها. فالديمقراطيون يعارضون بشدة، كما أن الجمهوريين ليسوا كلهم داعمين. السبب الثاني، هو فقدان ترامب، صدقيته أمام دول العالم، بسبب خروجه غير المبرر من الاتفاق النووي مع إيران، ما بدا، كأنه إسقاط لتوافق سياسي وليس اعتراضاً على بنود الاتفاق النووي، ذلك أن ترامب سعى منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إلى إثبات أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لا تملك أي حيثية في الشؤون الدولية. السبب الثالث، هو معارضة الجيش الأميركي حتى الآن، شن أي حرب في الشرق الأوسط. هذا كله إضافة، إلى أنه لم يحصل حتى الآن توافق نهائي بين صقور السياسة الأميركية، لحسم خطوة الحرب. فأشخاص مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون والسيناتور الشاب توم كوتون المرشح المحتمل لرئاسة جهاز الاستخبارات يسعون من أجل الحرب، آخرون مثل نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو في منتصف الطريق، حتى ترامب نفسه لا يبدو أنه متحمس للدخول في أي حرب في الشرق الأوسط، فهذا واحد من شعارات حملته الانتخابية.
السبب الثالث، هو معارضة الجيش الأميركي حتى الآن، شن أي حرب في الشرق الأوسط.
على المقلب الآخر، يبدو أن نوعاً من “المزاج البطولي” يعم إيران حالياً، بعد إسقاط طائرة الدرون الأميركية، إذ يسيطر شعور بفائض القوة الصاروخية على أذهان المتحمسين للحرب وهم كثر. وما يدعو إلى السخرية أن إيران بعد إسقاطها طائرة الدرون بوسائل تكنولوجية بسيطة، أشاعت جواً، أن لديها أسلحة متطورة جداً، وخطرة، تماماً، كما فعل صدام حسين واستجلب الخراب للعراق.
في كل حال، إسقاط طائرة من هذا النوع، يزيد من حدة التوتر، ولكنه لا يعد سبباً وجيهاً لبداية حرب، مثل اغتيال ولي عهد النمسا مثلاً. الحرب يصنعها حدث أكثر أهمية وأكثر خطورة. ففي الشهر الماضي على سبيل المثال، أسقطت تركيا طائرة استطلاع روسية جنوب إدلب. في العام الماضي أسقطت إسرائيل طائرة إيرانية مماثلة. في 2014 أسقطت إيران فوق مفاعل نطنز النووي طائرة تجسس إسرائيلية، إيران أيضاً عام 2011 أسقطت طائرة استطلاع أميركية، وكل هذا لم يؤد إلى حرب بين الجهات المتصارعة.
إذا كان إسقاط طائرة استطلاع لا يعد سبباً وجيهاً لبداية حرب، فإن تضخيم هذا العمل قد يفعل، وقد يولد حالة من الوهم العسكري، وهذا ما بدأ يلوح في تهديدات المسؤولين الإيرانيين. هذا الوهم، شبيه بالوهم الذي سيطر على الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، حين توهم أنه قادر على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، بسبب قوته العسكرية الكبيرة. فقام بتنفيذ هجوم بيرل هاربر الشهير ضد البحرية الأميركية، وأغرق حوالى خمس سفن حربية أميركية، إضافة إلى الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأميركي. ظن الجيش الياباني حينها، أنه بهذه الضربة الموجعة، سوف يجبر الجيش الأميركي على الاستسلام، وأن الأخير لن يتمكن من الرد بعملية مشابهة. لمست الولايات المتحدة هذا الوهم عند اليابانيين، وقررت القضاء عليه بأي ثمن، فكانت القنبلتان الذريتان اللتان ألقتهما على هيروشيما وناغازاكي، يومها ارتكب الأميركيون أقذر جريمة في تاريخ البشرية، لكن من وجهة نظرهم، دمروا عدوهم وأوقفوا الحرب.
إسقاط طائرة من هذا النوع، يزيد من حدة التوتر، ولكنه لا يعد سبباً وجيهاً لبداية حرب، مثل اغتيال ولي عهد النمسا مثلاً.
من ناحية أخرى، عدا ترسانة الصواريخ العتيدة، لا تملك إيران أسطولاً بحرياً ولا جوياً قادراً على مواجهة الأساطيل الأميركية في الخليج، وتدرك أنها في حال دخلت في حرب من هذا النوع، فإنها لن تصمد طويلاً. الحروب الحديثة تعتمد بشكل أساسي على القدرات الجوية، وإيران تقنياتها ومؤهلاتها في هذا المجال متخلفة جداً، على الأقل أمام التقنيات الأميركية. لكن إيران تعيش حالياً، وهم امتلاك آلاف الصواريخ والاستعداد لاستخدامها في إشعال منطقة الشرق الأوسط. وهي بسبب ذلك، تعتقد أنها جاهزة وقادرة على تحدي الولايات المتحدة، عبر إمطار دول الخليج (الصديقة) وإسرائيل بعشرات الألاف من الصواريخ يومياً، لكن هذا العمل، سوف يجبر الأميركيين على الرد بعملية كبيرة ضدها. طبعا إسرائيل في هذا الوقت، لن تقف مكتوفة اليدين، أمام الهجمات الصاروخية، فهي وصديقتها الأميركية تتحينان فرصة كهذه، لتقوما بعمل كبير ضد إيران، على غرار قنبلتي هيروشيما وناغازاكي.
“كل شيء مسموح في الحب والحرب”، وتاريخ البشرية أثبت أن لا عدالة في الحروب، وهذا ما مارسته الولايات المتحدة وإسرائيل في حروبهما المستمرة في المنطقة
هناك مثل يقول، “كل شيء مسموح في الحب والحرب”، وتاريخ البشرية أثبت أن لا عدالة في الحروب، وهذا ما مارسته الولايات المتحدة وإسرائيل في حروبهما المستمرة في المنطقة، وما مارسته إيران أيضاً في العراق وسوريا.
كما أن الأخلاقيات تفرض أيضاً، ألا يدفع فائض الصواريخ إلى إشعال المنطقة وإزهاق أرواح سكانها مجاناً، وإعطاء الفرصة لإسرائيل والولايات المتحدة، لتدمير ما تحلمان بتدميره، وتحويل المنطقة إلى كتلة من الرماد والأشلاء.
* صحافية وكاتبة لبنانية
المصدر : الدرج