المترجم أحمد زكريا لـ”المدن”:الأدب التركي يتضمن روحاً مقاومة

0

حوار محمد حجيري

خلال مدة قصيرة، برز اسم الشاعر المصري أحمد زكريا وبات من الأسماء المعروفة والبارزة في عالم الترجمة من التركية إلى العربية، خلال مدة قصيرة، في جانب من ذلك يعود إلى الشغف في اللغة واكتشاف الأدب التركي، وفي جانب آخر يرجع إلى حسن اختياره الكتب التي ترجمها، أو وافق على ترجمتها. هنا حوار معه لـ”المدن”.

– ما الذي أخذك إلى اللغة التركية أولاً، وما ميزة هذه اللغة وما صعوباتها؟

بدأت علاقتي باللغة بحكم إقامتي في تركيا، حيث بدأت تعلُّم التركية وكان شغفي بها يزداد يوماً بعد يوم، وعندما بدأت في قراءة الأدب التركي بلغته الأصلية، تعلَّقت كثيراً به وبالثقافة التركية بشكل عام. وأهم ما يميز هذه اللغة، في رأيي، أنها لغة عملية للغاية، حيث لا تختلف فيها اللغة المكتوبة كثيراً عن لغة الشارع، أما عن الصعوبات، فإنها رغم احتوائها على العديد من الكلمات العربية إلا أنها تختلف تماماً عن العربية من حيث القواعد لأنها من عائلة لغوية مختلفة تماماً، وهي اللغات الأورالية- الألتائية، وأوضح مثال على ذلك أن الفعل في التركية يأتي في آخر الجملة.

– هل تعتبر أن المترجم مؤلف آخر، وهل الكتب التي تترجمها، هي التي تتمنى أن تكتبها؟

المترجم بدرجة ما مؤلف آخر، لأن عملية الترجمة هي نقل عمل من سياق ثقافي له خصوصيته إلى سياق ثقافي آخر. أما الكتب التي أترجمها، فليست هي التي أتمنى أن أكتبها بالضرورة، أحب التاريخ مثلاً إلى جانب الأدب، وآخر ما ترجمته هو كتاب “حقائق التاريخ التركي الحديث” للمؤرخ التركي البارز إلبر أورطايلي، لكنني لا أحب أن أكتب في التاريخ، وأفضل كتابة الشعر فقط.

– في مسارك مع الترجمة من التركية، هل انتقاء الكتب يرتبط بطلب من دور النشر أو بعض المؤسسات، أم أن بعض الكتب تترجمها لأن لديك شغفاً شخصياً في ترجمتها؟

هذه مشكلة أغلب المترجمين، وخصوصاً من كان متفرغاً للعمل بالترجمة، لأن الجميع يريد أن يترجم ما يحب فقط. بالنسبة اليّ، أنا الذي اقترحت على دور النشر أول ترجمة لي، وهي كتاب “ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت” للروائي أورهان كمال (المتوسط، 2020) وقمتُ بترجمته مع رفيقتي ملاك دينيز أوزدمير. إلا أنني راعيت في هذا المقترح، كترجمة أولى لنا، أن يكون اسم الكاتب معروفاً، وساعدنا في ذلك أيضاً أن الكتاب حول أشهر شاعر تركي، وهو ناظم حكمت، المعروف في العالم العربي والعالم بأكمله. وبعد نجاح هذا الكتاب نسبياً وقبول كثير من القراء لترجمتنا، صرت أقترح أسماء جديدة على دور النشر لم تترجم إلى العربية من قبل، وقمنا بالفعل بتقديم أسماء مثل عثمان جمال قايجلي، الذي ترجمنا له رواية “غجر إسطنبول” (مرايا، 2020)، وناهد سري أوريك برواية “أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة” (الدار الأهلية،2021)، وزولفو ليفانلي برواية “فندق القسطنطينية” (الدار الأهلية، 2022) وغيرهم من الكتاب.

– لماذا تأخرت الترجمة من التركية الى العربية، وهي طوال عقود اقتصرت على بعض الروايات لأسماء اقترنها حضورها باليسار والشيوعية؟ هل السبب سياسي؟

السبب سياسي بالتأكيد، فبعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 كانت توجهات أتاتورك نحو الغرب واضحة، وقطيعته مع الثقافة العربية والشرقية بشكل عام، وهذا ما فعلته أغلب الدول العربية أيضاً بعد نشأة الجمهوريات العربية، ولذلك فالسبب سياسي بلا شك. أما عن ترجمة بعض الروايات المرتبطة بالحضور اليساري، فهذا صحيح نسبياً. بمعنى أن العلاقات بين اليساريين العرب والأتراك أثمرت عن ترجمة بعض أعمال الكُتَّاب اليساريين خلال سنوات القطيعة بين الثقافتين، إلا أن الكتب الدينية وكتب التراث هي الأكثر حظاً في الترجمة، برأيي، خلال تلك السنوات. حيث نجد أن أغلب كتب المفكرين الإسلاميين العرب قد تُرجمت إلى التركية منذ عقود، وعدد هذه الكتب أكثر بكثير من الروايات التي اقترن حضورها بالشيوعية.

– تقول في إحدى مقالاتك “أما عن أسباب ضعف حركة الترجمة، فلعل أبرز هذه الأسباب هي الصورة النمطية عن الثقافة التركية، فلا يخفى على أحد أن أغلب المثقفين العرب يصفون القرون العثمانية التي عاشتها بلادنا بـ”الانحطاط”، ولا يختلف الأمر كذلك بالنسبة للمثقف التركي الذي يعتبر ارتباطهم بالعرب لقرون هو سبب “التأخر”، ويجب ألا ننسى أننا كعرب نعرف روايتنا نحن عن هذه المرحلة العثمانية، والحقيقة أن هذه الرواية تعرضت للتطرف من جانبين، سواء من الذين يرون أن العثمانيين سبب ما نحن فيه الآن من “تخلف” أم الذين يرون أننا وصلنا إلى ما نحن فيه الآن في بلادنا بسبب انفصالنا عن الدولة العثمانية”… هل الترجمة قادرة على خلق صورة جديدة وتكسر تلك الصورة النمطية؟ وما الفراغ الذي تركته قلّة الترجمة؟

أعتقد أن الترجمة قادرة على تغيير تلك الصورة النمطية، وخصوصاً الترجمة في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالمعنى الواسع لهما. وهذا ما يحدث الآن بالفعل بفضل انفتاح تركيا على العالم العربي في العقدين الأخيرين، لكنني أؤمن أيضاً بأن بناء جسور ثقافية حقيقة بين العالمين العربي والتركي أكثر أهمية بكثير ودواماً من العلاقات السياسية المتغيرة. أما عن الفراغ الذي تركته قلة الترجمة عبر عقود، فهو الذي يتجلى في ترسيخ تلك الصورة النمطية بين النخب العربية والتركية، لكن الأمور تتغير الآن شيئاً فشيئاً.

– ترجمت مقالا لمراد أوزيلدريم عن الموسيقى العربية – التركية، جاء فيه “كان الغازي مصطفى كمال أتاتورك من بين الحاضرين لحفل المغنّية المصرية منيرة المهدية، الذي أُقيم في سراي بورنو بإسطنبول في آب/ أغسطس ١٩٢٨. وفي تصريحه للصحف، قال أتاتورك إن منيرة المهدية مغنية ناجحة للغاية، لكن الموسيقى الشرقية لم تعد قادرة على تطمين الروح التركية. وقد اتخذت الإدارة التركية، التي تشكلت بهدف التغريب، بعض القرارات السلبية ضد الموسيقى الشرقية في بداية الأمر”، وفي المقابل جرت حملات عربية ومصرية ضد تتريك الموسيقى، إلى أي حد أثرت هذا الأفكار “القومية” والوطنية سلباً على مسار الموسيقى والفن؟
في رأيي لم تؤثر هذه الأفكار كثيراً على مسار الموسيقى والفن، لأن مثلاً أم كلثوم وعبد الوهاب، يعترفان في حواراتهما أنهما تعلَّما أصول الغناء على الطريقة التركية في الأساس، وتأثرهما بجميل بك الطنبوري، واستمرا كذلك حتى في أكثر عقود القومية العربية رواجاً، كما أن هناك تأثيراً للموسيقى العربية على كثير من الموسيقيين الأتراك. في تركيا أيضاً، عندما حظر أتاتورك إذاعة الموسيقى الشرقية في الراديو عام 1934 بقرار رسمي، اتجه الناس في الأناضول إلى سماع الموسيقى الشرقية في الإذاعة المصرية، وهذا أكبر دليل على أن مثل هذه الأمور لا يتم تغييرها بقرار رسمي داخل البرلمان.


– ما ميزات الأدب التركي التي لاحظتها من خلال الكتب التي ترجمتها؟

الميزة الأهم في رأيي من خلال متابعتي للأدب التركي والأعمال التي ترجمتها منه، أن هذا الأدب على اختلاف مدارسه يتضمن روحاً مقاومة. وبحكم التاريخ المشترك والجغرافيا بيننا، فإن الأدب التركي يتناول موضوعات قريبة من موضوعاتنا، حتى إن عزيز نيسين عندما تُرجم لأول مرة إلى العربية في السبعينات، شعر القارئ العربي أنه يتحدّث عن مشاكله أيضاً. كما أن الأدب الشعبي التركي القديم حاضر بشكل واضح في الأعمال الأدبية حتى الآن.


– ما الجديد الذي تسعى إلى تقديمه للقارئ العربي من ابداعات تركية؟

على مستوى الأدب، أحاول أن أقدّم أعمالاً جيدة، على المستوى الفنّي في المقام الأول، وخصوصاً للكُتّاب الذين لم تُترجم أعمالهم إلى العربية من قبل. أحب ترجمة الشعر في المقام الأول، وفي هذا السياق، أجهز الآن مع ملاك دينيز أوزدمير، أنطولوجيا الشعر التركي الحديث، وهي تتضمن أسماء جديدة لم تترجم من قبل. أما عن الذي أسعى إليه في الترجمة بشكل عام، فأنا مهتم كثيراً في التاريخ بمرحلة انهيار الدولة العثمانية ومرحلة الاتحاد والترقي، وهي بداية نشأة الصراع بين العرب والأتراك، وسوف أقدم خلال الفترة القادمة بعض الترجمات التي تتناول رواية مختلفة حول هذه المرحلة، سواء من أدب الرحلة أو اليوميات، في محاولة لكسر الصورة النمطية بين الشعبين.


أحمد زكريا

*شاعر ومترجم مصري مقيم في تركيا، من مواليد 1984. صدر له العديد من الترجمات من التركية إلى العربية، من بينها “حقائق التاريخ التركي الحديث” لـ إلبر أورطايلي (يصدر هذا العام)، و”سيّد قطب بين غلوّ محبّيه وظلم ناقديه – اللاهوت السياسي” لياسين أقطاي.

كما صدر، له بالاشتراك مع ملاك دينيز أوزدمير، العديد من الترجمات عن التركية، مثل: “ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت” لـ أورهان كمال (المتوسّط، 2020)، و”غجر إسطنبول” لعثمان جمال قايجلي (مرايا، 2021)، و”أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة” لناهد سري أوريك (الأهلية، 2021)، و”جثّة تضع حذاء كرة القدم” (الدار العربية للعلوم – ناشرون، 2021)، و”فندق القسطنطينية” لـ زولفو ليفانلي (الأهلية، 2022).

حاز، بمشاركة ملاك دينيز أوزدمير، “جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة” (2020 – 2021) في فرع “الريبورتاج الرحلي المترجم – الرحلة الصحافية” عن ترجمتها لكتاب عزيز نيسين “الدنيا قِدر كبير وأنا مغرفة.. رحلة مصر والعراق”.

*المدن