وجيهة عبدالرحمن، روائية وقاصة وشاعرة كردية سورية
مجلة أوراق العدد 13
الملف
الكتابة لغة الشعوب في التعبير عن أهدافها وقضاياها في مواجهة كلِّ ما هو عالق أمام كينونتها، لذا لا يمكننا الكتابة بمعزل عن قضيتنا الخاصة، التي تشكل هويتنا الوجودية بغض النظر عن الانتماء إلى الجنس البشري الذي يتكوَّن مسعاه من أهداف نبيلة غاية في الإنسانية ومرهفة في التعامل مع الآخر الذي لا يمت له بصلة، وإنَّما الجامع لهما هو ذلك العرق البشري الذي كوَّن تلك السلالات، لقد لعبت الذاكرة الجمعية للشعوب الدور الأبرز في تكوين نتاجها الأدبي، كما هو الحال لدى الكرد الذين نهلوا من أدبهم الشفاهي الكثير الذي تحوَّل فيما بعد إلى مدوِّنات سامية للتعريف بهم كأمة لا تختلف في تكوينها عن باقي الأمم والشعوب، ولكن ما يلفت الانتباه هنا إلى أن الكثير من الأدب الكردي كُتِب بلغة الآخر الذي هيمن عليه واستحوذ على تفاصيله، فكانت اللغة هي الأداة الأكثر تأثيراً في هؤلاء الذين لم يجدوا مناصاً سوى أن يكتبوا أدبهم بلغة الآخر وقد كان لهم في ذلك أسبابهم التي باتت واضحة وجلية للعارف بأمر الكرد المستعمرين من قبل العديد من الكيانات الغاصبة، فكتبوا باللغة العربية والتركية والفارسية، الكيانات الرئيسة الغاصبة لأرضهم والساعية بكل ما أوتيت من بأس إلى صهرهم في بوتقتها القومية، اللغة التي كانت أداتها في محاربتهم وقد أدت تلك الحرب مهمتها في دفع القسم الأكبر من الكرد المغتصبين من قبل تلك الكيانات إلى التعلم بلغة غير لغتهم الأم، الأمر الذي أدى بهم إلى كتابة أدبهم بغير لغتهم بل بلغة تلك الكيانات الغاصبة، ولكن ما يُحسب لتلك الفئة من الكتّاب أنهم إلى حدٍ ما استطاعوا توظيف ذلك لصالحهم الخاص، إذ تمَّ قراءة نتاجاتهم بلغة المغتصِب وبذلك أصبح ذلك الأدب بوابة الآخر للتعرف على ثقافة الكرد بتنوع فروعها، كما هو معلوم أن الأدب الكردي غني بفروعه (الشعر- القصة- الرواية…) حاله كحال باقي الشعوب، استطاع الكاتب الكردي الذي يكتب باللغة العربية جعل ما يكتبه نافذة يطل منها العالم على الثقافة الكردية وإن كان عن طريق الترجمات أيضاً، لما لها أيضا من أهمية بالغة في أداء مهمة الإيصال.
قصتي مع الكتابة …
كلنا نسعى إلى الحياة بطريقتنا الخاصة، نُخضع أنفسنا لامتحانات شتى ومحاكمات مختلفة، نلوذ بالفرار أحيانا، وأحياناً أخرى نثبت أقدامنا في بقعة نخالها مساحتنا الفضفاضة التي تقينا من نائبات لن تخطر لنا على بال، كانت الكتابة على الدوام هي امتحاني الأصعب في مواجهة الأصعب، في أن أكون أو لا أكون، في أن أزيل الغشاوة عن عيني لرؤية أوضح وأفصح تعبيراً عما كان يعتمل في داخلي لموجودات لن تكون غالباً على مقاسنا، ولكننا نعمل عمل الخياط الذي يُخضع قطعة لباس إلى القياس، يقينا مني أنني بالكتابة سأنجو من الكثير الذي كان يُظلم العديد من الزوايا في داخلي.
أن تكتب يعني أنك قادر على العيش بطريقتك الخاصة، وفق مقاييسك ومنطق مافاتك، ومما كان سيضيف إليك شيئاً والذي قد يتحول لاحقا إلى هويتك وكلماتك التي بها ستغير العالم من حولك وفق منهج غاية في السلاسة، بما أنك حينها ستكون ذلك الذي كنتَ تطمح إليه، وذلك الذي كان قابعاً في داخلك ومتوارٍ عن الأنظار.
هكذا بدأت، هكذا كتبتُ ليس كل ما كان يخطر لي، وإنما بصورة أعمق وأدق بالغوص في الحياة الواقعية، لم أبتعد عن ذاتي وعن الآخرين، خاصة أنني ابنة تلك العائلة التي كانت على الدوام تحوِّل القبح المحيط والبشاعة إلى جمال من نوع فريد، كان لديركا حمكو حيث ترعرعت الفضل الأكبر في نسج مقاساتي الجديدة، أن تكون منتمياً لها يعني أنك على الخط السريع للوصول إلى وجهتك دون عوائق صعبة، كل شيء هناك ينطق بلغة تفهمها (النهر الذي لا اسم له، بستان حسني آدم، كرم حنا ججو، مزرعة حنا لالو المخيفة، مدرسة ناظم طبقجلي الابتدائية … بيتنا الكبير.. الكبير جداً حيث الحياة ممكنة بكل الطرق)، حين كنتُ لا أزال غضَّة تلحق بي الضرر نسمة عابرة، تغرقني في بحر من الأوهام والخيالات، الذكورية التي ابتلى عالمنا بها والتي لم تنفك تلاحقني في كل ما كنت أكتب لدرجة أنني امتنعت عن طرح اسمي في الساحة الأدبية لستة عشر عاماً لسبب واحد هو أنني أنثى، تلك المدة كانت كافية لأعمل على مداواة نفسي والشفاء من داءٍ ألمَّ بنا كنساء ولم يُكتشف له الدواء بالرغم من وصول العالم الأرضي إلى القمر والتفكير بإنشاء المدن على الكوكب الأحمر، لاحقتني نسويتي كمجرم انتهك عرض البشرية، ثم استيقظت ذات صباح لأقرر إنَّما النجاة من كل ذلك يكمن في الكتابة، بالكتابة سأنجو، فكتبت القصص التي اقتبستها من عمق الواقع بعد معالجتها في مختبري الأدبي، كتبت الكثير منها، حتى وصلتُ إلى غايتي وكان ذلك حين بدأتُ أتلقَّى اتصالات من أماكن بعيدة بأن ما كتبته قد غير حياة إحداهن وإن تلك القصص إنَّما هي طوق نجاة، في البداية فاجأني الأمر بسؤال: كيف لنا أن نغيِّر العالم من خلال كتابة قصة قد تكون من نسج الخيال أو واقعية ولكننا نضيف إليها توابلنا الخاصة لتخرج بنكهة ما نريد، مستهدفين بها فئة معينة من البشر الذين لا يختلفون عنَّا في نمط العيش والشغف بالحياة.
قد ندرك ماهيتنا حين نتلمَّس بأيدينا نتائج ما اقترفناه، كل ما اقترفته من كشف للمستور في تلك القصص ساعدني في أن أتخطى عائق كوني أنثى، بل أصبحت ممن يجد في جنسه التميُّز والهبة الإلهية، ثم جاء بعد ذلك كل ما أردت قوله بصيغة أوضح وبشكل مباشر.
كتبت الكثير من الشعر في بداياتي، لكنني أصدرت منه ديواناً واحداً فقط والباقي لايزال مخطوطات دواوين في كمبيوتري، لكن الرواية كانت على الدوام العالم المؤرق لي، حتى جاء اليوم الذي فتحتُ أبوابها بمفاتيحي الخاصة والتي كانت في جيبي الأيسر ناحية القلب، قريباً جداً من العقل، أول رواية كتبتها كانت الزفير الحار الرواية التي لا يتجاوز عدد صفحاتها 126 صفحة من القطع المتوسط ، والتي حدَّدت مساراتي اللاحقة فيما نالته من حظوة لدى القرَّاء، كانت زفيراً للكثير الذي كان يخنقني ويخنق مدينة الحسكة والكرد الذين كانوا أهم قضية طرحتها في مجمل ما كتبت من قصة وشعر ورواية، بتوظيف الفرد الإنسان وقضاياه العامة والمتشابهة في معظم بقاع الأرض.
اورد هنا بعض ما قاله الباحث والكاتب الكردي إبراهيم محمود عن رواية الزفير الحار: (نجد السرد مغايراً طبعاً، والمناخ مختلفاً كذلك، وخطوط تحرك الساردة في الرواية تلتزم ما هو متخيل ومرسوم في ذهن الكاتبة، إذ نكون إزاء مجتمع كامل، بكل منغّصاته وتجليات حيواته المختلفة. ثم سرد حيوات عالقة وخانقة بالترافق معاً: الساردة باعتبارها داخلة في زحام الحدث الروائي، وهي لا تخفي عذابها بوجود أعراف وتقاليد ذكورية ضاغطة عليها).
وفي المحصّلة كانت الذاكرة مقر هذه الأصول المتشابكة والساخنة بتداعياتها، دون أن تغلق على النهاية لأن الاتصال لما يزل قائماً، كما لو أن الحدث لا زال مفعَّلاً في المجتمع. وجملة النساء اللواتي أودعن السجن لأسباب لها صلة بما هو ذكوري واجتماعي وعُرفي: شيماء، نوال، لمياء، حنان.. إنها ثلاثة خطوط تتوازى كما أنها تتناظر على مستوى أفقي جلي، بينما المستوى الشاقولي فهو العنف المشترك، مع تفاوت المرتبة بين شخص وآخر، ولكن المأساة المجتمعية تنسّب الجميع إلى خانتها..
ومن ناحية الفساد فيها، وهو لا ينفصل عن الفساد العام” ص 29″، وثمة وجوه أخرى للفساد أو ما يخص الأعراف والتقاليد والخرافات السيئة” الحيار وغيره”.. ضمناً يكاد يكون وضع الأكراد وتهميشهم المجتمعي والإنساني” 107″، يترافق مع المستويات السالفة.. هنا يكون الزفير الحار علامة: دمغة تعني الجميع، ولكلّ الموقع القهري الذي يتناسب والعنف المسلَّط عليه.
أما الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن فقد وجدها رواية العصر التي تماثل حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة بنهايتها المفتوحة والقصص المتفرعة من الرواية الأساسية لتظل على قيد الحياة.
برواية الزفير الحال اكتشفت أن الرواية هي مساحتي الأوسع إذا أردت الاستمرار في الكتابة، أنفقت أربع سنوات في كتابتها، بالتزامن مع كتابة عدة مجموعات قصصية والكثير من القصائد التي لم أنشرها حتى الآن.
الكتابة شكل من أشكال العطاء، العطاء للنفس أولاً وللآخرين، تمنحك أدوات التغيير، قد تسلبك الطمأنينة وراحة البال ولكنها في المقابل تهبك الخلود بطريقة ما.
رواية “لالين” أستطيع التعليق عليها بأنَّها فض بكارة المحظور، فهي الرواية الممنوعة من التداول، ولكنها للأسف بالرغم من كونها محظورة لم تَنَل حظها من ما كنت انتظره لها، كتبت رواية “لالين” على ضوء الشموع في بداية الأزمة السورية 2011، عام كامل ودخان الشمعة يملأ منخريَّ وصولا إلى رئتي بسواد بادٍ على فتحتي الأنف، لكن ذلك الوضع لم يمنعني من طرح عدة قضايا إشكالية في غاية الأهمية في رواية “لالين”، إذ الطائفية الدينية كانت تتفشى والإرهاب ينتشر على مساحات واسعة لا حدود لها، ناهيك عن المنبوذين بفعل الخطيئة الدينية، الخطاؤون الذي وسمهم المجتمع بالعار، الإيزيدية كانت محورها الأساسي بالتزامن مع المسيحية والإسلام، والقضية الكردية تم طرحها هنا من خلال الإيزيدية، أورد هنا رأيا نقدياً للناقد السوري أسعد فخري في “لالين”: هي رواية اللاهوت والحب والحرب والتأمل جراء تصديها لإشكالية لها من الأهمية بمكان، حيث محاولتها الجادة في تفكيك المقدس داخل تابوهات اللاهوت ومفاصله العميقة عبر سردية حملت الكثير من مشاهد القسوة، والألم والكثير من إرهاصات المواجهة بين القلب، والعقل، ومحاكاة مفهومة الحب، وعذريته البكر الخالية من قسر اللاهوت، وعثراته.
وفق مقاربات كان في مقدمتها الخروج من عنق زجاجة تابوهات اللاهوت وأحفورة الأديان ومتفرقات مذاهبها المتعددة، ربما تكون رواية “لالين” هي الأكثر اختلافاً بين العديد من الأعمال الروائية التي تصدت لمسألة اللاهوت، وقصص الحب التي تدور رحاها بين محبين من ديانتين مختلفتين تمثلاً بما قاله مولانا جلال الدين الرومي: “دين الحب منفصل عن كل أشكال الديانات، العاشقون أمة واحدة وهذا هو الله”.
أما مسألة اختلاف رواية “لالين” عن كوكبة تلك الأعمال الروائية الهامة فيعود إلى مسألة أساسية، وهي أن أغلب الأعمال الروائية العربية التي اشتغلت على هذا الجانب استثمرت “اللاهوت والحب” اعتمادا على الديانات الكبرى “الإسلام والمسيحية” أو “اليهودية والإسلام” خلافاً لما اشتغلت عليه رواية “لالين” التي انكبت على تأثيث أحفورة المذاهب الدينية الصغرى أمام الديانات الأصيلة الكبرى، وهي بذلك تكون قد حققت ولفتت إلى مسألة غاية في الأهمية طالت تغيباً تاريخياً لتلك المذاهب، والملل داخل السرود الروائية العربية .
أما رواية “العبور الخامس” فهي السيرة الذاتية التي كان لابد لها من أن توثق كيفما كان، سيرتي وسيرة كل سوري أراد الأمان في بقعة ما من الأرض، هو كتاب عن واقع لم يكن افتراضيا أبداً، فكل ما كتبته حدث بالفعل باستثناء بعض التدخيلات الخاصة كالمقاربة مابين قساوة عبور الحدود وبين علاقة جنسية لرجل شرقي لا يريد من المرأة سوى المضاجعة التي تعتبرها المرأة في معظم الأحيان شكلا من أشكال الاغتصاب حيث الذل والقهر، ويتناسى تماماً مدى انسجامها، هذه المقاربة أحدثتها في العبورين الأول والثالث إحداهما إلى إقليم كردستان والأخرى إلى تركيا، حيث جعلت من الرجل شرساً في رغبته وجامحا في ممارسته للجنس بقدر شراسة وصعوبة العبور تسللاً، خاصة إذا كانت تلك الحدود تمزق جسد دولة واحدة كما هو الحال في إقليم كردستان العراق وكردستان سوريا، أما في العبور الثاني فقد استحضرت افتراضا تجربة رجل آخر يختلف عن الأول تماما بهدوئه واتزانه، لأكون منصفة في تقديري للرجال الشرقيين وسلاسة عبور الحدود المفتوحة بين البلدان، أما العبور الرابع المقاربة كانت بهجوم أسراب الجراد علينا بينما نعبر الحدود، العبور الخامس هو النهائي وواقعي بكل تفاصيله وتدخيلاته..
أعرض هنا بعض ما كتبه الناقد والأديب المصري إبراهيم موسى النحاس عن “العبور الخامس” من الناحية اللغوية، إذ يحيلني هذا الرأي إلى أن الكاتب قد يكتب بلغة غير لغته الأم وقد يصل إلى غايته، في هذا السياق أقول: ربَّما لو أنني كتبت بلغتي الأم، أي باللغة الكردية لما استطعت التحليق هكذا أو الغوص في التفاصيل بهذه الطريقة، وهذا أمر أحسبه لي وليس علي.
يقول النحاس:
وعلى المستوى الفني أول ما يلفت انتباهنا هو اللغة وذلك لقدرتها على التعبير عن رؤية الكاتبة داخل الرواية باعتبار اللغة وعاء للفكر حيث (إن السرد مخزون الذاكرة ولا يصل إلى المتلقي إلاّ بعد تعبئته في مواد لغوية، وكل ما ذكرناه عن النصية والنوعية والراوي والحدث والشخوص لا يقع تحت طائلة القراءة إلاّ بعد تحوله إلى لغة، ومن ثَمَّ فإن القراءة الصحيحة وهي التي تطل على النص من نافذة اللغة أولاً) لهذا كان التناول النقدي للغة الروائية من أهم المداخل لقراءة وفهم العمل الروائي، وقد اتسمت اللغة الروائية في رواية “العبور الخامس” بالثراء والتنوع فجمعت بين لغة الحوار مع السرد مع الاهتمام بالوصف القائم على سرد التفاصيل الدقيقة مع لغة التوثيق التاريخي، إضافة إلى التعبير بأكثر من مستوى لغوي بين اللغة العربية الفصحى الأم مع اللهجة العامية إضافة لتوظيف بعض اللغات الأجنبية حينما يقتضي الحوار والشخصيات هذا، فنجد الجمع بين اللغة العربية الفصحى وتوظيف اللهجة العامية في ص 126، كما نجد توظيف كلمات من اللغة الكردية مع العربية الفصحى في ص 47، واستخدام اللغة الإنجليزية والتركية في ص 150. كل هذا التنوع يعكس حرص الكاتبة على إبراز طبيعة الشخصيات الروائية من ناحية كما تعطي المتلقي القدرة على تخيُّل المشهد على طبيعته من ناحية أخرى
كما تلعب لغة المجاز دورا كبيرا في التعبير بما يعكس الخيال الواسع لدى الكاتبة مع تمكنها من امتلاك ناصية اللغة وهذا ما يراه بعض الباحثين انتقال باللغة الروائية من السرد المحفوظ المألوف إلى درجة من التعالي الفني نحو الشعرية في صياغة الجملة الروائية حيث (إن حركة الصياغة في النصوص الروائية مقيدة بنظام اللغة عموماً، على معنى أن تحول اللغة بوصفها مخزوناً ذهنيّاً إلى كلام يظل في إطار المحفوظ المألوف إلاّ عندما تتعالى الروائية على نفسها بالصعود إلى منطقة الشعرية)
رواية “كعبُ عالٍ”، الرواية الفخ وفق منظوري ووفقاً للعنوان الذي كان حاضراً قبل الشروع بكتابتها، في رواية كعب عال والتي استغرقت مني الوقت الأقل قياساً بباقي رواياتي، حاولت وضع إصبعي على مكامن الجراح العامة وأخص بالذكر النسوة اللواتي فقدن ذات حدث أو انتماء أو تكوين بوصلتهن التي تخلَّت عن إرشادهن إلى الوجهة الصحيحة، كل ذلك والأزمة السورية والقضية الكردية تتوازيان في السرد الروائي، قال عنها الناقد عبدالله بودي: إن المستفيد من هذه الرواية بدون شك هو القارئ الذي سيتعرف من خلالها على أساليب سرد جديدة وتكتيك وتكنيك فن الرواية والاستمتاع بمساحاتها مكاناً وزماناً.
باختصار اللغة العربية أنقذتني من عدم القدرة على الكتابة، اللغة الأم التي كنتُ ممنوعة عنها رسمياً كباقي الكرد في سوريا، حاولت تأليف قصص قصيرة بيني وبين نفسي بها لم تكن كافية لأنجو مما كان قد ألمَّ بي من داء الوحدة والعيش في ظلِّ تناقضات مريرة ومواجهة تحدياتي لن أستطيع تجاوزها والشفاء منها إلا بالكتابة.
الكتابة المجدية هي التي لا تقف عند حدود المسموح والممنوع، الكتابة أن نكتب فحسب دون النظر إلى الوراء أو الأخذ بالحسبان الحدود والمساحات، أو اللغة التي نكتب بها، لأن الغاية دوماً تبرر الوسيلة وفق منطق الذين يضعون الأهداف نصب أعينهم ويسلكون لبلوغها أشرس الطرق وأقساها، قد نتعرض نحن الفئة من الكتاب الكرد الذين نكتب باللغة العربية إلى نوع من النقد الشرس الذي يمسُّ عمق انتماءنا ولكنني وأخص نفسي بالذكر هنا، أنني يوماً لم أخجل من كوني اكتب باللغة العربية التي أحبُّها وأتقنها وأبرع في الكتابة بها، خاصة وأنني جعلت منها وسيلتي المثلى لبلوغ هدفي من الكتابة بصورة أشمل.