فرحان المطر، إعلامي ومعد برامج وأفلام وثائقية، سوري مقيم في فرنسا
أوراق 19- 20
سينما
مدخل البحث:
يفترض العنوان المقترح للبحث “الفراتيون بعيون السينما السورية”، العثور من خلال الأفلام التي قدمتها السينما السورية خلال عقود من الزمن على صورة للإنسان السوري الذي يقطن منطقة الفرات والجزيرة السورية عموماً، وهو من يسمّى بالفراتي، أو الجزراوي نسبة إلى نهر الفرات، أو الجزيرة السورية الممتدة ما بين نهري الفرات ودجلة.
ليس في متناول البحث سوى عدد قليل من الأفلام السينمائية الوثائقية والتسجيلية التي تطرقت لتصوير إنسان تلك البقعة الجغرافية من سوريا، والاهتمام به، وبالتالي فإن ما سوف يخلص إليه البحث بالنتيجة سيكون متكئاً على هذه الحصيلة البصرية تحديداً.
أما الأفلام موضوع البحث فهي ستة مرتبة حسب تسلسل إنتاجها الزمني أولاً، ويمكن تقسيمها بداية إلى مرحلتين هما:
- المرحلة الأولى: عقد السبعينات من القرن المنصرم (القرن العشرين)، وهي:
- فيلم: محاولة عن سد الفرات / للمخرج الراحل عمر أميرالاي الذي أنتج عام 1970.
- فيلم: الحياة اليومية في قرية سورية / أيضاً للمخرج عمر أميرالاي عام 1974.
- المرحلة الثانية: وهي التي أنتجت خلال بداية العقد الأول من القرن الجديد، وهي:
- فيلم: طوفان في بلاد البعث / للمخرج عمر أميرالاي عام 2003.
- فيلم: أزرق-رمادي / للمخرج محمد الرومي عام 2005.
- فيلم: كلام حريم / للمخرج سامر برقاوي عام 2006.
- فيلم: أضواء / للمخرجة ريم الغزي عام 2006.
هنا يمكن تسجيل ملاحظة هامشية حول هذه الفترة الزمنية المتباعدة بين المرحلتين الأولى والثانية، التي لم ينتج فيها أي فيلم عن البيئة الفراتية.
سيتم خلال البحث اتباع المنهج التالي في تناول الموضوع:
- تقديم الأفلام حسب تقسيمها السابق (مرحلة أولى وثانية).
- عرض بطاقة تعريفية موجزة بالفيلم، تتضمن بضع معلومات أساسية عن الزمان والمكان والجهة المنتجة، ورابط الفيلم على اليوتيوب لمن يرغب بالمشاهدة.
- تقديم عرض للفيلم بما يشبه تلخيصاً للمشاهد الأبرز والأهم في كل فيلم، الغاية منه تقديم فكرة عامة للقارئ الذي لم يسبق أن أتيحت له فرصة الاطلاع على الفيلم.
- الصورة التي ظهر عليها الفراتيون في الفيلم، وهي قراءة الباحث التحليلية التي خلص إليها حول كل فيلم.
- آراء حول الفيلم، طبعاً في حال توفرها، إذ ليست كل الأفلام قد أمكن العثور على ما كتب عنها في حينها، خاصة أفلام المرحلة الأولى، ما قبل الأرشفة الرقمية المتاحة اليوم.
- سيتم ذكر المصادر الصحفية التي نشرت المقالات والآراء حول كل فيلم.
- خاتمة البحث، والتي ستتضمن تقديم خلاصة عامة حول الصورة كما رأتها عين السينما السورية، بما في ذلك الحديث عن نظرة سياسية مسبقة في كل فيلم إن وجدت.
أفلام المرحلة الأولى: (1970-1974).
- فيلم: محاولة عن سد الفرات.
بطاقة الفيلم:
- المخرج: عمر أميرالاي
- وثائقي.
- تاريخ إنتاج الفيلم: 1970
- إنتاج: المؤسسة العامة للسينما.
- موقع التصوير: سد الفرات والقرى المحيطة به.
- مدة الفيلم: 12:39 د
- رابط الفيلم: https://youtu.be/X1TmWo–dvc
عرض الفيلم:
- يبدأ عرض الفيلم من المشاهد المتعددة على إيقاع الدف، وصوت المزمار، حيث تتنقل الكاميرا بين الرافعات العملاقة، والآلات الثقيلة ومئات العمال الذين يعملون في إرساء دعامات سد الفرات، وهو ما رأى به المخرج (في حينه) واحداً من أهم الإنجازات العظيمة التي سوف تغير مجرى حياة الناس، مثلما هي ستقوم بتحويل مجرى نهر الفرات العظيم.
- بانعطافة جديدة تتوقف الكاميرا أمام رجل خمسيني يقوم ببناء جدار من الحجارة والطين وحيداً، فيقترب منه أحدهم محاوراً “خلف الكاميرا”، ويدور بينهما الحوار التالي: (-حجي لماذا تقوم بهذا العمل؟ – حتى لا تقوم الحمير والأغنام باقتحام القطن. – كم متراً تبني في اليوم؟ – من طلوع الشمس حتى مغيبها، وأحياناً حتى موعد آذان العشاء. – أليس معك من يساعدك؟ – ابني في الخدمة الإجبارية، ولا أحد يساعدني غير الله).
- المشهد اللاحق نتابع حركة مجموعة بشرية من الرجال والنساء والأطفال يركبون الحمير، تتبعهم الكلاب بما يشبه موكب رحيل، وذلك على إيقاع ضرب الدفوف مترافقاً مع صوت حداء ديني، وعادة ما يكون ذلك في جلسات الذكر، أو التكايا والزوايا الدينية حيث المشايخ والمريدين وتلك الطقوس التي كانت سائدة إلى حد بعيد في منطقة الفرات.
- بين المشاهد المتتالية ثمّة وقفات قصيرة للكاميرا على الأرض المتشققة من شدة الجفاف، مقارنة مع التشققات العميقة في أرجل الرجال والنساء والأطفال الحفاة، ما يعني أن الجفاف والشقوق ليست حكراً على الأرض والتراب فقط عندما ينعدم الماء، بل هي أيضاً تطال البشر الحفاة الجائعين كذلك.
- مشاهد لاحقة تظهر البداوة ممثلة ببيوت الشَعر، وطرق الحراثة البدائية، وانتقال الناس وحيواناتهم عبر السفن البدائية الصغيرة.
- أخيراً تعود بنا مشاهد الفيلم إلى ما ابتدأت به من تصوير عمليات البناء المتواصلة في سد الفرات، والآلات الضخمة كل ذلك بتقاطع مع بعض الصور التي تظهر آثار المنطقة، وبعض الأطفال الذين يتهجون القراءة، ويحاولون الرسم، إضافة إلى بعض الوجوه الشابة المبتسمة التي تحمل شيئاً من ملامح الحياة وسط هذا القفر، فهل كان المخرج يهدف للقول من وراء ذلك بما يمثل رسالة الفيلم أساساً: هذا هو الأمل المرتجى لمستقبل ذلك الإنسان وتلك المنطقة، عندما رأى أن إنجاز بناء سد الفرات سيكون الحل الكفيل بفعل كل ذلك؟!.
صورة الفراتي التي ظهرت:
إنسان غارق بالبداوة والتخلف والفقر ينتظر أن يكون على موعد مع القدر / الحدث الذي سيغير حياته جذرياً، وينقله من هذه المستنقعات المحيطة بحياته إلى عصر النور والحضارة، حيث الكهرباء والرفاه، بمجرد الانتهاء من هذا المشروع الحيوي الجبار الذي يتواصل العمل به على مدار الوقت. إنه الأمل الوحيد.
لا آراء نقدية حول الفيلم.
- فيلم: الحياة اليومية في قرية سورية.
بطاقة الفيلم:
- وثائقي
- إعداد: سعد الله ونوس – عمر أميرالاي
- إخراج: عمر أميرالاي
- إنتاج: المؤسسة العامة للسينما
- موقع التصوير: قرية المويلح بريف دير الزور
- تاريخ التصوير: 1972
- تاريخ الإنتاج: 1974
- مدة الفيلم: ساعة وعشرين دقيقة
- رابط الفيلم: https//youtu.be/Sod-88-GO98
عرض الفيلم:
- مشهد أطفال ريفيين بثياب رثة يتجمعون حول هيكل عظمي لحيوان نافق منذ أمد بعيد، يلعبون بذرّ التراب الناعم فوق هيكله، يترافق ذلك مع غناء رجل بدوي بصوت حزين، ثم ينتهي المشهد ببضعة رجال، اللافت بينهم رجل غريب المظهر لشدة بؤسه الظاهر في الصورة، لا يعتمر شيئاً فوق رأسه، وتراه يحمل بيديه الكوفية والعقال.
- تدخل الكاميرا إلى القرية حيث البيوت الطينية المتباعدة المسافات فيما بينها، وحركة الناس الذين يظهرون على استعجال بسبب الرياح القوية التي تثير الغبار، بينما يظهر شرطيان يمران مسرعين أيضاً، ثم تدخل الكاميرا إلى أحد البيوت حيث تجتمع الأسرة الريفية لتناول الغداء الذي يقتصر على الخبز والشاي فقط، وبعد ذلك تتابع الكاميرا حركة الناس الذاهبين إلى جهة ما.
- مشهد لاصطفاف التلاميذ أمام المدرسة استعداداً لدخول الصف، المدرسة التي هي عبارة عن غرفة طينية وبضعة مقاعد، وفي داخل الصف المعلم يعطي الدرس.
- نساء وأطفال ينزعون جذور نبتة السوس من الأرض، وجلسة لمجموعة من الرجال بينهم المختار الذي لا يعرف القراءة والكتابة.
- امرأة تخبز على الصاج، وبعض النسوة يمارسن الأعمال اليومية المعتادة.
- داخل غرفة الصف المعلم يشرح للتلاميذ الدرس، ويسألهم عن فحوى إحدى الصور المرسومة في الكتاب، فيجيبون بأنها حقيبة، فيصحح لهم المعلم قائلاً: إنها علاقة ثياب تحمل بنطلون.
- الأطفال العائدون من العمل بالأرض يستريحون تحت بقايا خيمة بالية لتناول وجبة الغداء الوحيدة: الخبز والشاي.
- داخل البوسطة التي تقلّ عدداً من الرجال والنساء، الحوار يبيّن أنهم في طريقهم إلى مدينة دير الزور لمراجعة الأطباء، وفي السؤال لماذا لا يراجعون المستوصف القريب منهم، تكون الإجابة بأن المستوصف لا يفيد بشيء، ليس به أطباء ولا دواء.
- لقاء مع طبيب في عيادته بدير الزور يتحدث عن مرضاه وسوء أوضاعهم، ويركز على العادات والتقاليد البالية المسيطرة عليهم كقناعات، ولجوئهم إلى الطب الشعبي والشعوذات، وعدم ثقتهم بالطب أساساً، ويحرّمون معاينة المرأة المريضة على يد الطبيب الرجل.
- الحديث عن محاولة افتتاح صف لمحو الأمية في القرية بالتعاون مع المركز الثقافي والحزب واتحاد الفلاحين ولكن دون جدوى، على الرغم من استعداد المعلمين للقيام بهذا العمل بشكل طوعي.
- مسؤول في اتحاد الفلاحين يتحدث عن دور حزب البعث في المجتمع وعن القرارات الثورية لصالح الجماهير الكادحة وكيف يتم التحويل الاشتراكي بعد عشر سنوات من اندلاع ثورة البعث.
- لقاء مع ضابط شرطة يتحدث عن دور الشرطة في تطبيق القانون على الناس في القرية، يقول إنه في حال حدوث خلافات بين الناس فإنهم لا يفضلون اللجوء إلى المحاكم والقضاء لأنها تأخذ وقتاً طويلاً، بينما هم يحلون المشاكل بالتراضي بين الناس دون اللجوء لاستخدام القوة، ولكن في حال وقعت المشاكل فإنهم يمارسون دورهم بالقمع.
- فلاح شاب يروي كيف تم الاعتداء عليه من قبل متنفذين لرفضه إعطائهم قطعة من أرضه، وأن اتحاد الفلاحين والحزب لم يفعلا له شيئاً.
- داخل جلسة ذكر حيث ضرب الدفوف والغناء الديني المترافق مع حركات يؤديها الحاضرون وخاصة (من يأخذهم الحال كما يقال)، أولئك الذين يصابون بالتشنج والارتعاش الكبير وصولاً إلى حالات الإغماء الكثيرة، إنها صورة من الطقوس البدائية المتخلفة التي تتخذ شكلاً دينياً كانت سائدة تلك الفترات الزمنية.
- مسؤول حزبي يلقي محاضرة لمجموعة من الأهالي المدعوين لحضور عرض سينمائي يقوم به المركز الثقافي في المدينة، والحديث يدور عن أهمية السينما والصورة في حياة الأمم، وكيف أن الفيلم سيعطي فكرة عن التقدم الحضاري والتطور الكبير الذي يشهده القطر!!. يشاهد في الفيلم الذي يعرض صوراً لشاطئ أوروبي وأناس يستجمّون، يا لها من مفارقة بين البشر في المكانين؟!.
- لقاء مع رئيس نقابة شاب وحديثه عن نفسه وأهميته التي تسببت باختياره لهذا العمل، الرجل يتحدث بكل صراحة ودون لف أو دوران عن الاستغلال الذي يتعرض له الفلاحون على يد المزارعين وشيوخ العشائر، وتواطؤ الجمعية الفلاحية في هذه العملية.
- فلاح شاب آخر يطالب بالمساواة والعدالة بين الناس وإلغاء الفروق الطبقية بين الناس، إذ هناك أناس لا يملكون ثمن قوت يومهم.
- المسؤول الفلاحي مرة أخرى متحدثاً عن الإرث العشائري الثقيل المسيطر على الناس في هذه القرية، مشيراً بأصابع الاتهام إلى شيوخ العشائر الذين ما زالوا يملكون الكثير من أسباب القوة التي تساعدهم على استغلال الناس وترهيبهم، وممارسة سطوتهم عليهم، ويطالب السلطات بتطبيق العنف ضدهم.
- ضابط الشرطة متحدثاً عن شيوخ العشائر نافياً عنهم كل ما يقال تسلط ونفوذ، مدعياً أنهم لم يعودوا يملكون من المشيخة سوى الاسم، وأنهم مجرد مواطنين عاديين.
- فلاحون وأحاديث عن تهجيرهم من قبل شيوخ العشائر وسرقة أتعابهم، وهم الفقراء الذين لا يملكون لا حولاً ولا قوة، أما الجمعية الفلاحية فهي متواطئة بشكل علني مع شيوخ العشائر والمزارعين.
- يستنجدون بالدولة أن تقوم بحمايتهم كبشر ومواطنين، شعارات الحزب والثورة كلها فارغة وغير حقيقية ولا أحد يهتم بهم ويشعر بآلامهم، ولسان حالهم يصرخ: يا وحدنا.
- مشهد الفلاح الغريب الذي ظهر في افتتاحية الفيلم يعود ملخصاً واقع الحال: (جميل الرشيد وحسون اللطيف يهددوننا وهم هنا، والرجل قتلوه” الهفل” ويريدون ترحيلنا حتى يتهموننا بدم الرجل الذي قتلوه، هذا هو الموضوع، تركنا حنطتنا، تركنا بيوتنا، وكل مسكن ثمنه ثلاثة آلاف ويهددوننا بالرحيل ونحن لا بيت لنا غير الفراش واللحاف، ومن زمن العثمانيين نحن بهذا المكان. جوعانين ميتين).
- أما الجملة التي يختتم بها الفيلم فقد كانت: (علينا جميعاً أن ننخرط في النضال من أجل خلاصنا المشترك، ما من أيدٍ نظيفة، ما من أبرياء، ما من متفرجين، إننا جميعاً نغمّس أيدينا في وحل أرضنا، وكل متفرج هو جبان، أو خائن).
صورة الفراتي التي ظهرت:
إنسان مغلوب على أمره في كل شيء، يعيش حياة الفاقة والحرمان، مستلب الإرادة، لا حول له ولا قوة، يسرق تعبه في وضح النهار من قوى الاستغلال المتحالفة مع الفاسدين في جهاز الدولة ممثلاً بالشرطة، وفي رجال الحزب واتحاد الفلاحين، هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا عوناً له في تأمين حقوقه تماشياً مع الشعارات التي يطلقونها ليل نهار، وهو الذي يرزح تحت أثقال الجهل والأمية تتنازعه الخرافات وتملأ حياته الشعوذة، ليس لديه القدرة على مقاومة هذا الواقع، مع ملاحظة نفسٍ رافضٍ للظلم لدى الفلاحين شديد الوضوح أحياناً في حديثهم عن قوى الاستغلال وتسميتها بالأسماء الصريحة لأصحابها، وجرأتهم في الحديث عن كذب الشعارات الجوفاء للحزب التي لم ترفع عنهم ظلماً ولم تقدم لهم أسباب الحياة.
أما المرأة فهي التي تعاني بشكل مزدوج من كل أشكال القهر التي يتعرض لها الرجل أولاً، مضافاً إليها قهر الرجل بحد ذاته، وهو الذي يجد فيها الحلقة الأضعف في التنفيس عما يعانيه في كل شيء أمامه على أرض الواقع.
أفلام المرحلة الثانية: (2002-2006)
- فيلم: طوفان في بلاد البعث.
بطاقة الفيلم:
- وثائقي تسجيلي
- المخرج: عمر أميرالاي
- بالاشتراك مع: المخرجين: محمد الرومي وأسامة محمد.
- إنتاج: قناة ART الفرنسية
- تاريخ الإنتاج: 2003
- مدة الفيلم: 48 د.
- موقع التصوير: بلدة “الماشي” التابعة إدارياً لمحافظة الرقة.
- رابط الفيلم: https://youtu.be/GWAu22K8uuE
عرض الفيلم:
- يبدأ الفيلم بلقطاته الأولى عرض قدم متشققة لفلاح خمسيني، مترافقاً مع تعليق بصوت المخرج عمر أميرالاي يقول فيه: (منذ ثلاثة وثلاثين عاماً كنت مدافعاً صلباً عن تحديث وطني الأم سوريا، إلى درجة أن فيلمي الأول كان عن بناء سد، سد الفرات مصدر فخر حزب البعث وبهجته).
- ثم يستعيد مشاهد الفيلم السابق ” محاولة عن سد الفرات” للتذكير به، مع متابعة التعليق قائلاً: (أنا اليوم نادم على هذا الخطأ الذي ارتكبته في شبابي. إن انهيار سدٍ ورفع النقاب عن تقريرٍ رسمي توقع الشيء نفسه لسائر السدود التي بنيت خلال فترة حكم البعث الممددة ولايته دفعاني إلى العودة إلى موقع فيلمي الأول).
- مشهد لمئذنة لم تنته منها أعمال البناء بعد، تنظر إليها الكاميرا من داخل غرفة مظلمة عبر النافذة، على صدى صوت أطفال في مدرسة قريبة وهم يصرخون بالأناشيد الحماسية التي يتم تلقينها لهم.
- على منظر مياه البحيرة، ثمة صوت لرجل (خلف الكاميرا) يقول: (نحن ولدنا وكبرنا على سلسلة من القرى على وادي الفرات. فجأة أتوا وخزنوا مياه بحيرة السد ورأينا كيف تغرق بيوتنا وتُدمّر، وتدمرت معها كل الذكريات).
- ثم يظهر وجه المتحدث وهو رجل قروي في العقد الرابع من العمر، يتابع حديثه: (حسب الذكريات والطفولة التي عشناها فإننا لا زلنا نذكر ولو بشكل تقريبي أماكن بيوتنا. مثلاً بيتي أنا هنا تحت الماء، لا يظهر منه شيء، ولو أنك بحثت تحت كل بيت لعثرت على آثار وحضارات من الفترة الإسلامية وحتى العصور الحجرية. أول ما استوطن الإنسان وحاول أن يزرع ويجني ثمار تعبه ويتحول من صياد إلى مزارع، ويدجن الحيوانات، كله في هذه المنطقة بالذات. المنطقة قدمها من قدم التاريخ).
- نعود لصوت المخرج وهو يقول: (من بحيرة الأسد تمتد بلاد جديدة سوريا حافظ الأسد. اخترت إحدى القرى من هذه الأرض الجديدة تحمل هي وسكانها وحتى نبع الماء فيها اسم الماشي. يحكمها زعيم عشيرة عضو في مجلس الشعب بإشراف ابن أخيه ناظر المدرسة والمسؤول المحلي للحزب، هذه الصورة المهمة لقرية الماشي تمثل بلداً عمل حزب البعث على بنائه طوال الأربعين عاماً الماضية من دون كلل).
- بعد هذه المقدمة يطالعنا وجه ذياب الماشي وهو يتحدث معرفاً بنفسه وتاريخه ونظرته إلى شخصية حافظ الأسد، متباهياً بعلاقته القديمة معه، وتاريخ عشيرته في الولاء لحافظ الأسد، ويضرب مثلاً على ذلك في وقوفه مع النظام ضد الإخوان المسلمين. وعلى مدى سبعة دقائق من مدة الفيلم يقدم ذياب الماشي حافظ الأسد كإله، وليس على صورة إنسان عادي أبداً.
- من مشاهد جنازة حافظ الأسد ينقلنا المخرج إلى خلف صالح الماشي الذي يعرف بنفسه كمعلم ومربي ومدير مدرسة “جعيفينة الماشي” الابتدائية، وكيف أنه أصبح مديراً للمدرسة بواسطة عمه عضو مجلس الشعب ذياب الماشي، كما أنه يشغل منصب أمين الحلقة الحزبية في هذه القرية. خلال هذا اللقاء يظهر مدى الولاء للرئيس بشار الأسد بعد وفاة والده.
- بلغة خشبية جوفاء بلهاء متخلفة، ومع مشاهد التلاميذ يتلقون دروسهم داخل الصفوف، نتعرف إلى غسيل الدماغ الذي يحدث للجميع من خلال التلقين والتحفيظ لقيم الحزب، والتدرب على شروط الطاعة العمياء والحياة شبه العسكرية، ويمكن بكل سهولة التعرف أيضاً على حجم الكارثة التي تحدث على مرأى الجميع، ومدى بعد هؤلاء عن مواكبة الحياة خارج هذا المكان.
- إلى مياه البحيرة مرة أخرى وصوت الرجل الفراتي متحدثاً: (هناك الكثير من الأشياء السطحية التي ينساها الإنسان، بينما حالتنا بعمق التاريخ لا يمكن نسيانها، طبعاً ما نعيه نحن، لا يعرفه أولادنا الذين ولدوا وشاهدوا البحيرة فصاروا يعتقدون أن هذا هو الفرات. نعلم أطفالنا أن الفرات كان بغير هذا الشكل، كان نهراً يمشي بالوادي، كنا ننزل للسباحة به، ونمشي إلى جانبه. أولادنا لا يعرفون السباحة، لماذا لأنهم تعلموا الخوف من البحيرة فهم يخافون الغرق، وهذه أول مرة بالتاريخ يتغير شكل النهر بشكل كبير ولم يعد هناك نهر بالأساس، هو عبارة عن بحر، ترى أمامك بحر ليس هناك نهر، راح النهر، خلص).
- عودة إلى مشهد البداية والغرفة المظلمة، والنافذة المفتوحة المطلة على مئذنة الجامع إياها، حيث يظهر تساقط الثلج بكثافة مع سماع صوت الصلاة داخل المسجد.
- الصورة هنا للغرفة والنافذة والمئذنة كلها مائلة بشكل شديد الوضح، فهل كان ذلك إشارة يختتم بها المخرج للدلالة على أنه لم يبق هناك ما هو معتدل ومستقيم بشكل طبيعي، فكل شيء مائل مثل هذه الصورة؟!.
صورة الفراتي التي ظهرت:
تبدو الصورة التي أظهرها الفيلم متطابقة إلى درجة كبيرة جداً مع العنوان الذي حمله: طوفان في بلاد البعث. حيث السد ومياهه وما دفن تحته من حياة لبشر وبيوت وغيرها، كان أشبه بالطوفان الذي يكتسح في طريقه كل شيء، حيث لا يبقي ولا يذر.
أما عن المعنى الآخر للطوفان سوى الماء والبحيرة، فهو ذلك الخراب الذي مثله نموذج العقلية التي صنعها بإصرار ودون كلل كما قال صانع الفيلم، صورة الخواء الفكري العميق، والاستلاب العقلي، والرضوخ والعبودية المطلقة لشكل النظام ورمزه سيء الصيت ممثلاً بالأسدين الأب والابن. فهل أشد وضوحاً من هذه الصورة على الرغم من سوادها الذي يثقل على الأرواح؟!.
لا آراء نقدية حول الفيلم.
- فيلم: أزرق – رمادي
بطاقة الفيلم:
- وثائقي
- إخراج: محمد الرومي
- شارك بالإنتاج: شركة mille et une production
- العمليات الفنية: المؤسسة العامة للسينما في سوريا
- تاريخ الإنتاج: 2005
- مدة الفيلم: 23:12 د
- موقع التصوير: منطقة حوض الفرات الأعلى في سوريا.
- بمشاركة سكان قريتي (تل عبر)، و(تل البنات).
- رابط الفيلم: https//youtu.be/mw-rGgce_vl
عرض الفيلم:
- البداية مع صورة العبّارة وهي تستقبل الناس الذين يملؤون جوفها للعبور إلى الجهة الأخرى من الفرات، ذلك أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة للتنقل، يترافق ذلك مع تحرك الكاميرا إلى الأرض المجاورة حيث بعض القرويات يمارسن أعمالهن اليومية في الأرض.
- نسمع صوت المخرج محمد الرومي “صانع الفيلم” متحدثاً: (قلت لحالي لازم صور العبّارة. كان عمري 14 سنة وقت اللي حملتنا أبي وأنا والسيارة محملة بعفش بيتنا وقطعت فينا الفرات. كنا عم ننتقل من الجزيرة من ضيعة تل أبيض لنسكن بمدينة حلب. بدي صور العبّارة والضيع اللي عشنا فيها. الناس. الأولاد اللي بيشبهونا أنا واخواتي ورفقاتي وقت كنا زغار. بدي صور العبّارة وكل شي عزيز عليّ. صور الآثار اللي رجعت فيها مصور فوتوغرافي. رح صور كل هذا قبل ما يجي الغمر).
- وحدها عين الكاميرا تجول أرجاء المكان بكل هدوء ورتابة، كأنما هي تحاول ليس فقط رؤية وتوثيق هذه المشاهد، بل كأنما هي تحاول الإمساك بها، واحتضانها قبل أن تصبح أثراً بعد عين، بعد أن تندثر وتزول، عندما يأتي الماء، ويغمر تحته كل أشكال الحياة.
- في حركة الكاميرا هذه نشاهد السهول المترامية الأطراف، والقرى والبيوت المتناثرة، والناس في حركات انتقالهم من بعيد، والحيوانات التي ترافق الناس في الحل والترحال، ثم تقترب الكاميرا أكثر من بضعة فتيات فراتيات يقمن بجلب الماء من النهر على ظهور الحمير، وتلك الوسيلة الوحيدة أيضاً لاستقدام الماء للشرب، وباقي الاستخدامات.
- ترصد عين الكاميرا أيضاً مجموعة من الأطفال الذين يصطفون أمامها وينتظرون. ماذا ينتظرون؟!. بماذا يفكرون تلك اللحظات، وماذا يفعلون سوى الضحكات البريئة التي يحاولون كتمها ربما احتراماً لمن يقوم بالتصوير، أو تهيباً وخشية من الكاميرا بحد ذاتها، هي ذلك الكائن المجهول.
- تقف الكاميرا عند مسافة قريبة من طرف بيت صغير حيث يصعد الأطفال سلماً خشبياً إلى المكان المخصص للنوم صيفاً، هذا المكان الذي تراه في كل بيت ريفي مماثل، لا غنى عنه البتة.
- بعد ذلك تتوقف لحظات قصيرة مع بعض الوجوه، رجل، امرأة، شابة، طفل، ترصد نبض الحياة الباقي على وجوههم.
- مجموعة من السيدات في أوضاع عمل متعددة، يعجنَّ ويخبزن ويقمن بتحضير اللبن الرائب. رجل يمشي إلى جوار جدار طيني غير مرتفع.
- تصل الكاميرا إلى السوق الشعبي الأسبوعي المتنقل بين القرى والذي يعرف عادة باسم سوق الجمعة، حيث الازدحام البشري للمرة الأولى نراه هنا للناس أثناء تسوقهم الخضار وكل المنتجات. إنها واحدة من الصورة النابضة بالحياة حقاً.
- تعود الكاميرا لرصد الأرض والنهر والحياة قبل الغمر مرة أخرى.
- يتجمع الناس أمام العبّارة ويفسحون المجال أمام البوسطة أولاً.
- لقطة سريعة لسد “تشرين” الذي ما يزال قيد الإنشاء، ثم العودة إلى القرية وأعمال الإخلاء الأخيرة التي يقوم بها الناس لأخذ ما يمكن حمله للاستفادة منه في بناء البيوت التي ستمنح لهم في أرض أخرى بعيدة عن موطنهم هذا الذي سيتحول إلى بحر شاسع الأطراف دافناً تحته تاريخهم وذكرياتهم وكل الأحلام التي كانت يوماً.
- تتوقف عين الكاميرا عند مشاهد القبور البسيطة المتكومة بالقرب من بعضها كأنها تحتمي من خطر خارجي يهدد موتها الهادئ، كيف لا وهو خطر قادم قريباً وعلى الأبواب، حين سيرحل من بقي من أهاليهم على قيد الحياة إلى أراض بعيدة، وسيبقون هم الأموات وحدهم الذين سيحافظون على ارتباطهم الجنيني بأرضهم الأم، سوف لن يزورهم أحد بعد الآن، كتب عليهم موت جديد فوق موتهم هذا.
- على صوت المطرب الشعبي العراقي “سعد الحديثي” الشجي الحزين وهو يغني بطريقة تقطع نياط القلب حزناً على هذا المصير الكارثي، تتسارع حركة الكاميرا للمرة الأولى في الفيلم وهي تمشي مع الماء.
- الماء الذي بدأ بالارتفاع، ومساحاته بالاتساع والتمدد والانتشار، وهو في كل خطوة يتقدمها، يقول لك: إن تاريخاً هنا قد تم دفنه إلى الأبد، بل وتحطيمه وصار في باب الممنوعات الحديث عنه، ويجب أن يطويه النسيان.
صورة الفراتي التي ظهرت:
أية مصادفة نادرة الحدوث، أو لنقل أي حظ هو ذلك الذي جعل المخرج محمد الرومي يصل إلى تلك الأرض التي جاء منها طفلاً ذات يوم، ليعود إليها مصوراً مرافقاً لبعثة أثرية، ثم يصبح بذلك شاهداً على جريمة كبرى بحق الأرض والإنسان في هذا المكان بالذات؟!. أية شهادة وثائقية فائقة التأثير تلك التي استطاعت عينه الذكية تصويرها في أيامها الأخيرة وهي تودع الحياة؟!.
الصورة التي ظهرت لابن الفرات الذي لا حول له ولا قوة، وهو يقف مكتوف اليدين أما جريمة اقتلاعه القسرية من أرضه، وقذفه بعيداً عنها بحجة بناء السد وتأمين الكهرباء للوطن. صورة حزينة موجعة للقلب لا تحتاج مزيداً من الكلمات، لأن الكلمات أساساً تقف عاجزة مثل ابن الفرات عن التعبير عن هول الحدث الفجائعي الرهيب.
لا آراء نقدية حول الفيلم.
- فيلم: كلام حريم.
بطاقة الفيلم:
- إعداد: عدنان العودة
- إخراج: سامر برقاوي
- وثائقي متوسط
- – مدة الفيلم: 30 د.
- إنتاج: بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للتنمية والسكان بالتعاون مع وزارة الإعلام السورية.
- تاريخ الإنتاج: 2006
- موقع التصوير: قرية “زور شمر” ريف الرقة الشمالي.
- منع من العرض بدايةً، ثم عرض للمرة الأولى في تظاهرة سينما الواقع dox box 01 في دمشق.
- رابط الفيلم: https://youtu.be/ODRsKtWyvm0
عرض الفيلم:
- أصوات متداخلة لمجموعة نسائية يتحدثن فيها بمواضيع مختلفة من حياتهن الاجتماعية، على خلفية شروق الشمس، وبضع بطات يتهادين على وجه ماء نهر الفرات، ورجل يركب زورقه البدائي الصغير ويمضي إلى وجهة ما في هذا النهر.
- نتابع. “زور شمر” قرية سورية شمال شرق دمشق 370 كم. عبارة تضع المشاهد في موقع القرية التي تم التصوير فيها.
- تجول الكاميرا سريعاً حول القرية، ثم نلتقي رجلاً من القرية داخل بيته في جلسة حوار مع معد الفيلم (خلف الكاميرا) يدور بينهما حوار حول حياته الاجتماعية والأسرية، فيعرف بنفسه بعد المقدمة التقليدية للبسملة والحمد لله، فيقول إنه زوج لامرأتين، وأب لسبعة عشر طفلاً بين ذكور وإناث.
- ثم ننتقل إلى مشهد آخر، ورجل آخر من القرية يجلس على “الطريزينة” أمام غرف البيت الطينية، نستمع إليه متحدثاً عن وضع المرأة اليوم في القرية كمن يجيب على سؤال قائلاً: (حياة المرأة جيدة، مرتاحة، لا شيء كأنها تعيش في حياة المدن، الماء موجود، الطعام موجود، الراحة موجودة، تنظف بيتها وتجلس، لا تخرج ومرتاحة).
- في مكان آخر وسط الشارع، أربعة رجال يجلسون إلى جانب سيارة صغيرة مغلقة، يتابعون الحديث عن أوضاع المرأة اليوم في القرية، فيقول أحدهم: (المرأة هنا سعيدة، وليست مثل السابق حيث كانت متعبة جداً بالأشغال، أما الآن فهي مبسوطة مرتاحة بلا أي عمل، لا تعجن ولا تخبز، وضعها ممتاز)، بينما يعقب شخص آخر قائلاً: (لا ينقصها شيء الماء موجود، الكهرباء موجودة، كل شيء موجود، كل شيء متوفر، لا تختلف عن المدينة ولا بأي شيء، الفرن موجود، ولا ينقصها شيء).
- عودة إلى المتحدث الأول داخل البيت حيث يتابع حديثه قائلاً: (لا لا أنا مع تعليم البنت لأنها ليست نصف المجتمع، بل تعتبر ثلاثة أرباع المجتمع).
- رجل الطريزينة يقول: (البنات متعلمات لحد الصف السادس والخامس والثالث والبقية تزوجن، والآن هنا من البنات من تريد متابعة الدراسة إلى البكالوريا ولا مانع).
- ثمة مشهد يتكرر لرجل داخل غرفته يبقى صامتاً لا يفعل شيئاً سوى شرب القهوة المرة بين الفينة والفينة.
- تتكرر الأسئلة في الفيلم حول الزواج المبكر، والرأي الذي يقول إنه حرام ولا يجوز!! بينما يتباهى آخر بأنه زوّج بناته من عمر الخمسة عشر عاماً.
- يقول الرجال إن تعدد الزوجات أمر جيد، ولا مانع منه إطلاقاً، وهناك الكثير من الضرورات التي تبرره.
- ثمة مشاهد في الفيلم زائدة عن الحاجة، كمشهد الرجل الذي يطلب من أبنائه الوقوف لالتقاط صورة، وكذلك الحديث المطول الذي يقوم به الرجل لسرد أسماء أبنائه السبعة عشر حيث ينسى بعضهم أحياناً.
- يتحدث الرجال أيضاً عن تعنيف المرأة، وأنه لم يعد موجوداً وأنهم يؤمنون بالمساواة بين الرجل والمرأة.
- المشاهد التالية للمرأة التي تظهرها الصورة، تناقض كل ما قاله الرجال عن وضع المرأة في القرية اليوم، حيث ما زالت المرأة تغسل على يديها دون وجود غسالة كهربائية، وتعمل في الحصاد بالمنجل، وليس كما قالوا عن تمتعها بالراحة، كما أنها ما زالت ترعى الغنم، وتحمل الحطب على كتفها، وتعجن وتخبز على الصاج، هذه المشاهد تقابل رجلاً بكامل أناقته حتى أنه يلبس قفازات بيضاء بما يوحي بأنه لا يعمل أبداً.
- نشاهد صوراً لأطفال يعملون بالحقل، لا يعرفون الإجابة عن سؤال المستقبل، وماذا يحلمون أن يصيروا؟!.
- تتحدث الأم عن ابنتها بشرى وتصفها بالمجتهدة، وتقول: (ما دامت تنجح في صفوفها ستبقى بالمدرسة، وعندما ترسب ستجلس بالبيت).
- بعد ذلك تنقلنا الكاميرا إلى سهرة نسائية على ضوء “اللوكس” وشرب الشاي، حيث تتحدث النساء عن أوضاعهن هذه المرة بأصواتهن، فيذكرن تفاصيل متاعب حياتهن اليومية التي تنسف رواية الرجال الآنفة الذكر عن تلك الأحوال، فيتحدثن عن الزواج المبكر الذي تعرضن له، وحياتهن المكرسة لإرضاء الأزواج الذين لا يعملون شيئاً غير الزيجات المتعددة، وإنجاب المزيد من الأولاد، إضافة إلى العنف الذكوري الذي يمارس عليهن منهم.
- ثمة قصة مؤثرة على لسان إحداهن تقول فيها: (تركت ابنتي الصغيرة نائمة إلى جانب والدها الذي لم ينتبه إليها عندما استيقظت عطشى وذهبت نحو الساقية لتشرب، ثم سقطت هناك وماتت دون أن يعلم والدها الذي كان يغط في نومه). بهذه البساطة تزهق حياة آدمية دون أن تعني شيئاً لأحد.
- كل ذلك عدا الحديث عن عدم السماح للبنات بمتابعة الدراسة لأن الاهتمام بتربية الدواب أكثر ضرورة وأهمية للأهل، وعن التعنيف الزوجي تقول إحدى النساء: (ما زال زوجي يضربني حتى الآن على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على زواجنا).
- تنتهي السهرة النسائية بغناء إحدى الفتيات، كأنما هي تلخص تلك الأحوال المتعبة التي تغلف حياة المرأة في تلك البقعة من الأرض السورية، ثم يختتم الفيلم بموسيقا ذات إيقاع فرح على مشهد نار تتصاعد ألهبتها من موقد حطب.
صورة الفراتي التي ظهرت:
ما حاول صانعا الفيلم إظهاره بشكل مرسوم منذ الخطوات الأولى للفيلم، قد لا يتطابق مع الصورة التي وصلت إلى الناس بعد مشاهدة الفيلم، وإن اختلفت الآراء والتقييمات حسب المنظور الذاتي والخلفية الشخصية لكل واحد من المتلقين، إلا أن ما يمكن الاتفاق عليه تقريباً هو تلك الصورة السلبية للرجل الذي ظهر كسولاً، لا يحب العمل، يعيش فراغاً كبيراً في حياته، يقوم باستغلال جهد المرأة الأم الأخت الزوجة الابنة في كل شيء، لا تتطابق أقواله مع أفعاله الحقيقية الواقعية، فهو يمارس التسلط والعنف الذكوري تجاه المرأة في الوقت الذي يدعي فيه العكس من ذلك تماماً.
بينما كانت صورة المرأة كما ظهرت في الفيلم فهي لتلك الأنثى الوديعة المسالمة التي لا تبدي أي نوع من أنواع التمرد على التهميش والإقصاء الذي يمارسه الرجل بحقها في كل شيء، غير أنها في جلساتها النسوية الخاصة تقوم بالبوح أيضاً بشكل من الاستكانة لتروي معاناتها مع الزوج الذي يقوم بضربها كلما كان مزاجه معكراً.
آراء حول الفيلم:
- الصحفية “ليلاس حتاحت” كتبت في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية رأياً حول الفيلم بعنوان: (فيلم كلام حريم صار بدون حريم بعد أسره ومنعه، تقول فيه:
(ما عُرِضَ ليس غائباً أو غريباً، بل هناك ما هو أقسى بكثير، لكن دخول مثل هذه البيئات أمر شديدي الصعوبة، فهم قرويون محافظون إلى حد كبير، لا تجرؤ نساؤهم على البوح بالكثير، لكن رغم ذلك استطاع المخرج سامر برقاوي، من خلال الكاتب عدنان عودة معد الفيلم وابن المنطقة في الوقت ذاته، التحدث معهم وعرض حياتهم بشكل، لا يؤذي مشاعرهم أو يستغلها).
ثم تضيف: (اعتمد المخرج في أسلوبه منذ البداية على الثنائيات في الشكل والمضمون “الرجل والمرأة، الضوء والعتمة، الرماد والنار” وتوق نهائي للحرية من خلال طيور في سماء زرقاء تفرد أجنحتها حرة دون وجهة محددة. واقع لا يخفى على أحد داخل سورية وخارجها، بل هو واقع العديد من القرى في البلدان العربية أيضاً. فهل عرض هذه الإشكاليات يعتبر إساءة لصورة المرأة في سورية، أم أن الإساءة هي في التعتيم والتجاهل بدلاً من مواجهة الواقع ومحاولة تحسينه وإصلاحه؟ وإن كانت صورة البلد تهم المعنيين فلم لا يهبون لجعلها جميلة ومشرقة بدلاً من تجميلها وتزوير الأصل؟). *المصدر: * صحيفة الشرق الأوسط / تاريخ: 14.03.2007 / كاتب المقال: ليلاس حتاحت / العنوان: فيلم “كلام حريم” صار بدون “حريم” بعد أسره ومنعه.
- المخرج السوري محمد ملص كتب في صحيفة الأخبار اللبنانية رأياً بعنوان: “كلام حريم” وتحديات السينما السورية، قال فيه:
(هذا الفيلم المصنوع بتصور سينمائي ناضج، يحكي بلغة حميمة وصادقة منظور الرجال إلى المرأة في منطقة الفرات، والمكانة المحدودة التي يمنحونها إياها. الواقع الاجتماعي الطاغي على حياة الرجال، يقدمه المؤلفان على مساحة الفيلم، لكنهما قبل النهاية، ينزلان بالفيلم إلى ما تحت الطاولة المعتم، ليتيحا الفرصة لهذه المرأة بما تملك أن تعبر عن نفسها، فلا تملك حينها إلا صوتها لتغني قدرها ومصيرها). *
المصدر: * صحيفة الأخبار اللبنانية / تاريخ: 15.03.2010 / كاتب المقال: محمد ملص / العنوان: “كلام حريم” وتحديات السينما السورية.
- صحيفة قاسيون كتبت مقالاً بعنوان: “كلام حريم”: انحراف الرؤيا، دون توقيع لاسم الكاتب، جاء فيه:
(يمتاز الفيلم بلغته الفنية الخاصة التي تبرز أكثر ما تبرز في طريقة المونتاج التي تؤكد مقولة العمل، لكن الذي يُشكِلُ حقاً هو الرؤية الفكرية، فالخطأ الكبير الذي يرتكبه شريط عدنان عودة وسامر برقاوي هو إدانة للرجل بوصفه صاحب الظلم الأكبر، وحامل العبء الأخلاقي الأعظم في انتهاك المرأة، بتحويلها إلى أداة عمل وتفريخ فقط، فيما يأتي الظلم مضاعفاً حين تصبح منطقة الجزيرة، محور العمل، نموذجاً لهذا الظلم، لأن هناك من سيقرأ وفق السياقات الاجتماعية البليدة التي ترى إلى المشكلة أنها مشكلة تتعلق بالشوايا “كما هي التسمية العنصرية الدارجة لأهالي الجزيرة السورية”).
كما أضاف كاتب المقال: (إن وضع القيم العصرية في حيز الفعل لا يمكن أن يتم دون مشروع شامل، فيتكفل بإحلالها واستمرارها، وهذه مهمة مؤسسات الدولة، أما والحال على ما هو عليه فإن من غير المعقول أن يتحول الريفي إلى مدان، وأن يصبح مداراً للسخرية، وأن يتم تناوله بدون الحد الأدنى من الحب. المتهم الحقيقي الغائب عن ذهن صانعي الفيلم هو من يجعل من الجميع، نساءً ورجالاً ضحايا). *
المصدر: * صحيفة قاسيون / تاريخ العدد: 27.03.2010 / كاتب المقال: مغفل التوقيع / العنوان: “كلام حريم”: انحراف الرؤيا.
- صحيفة الغد الأردنية كتبت تحت عنوان “كلام حريم” فيلم تسجيلي يثير جدلاً حول واقع المرأة في الشمال السوري، يحمل توقيع: (أ ف ب)، حيث وصفت الصحيفة الفيلم بأنه: (جريمة سينمائية بحق المنطقة؟!).
ونقلت رأياً للصحفية السوريةعلياء الربيعو تهاجم فيه الفيلم إذ تقول: (ما أثار حفيظتنا تلك الطريقة النمطية غير المدروسة في تصوير حياة البدو في تلك المنطقة).
ثم تتابع القول: (المجتمعات البدوية لها خصوصية وحضارة بدأ الغرب يعيها، بينما يأتي الكاتب والمخرج هنا ليؤكدا على صورتها البدائية).
وتضيف: (إن تصوير النساء على أنهن يظلمن في المجتمعات البدوية بعيد كل البعد عن الصحة، فهنا ينسى معد الفيلم أن النساء حكمن القبائل أحياناً، ومنها قبيلة طي التي حكمتها امرأة). *
المصدر: * صحيفة الغد الأردنية / تاريخ العدد: 25.07.2011 / كاتب المقال: (أ ف ب) / العنوان: “كلام حريم” فيلم تسجيلي يثير جدلاً حول واقع المرأة في الشمال السوري.
- صحيفة البيان الإماراتية نشرت مقالاً للصحفي عامر مطر بعنوان: “كلام حريم” كوميديا سطحية تشوّه الواقع.
يقول عامر مطر: (أصوات نساء فراتيات، وصور بط على وجه الفرات، كإحالة أولى، ومشهد أول من فيلم “كلام حريم” الكوميدي، الذي التقط نماذج قروية بسيطة، وقدمها بشكل مضحك). يتابع قوله: (يبدأ الفيلم بمجموعة رجال، أولهم أب لسبعة عشر طفلاً، وزوج لمرأتين. يتحدث جميعهم عن علاقتهم بالمرأة كزوجة وابنة، في مشاهدة سريعة متتالية، اقتطع كلامهم داخلها بواسطة المونتاج، ليبدو أكثر إضحاكاً). ثم يضيف: (اختيرت لهم كوادر معينة لتحقيق غاية الفيلم الكوميدية). ويتساءل عامر: (ما جدوى السخرية من بشر مظلومين؟ الأجدى بالفيلم أن يطرح قضية الجزيرة السورية دون أن يسخر من سكانها… فمشكلة تلك المنطقة لا تقتصر على الإهمال الاقتصادي والتنموي، من جانب الحكومة السورية، وإنما تتعداها إلى صورتها المختلفة، وأحياناً الغائبة في الشارع السوري لأسباب إعلامية متعددة).
كما يتابع السؤال قائلاً: (لا أعرف لماذا اختار الكاتب هذا العنوان للفيلم، فالاسم لا يمت للهجة الفراتية بصلة. كما أن الكثير من التفاصيل تشي بنظرة استشراقية قدمها العمل عن تلك المنطقة، وتكاد تكون شخصيات الفيلم في الكثير من المشاهد أقرب إلى الشخصيات العربية في الأفلام الهوليودية). ثم يصف الفيلم بقوله: (العمل يشبه أعمال بائسة كثيرة، أنتجتها وزارة الإعلام السورية أيضاً، الوزارة التي رسخت طوال عقود صورة نمطية غير إنسانية عن منطقة الجزيرة السورية “شمال شرق سوريا”. إن الناس هناك متخلفين، وأغبياء دون التطرق إلى فقرهم، وما يعيشونه من حرمان سببه التقصير الحكومي). ويختم رأيه في المقالة: (يستمر “كلام حريم” المشوّه من الدقيقة 16 إلى آخر الفيلم، في محاولة من صناع العمل، لعرض مشكلات كبيرة، تعانيها المرأة الفراتية، لكنهم سقطوا في السطحية، والكوميديا غير النافعة). *
المصدر: * صحيفة البيان الإماراتية / التاريخ: 18.12.2010 / كاتب المقال: الصحفي عامر مطر / العنوان: “كلام حريم” كوميديا سطحية تشوّه الواقع.
- فيلم: أضواء.
بطاقة الفيلم:
- وثائقي
- إخراج: ريم الغزي.
- إنتاج: قناة الجزيرة.
- تاريخ الإنتاج: 2006
- مدة الفيلم: 23:26 د.
- رابط الفيلم: https//youtub.be/Mbwl0jpHAc
- موقع التصوير: قرية (عين البيضا) على ضفاف بحيرة سد الفرات، ليست بعيدةً عنه.
عرض الفيلم:
- بدايةً، يتحدث الفيلم ومن خلال أسرة صغيرة تعيش على ضفاف بحيرة سد الفرات، عن معاناة الناس من عدم وجود الكهرباء في قريتهم بالمطلق، على الرغم من قربها من سد الفرات، الإنجاز الأكبر الذي يتباهى به نظام البعث والأسد أمام المواطنين السوريين والعالم، حيث محطات توليد الكهرباء التي تغطي سوريا، ولبنان، والأردن.
- كما يظهر معاناتهم من عدم وجود شبكة مياه الشرب، حيث يشربون من ماء البحيرة بشكل مباشر، إضافة إلى عدم تخديم القرية بشبكة طرق عامة، فهي إذاً شبه مقطوعة عن العالم الخارجي، وطريقة تواصلهم الوحيدة مع القرية التالية على الضفة الأخرى للبحيرة تتم بواسطة الطرادة، حيث يعيش أهل القرية على صيد السمك، أو الهجرة إلى المدن السورية الأخرى، والدول المجاورة بحثاً عن العمل، والمدرسة الوحيدة بعيدة عنهم، حيث الأطفال يذهبون إليها مشياً على الأقدام.
- يبدأ الفيلم من غرفة صغيرة حيث الزوج والزوجة وعدد من الأطفال، يقول الزوج: (نحن نعيش تحت رحمة الله، لا كهرباء، ولا ماء، ولا أي شيء، حتى ولا طريق)، بينما تتابع الزوجة: (أحلم بوصول الكهرباء، حتى أشتري غسالة، وبراد أفضل من البحث عن ماء بارد عند من لديهم كهرباء)، ويعقب الزوج: (أقتني دينامو للماء، أحسن وضع البيت، وأزرع ما أريد، وأشتري تلفزيون، ومسجلة، ويصبح عندي كل شيء). يضيف أحد المشاركين: (تبعد الكهرباء عنا مسافة كيلو متر واحد، والدولة توزع الكهرباء إلى الأردن، ولبنان، ونحن هنا لا أحد يدري بنا، ليس لدينا كهرباء، وما زلنا على ضوء لمبة الكاز).
- بعد ذلك ينتقل الفيلم للحديث عن تاريخ المنطقة القريب (قبل الغمر)، فيقول أحدهم: (كان الناس يسكنون هنا في “الزور”، في هذه المنطقة أرض البحيرة، وعندما جاءت الدولة وأبلغت السكان أن الماء سوف يغمر “الزور”، فإن الناس لم يصدقوا الأمر بدايةً، وقالت لهم لا تزرعوا الأرض، لكنهم زرعوا، وعندما جاء الماء أخذ كل شيء).
- تطرق الفيلم بصورة عابرة إلى النظرة السائدة بين الناس في القرية لجهة توزيع الأعمال بين الرجل والمرأة، حيث قدم طفلاً يسخر من شقيقته، والأعمال التي تقوم بها المرأة والتي لا تليق بالرجل على حد تعبيره، وهذا يظهر ما سمعه من الكبار حول هذه القضية.
صورة الفراتي التي ظهرت:
ظهرت صورتهم رجالاً ونساءً في حالة من الاستسلام والرضوخ للواقع المعاشي المرير الذي يرزحون تحت وطأته كأنما هو قدر لا فرار منه، يستثنى من هذه الصورة ما ذكرته الزوجة عندما قالت: (لا يجوز أن نموت، ونجعل غيرنا يموت معنا، من يستطيع الطيران فليفعل، لينجو بنفسه، ويؤمن حياته، لا نستطيع أن نطلب منه العيش بنفس الوضع الذي عشنا فيه، هذا خطأ).
ربما كانت هذه صرخة الرفض والتمرد الوحيدة التي أظهرها الفيلم على لسان ضيوفه من الرجال والنساء والأطفال.
الخاتمة:
نظرة سريعة لمجمل الأفلام خلال المرحلتين الأولى والثانية، لا تظهر الكثير من التغير الذي حدث للإنسان الفراتي ونمط حياته، فغياب الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء ومياه الشرب النظيفة ما زالت دون المستوى إن لم تكن ما تزال غائبة عن بعض القرى كما ظهر في فيلم (أضواء) لريم الغزي الذي أنتج عام 2006 حيث ما تزال القرية القريبة من أكبر محطات توليد الكهرباء في سوريا محرومة من الكهرباء.
فيلم (كلام حريم) لعدنان العودة وسامر برقاوي الذي أنتج عام 2006 أيضاً يظهر فيه الفراتي والفراتية من حيث المظهر، شكل الملبس ومستواه متقدماً جداً مقارنة بما ظهر عليه الناس في فيلم (الحياة اليومية في قرية سورية) الذي صوّر عام 1972 حيث كانت الصورة تدعو للرثاء لشدة فقرها الظاهر للعيان.
كأن الزمن لم يمر على تلك المنطقة وأهلها، وأنهم ما زالوا على هامش الحياة عموماً، منشغلون بتعداد الزيجات، وإنجاب الذرية الأكبر، والحياة الفارغة من الهدف (كلام حريم).
لم تخرج الأفلام عموماً عن إظهار صورة الفراتي الراضي بما فرض عليه من ظروف حياتية ظالمة، إلا إذا استثنينا فيلم (الحياة اليومية) الذي رصد بوادر استياءً ورفضاً للظلم الممارس عليهم من قبل شيوخ العشائر والمتنفذين من المزارعين وغيرهم.
إذا عدنا لفرضية البحث في صورة الفراتي في السينما السورية، فهي كما ظهرت خلال الأفلام الستة التي تم استعراضها أنفاً، موجودة غير أنها لم تكن متوازنة في عرضها، ذلك أنها جميعاً وخلال المرحلتين الزمنيتين وما بينهما من تباعد لم تتطرقا إلى الحديث عن أية إيجابيات في صورة هذا الإنسان الفراتي (رجلاً وامرأة)، حيث غابت الصورة الإيجابية تماماً، ولم نشاهد حالة واحدةً لرفض صريح ومتمرد على واقع الحال المعاش كأنه قدر لا فرار منه، ولم نلحظ أثراً لأية حالة نجاح ولا على أي مستوى قام بها إنسان تلك المنطقة.
أول وأبرز تلك الحالات الغائبة، والتي هي حقيقة واقعة شديدة الوضوح يعرفها أبناء المنطقة الفراتية جميعاً هي حالات التفوق الدراسي لأبناء الريف في مدن الجزيرة السورية، ووقوفها في أغلب الأوقات بالصفوف المتقدمة للناجحين، وأصحاب الشهادات الدراسية العليا، حيث تغير الزمن (ما لم نره في الأفلام) الذي كانت فيه مهنة الطب على سبيل المثال لا الحصر حكراً على أبناء المدن الأخرى، عندما صار في المنطقة أطباء من أبنائها وبناتها.
إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف المحيطة بإنتاج السينما في سوريا، خاصة لجهة الحرية في التعبير عما يريده صانعوا الأفلام، فإننا قد نتفهم قائمة الممنوعات والمحرمات، ولكن ذلك بالدرجة الأولى يكون حول المغزى السياسي وهل يحمل نفساً معارضاً ورافضاً لشكل السلطة السياسية، ولكن الحديث عن الجوانب الإيجابية التي خلقت وشقت طريقها على الرغم من تلك البيئة المتخلفة القمعية ألم يكن يستحق بعض الانتباه، كي لا تكون الصورة أحادية النظرة كما ظهرت.
هذا الاستخلاص لا يقلل بطبيعة الحال من أهمية تلك الأفلام الوثائقية، وقدرتها على تصوير الحياة الواقعية للإنسان الفراتي كما هي، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، والكارثة الكبرى التي حدثت باقتلاع الناس من بيوتهم وترحيلهم قسراً إلى مناطق بعيدة، وغمرت بيوتهم وقراهم وأراضيهم بالماء الذي غير واقع المنطقة إلى الأبد، فصار النهر بحراً اسمه سد الفرات، وصار اسم الناس المغمورون.