محمد زعل السلوم
كاتب سوري
مجلة أوراق العدد 12
الملف
أولئك الذين شاهدوا أول أفلام سلسلة إنديانا جونز عام 1981 سيتذكرون بالتأكيد، اللقطة التي يجد فيها هاريسون فورد ويجسد فيها دور البطل نفسه “الدكتور انديانا جونز” في مواجهة عدو عملاق يلوح بسيف ضخم في جميع الاتجاهات، والأمر الذي نتوقعه من تلك اللقطة السينمائية المبهرة حصول قتال صعب. ومع ذلك، فإن إنديانا راضٍ عن سحب مسدسه وقتل عدوه برصاصة.
وهكذا كانت الشخصية التي قطعت للتو العقدة الغوردية، لحل مشكلة بطريقة سريعة وفعالة.
يعود تاريخ تعبير “العقدة الغوردية” من أسطورة حول الإسكندر الأكبر، الفاتح الشهير، لكنه يبدأ قبل ذلك بقليل في آسيا الصغرى وبشكل أكثر تحديداً في فريجيا وفي عاصمة فريجيا، التي سيُطلق عليها فيما بعد غورديون، كان الملك قد وافته المنية دون وريث. ثم تنبأت عرافة بأن
أول شخص، وأول فلاح يصل إلى المدينة على عربة ثور، سيصبح ملكاً. هذه هي الطريقة التي تم بها تعيين غورديوس، الأب المستقبلي لميداس، والذي كان بالمصادفة الأول في هذه الحالة، حاكماً قبل صعوده العرش، ربط عمود ونير عربته ببعضهما البعض في عقدة لا تنفصم.
ثم توقعت عرافة أخرى أن أول من سينجح في حل هذه “العقدة الغوردية” سوف يغزو آسيا (أو العالم، حسب النسخة).
في عام 336 قبل الميلاد، لم يكن الإسكندر الأكبر الذي مر هناك، مخططاً بشكل مسبق من أجل تعزيز سلطته قبل حملته الفارسية، وفقاً للبعض، أم كان مروره الصدفة وفقا لآخرين، حاول فك العقدة. ولم يكن قادراً على فعل ذلك، لكنه امتشق سيفه وقطعه بحدة.
نحن نعلم ما حدث لفتوحاته فيما بعد، وبالتالي إثبات دقة العرافة، حتى لو كانت الوسائل المستخدمة لفك العقدة تفتقر إلى حد ما إلى الأناقة لكنها كانت عملية للغاية.
ومن هذه الأسطورة ولدت استعارة “العقدة الغوردية”، وهي صعوبة حل أمر معقد، ولكنها بطريقتها الخاصة تهزم كل من يحل المشكلة بطريقة جذرية إلى حد ما أو الذين يقطعون دابرها على وجه السرعة. عند اتخاذ القرار بكل بساطة.
إذا كان تاريخ ظهور هذه الاستعارة غير معروف بدقة، فيمكن ملاحظة أنه سبق ذكره في الطبعة الأولى من قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1694.
للتذكير فقط، يُهمس في أذن الفضوليين أن السبب هو أن هاريسون فورد، الممثل الذي لعب دور إنديانا جونز الجزء الأول، كان يعاني من مشاكل خطيرة في المعدة في اليوم الذي تم فيه تصوير السلسلة السينمائية الشهيرة، و أنه كان لا بد من تقصير المدة، وأنه كان سيقترح هذا الحل السريع غير المتوقع في السيناريو والذي بقي راسخاً في أذهان المتفرجين.
بالمقابل تقترب سورية من عشر سنوات على ثورتها، وكلنا يعلم أن بشار الأسد هو العقدة الغوردية في الكارثة السورية، ولا يمكن حلها دون تقديمه للمحاكمة وإنهاء هذا النظام الذي أكل عليه الزمن وشرب لإنهاء معاناة كامل الشعب السوري. وحل كافة قضاياه المعلّقة وإعادة الإعمار. ربما مجرد تنفيذ القرار 2254 كافياً لمنع ترشحه للرئاسة في انتخابات هزلية، والانتقال السلمي للسلطة وإرساء دستور يعبر عن تطلعات هذا الشعب المنكوب.
عشرية سوداء لكنها بيضاء في الوقت ذاته…
عشر سنوات على الثورة السورية لإسقاط نظام الأسد، الذي تبنى سياسة تدمير الشعب السوري، وتبنى استراتيجية (الأسد أو نحرق البلد) لقمع الثورة التي بدأت سلمية ولازالت لها أشكال السلمية ليومنا هذا.
ورغم العشرية السوداء لاستمرار وجود رأس النظام فكانت بالمقابل عشرية بيضاء لن تعيد النظام إلى ما كان عليه قبل الثورة وبيضاء في استمرار سلميتها والكثير من الجوانب الإيجابية التي تجعلها بيضاء وأهم ما فيها حرية الشعب السوري وخياراته على تنوعها رغم كافة التصدعات والشروخ الاجتماعية والسياسية والتدخلات الإقليمية والدولية التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع، ولجوء ونزوح نصف الشعب السوري وأكثر داخل وخارج سورية.
وسوداء عندما مارس الأسد الجينوسايد مستخدماً كافة الأسلحة التقليدية واللاتقليدية من كيماوي وبراميل أسقطها على رؤوس المدنيين، وتعذيب وقتل أكثر من نصف مليون معتقل ومجازر متنقلة في كافة أنحاء سورية والتسبب في تدخل ستة جيوش داخل الأراضي السورية، إضافة للفيمينيسايد وقتل النساء واعتقالهن أو اليوربيسايد وتدمير المدن السورية وأعرقها مثل حلب وحمص، والاستمرار بمنهجية الخراب الأسدي من تجويع وإذلال لكل من يعيش بمناطق سيطرته ضمن المزرعة الأسدية. وإصرار على التمسك بالسلطة وعدم تنفيذ القرار الدولي 2254 بالانتقال السلمي للسلطة.
لم تعد سورية مزرعة الأسد خلال السنوات العشر، بل ومن أول لحظة تم فيها تمزيق صوره في محكمة درعا ومحافظتها وتمزيق صور والده الذي أرسى عقلية استبدادية جهنمية. ولو كان عاقلاً وأقصد الأسد الابن وهذا الأمر بعيد عنه بالطبع، لتنحى فور رؤيته لتلك اللقطات.
عشرية بيضاء رغم الآلام لأنها الفرصة التي انتظرها الشعب السوري بفارغ الصبر مع باكورة انطلاق ثورات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا. لأنها أنظمة تعفنت وأكل عليها الدهر وشرب. أنظمة شمولية غير قابلة للإصلاح والتغيير بأي شكلٍ من الأشكال.
الثورة لازالت قائمة على قدم وساق رغم كافة التحولات ورغم الانكسارات والتهجير والتغيير الديموغرافي، فأجمل ما فيها هو أنها ثورة حرية وكرامة، وعلى كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية، بل وغيرت الذاكرة الجمعية للسوريين وتحولت لذاكرة إبداعية وحتى على مستوى الإعلام الحر والمجتمع المدني وتحولاته حققت الكثير من التحولات ولا زالت.
نعم واجهت سورية عشرية سوداء ولكنها عرفت بالمقابل بل وتذوقت عشرية بيضاء فقط لأنها اختارت وبكل بساطة طريق الحرية وهذا ما يؤكد أنها ستنتصر في نهاية المطاف.