حاوره: محمد فتحي المقداد، كاتب وروائي سوري
أوراق 19-20
حوار
ضيف مُعتّقٌ زَاهٍ بعراقة تاريخ مدينة “الرّقّة“، تعمّد بفُراتها الأزليّ، من هناك جوار صحابة رسول الله “عمار بن ياسر” و”أويس القرني”، فطن ليكتب مجموعته الشعريّة الأولى “أنا والفرات” وكأنه يستميح الفرات بضخّ مياهه ليُطفئ بها لظى “صُفّين” الذي اشتعل على ضفاف فُراته وليُطفئ جمرة تحت الرّماد منذ أيام التحكيم، فُراته الذي كان هادئا ينعم بالسّلام، عامرة دياره بالحب، ومن هناك جاء “عبد السلام الفريج” ليكتب روايتين مُعتبَرتيْن مُعبّرتيْن عن عقد أسود من حياة السُّوريِّين، كما مواطنه الروائي “عبدالسلام العجيلي” حينما كتب روايته الأشهر “المقموعون”، ليحارب بقلمه نهج الدكتاتورية الغاشمة، وفاضحا لأساليبها القمعيّة. ولسانه لا يزال نديّا برطوبة فراتية عذبة وهو يشدو أشعاره بلهجة حزينة.
س1- كيف يقدم عبدالسلام الفريج نفسه لقرائه ومُتابعيه؟.
– مجرد إنسان حمل الوطن في قلبه عبر الزمن، أحب كل البشر بلا تمييز مهما اختلفت مشاربهم لأن الجميع ينتمون انتماء واحدا فالكل إخوة مع تمايز الأهواء.
س2- توزّعت موهبتكَ الأدبيّة ما بين الشّعر الشعبيّ بداية، ومن ثمّ انتقلت لميدان الفصيح. لأيّ من المجالين أنت أقرب، ولماذا؟
– الشعر الفصيح عابر للمناطق والأقاليم تستطيع من خلاله التواصل مع العرب في كل مكان من المغرب إلى اقاصي المشرق بينما الشعر الشعبي يكون مرتبطا بموطنه وبيئته الحاضنة، فمن يكتب الشعر الشعبي في وَجْده على الاطلسي لن يفهمه ابن القلمون أو ابن حماه أو ابن الإسكندرية، وكذلك الشعر الفراتي الذي أجد نفسي فيه كثيرا لن يكون مفهوما لدى من هم خارج اللهجة، ولكن مع كل هذا أجد نفسي أقرب للهجتي الفراتية مع اعتزازي بالشعر الفصيح
س3- البَوْن شاسع مابين الشعر والرواية تقنيّا، وقد أصدرت ديواني شعر وروايتين. فلو خُيّرت بينهما، فما هو خيارك الحاسم الذي لا رجعة عنه، ولماذا؟
– لا أخفيك أنني أستمتع بكتابة الشعر وأبحر في قوافيه إبحار عاشق، لكنني أميل إلى الرواية لأنها تعطيني مساحة كبيرة للتحليق في آفاق متنوعة ومتقاطعة، كما تعطيني مداً وحرية للحركة لا يقيدها وزن أو قافية، وهناك أيضا مسألة البحث العلمي أو إذا شئت أن تسميه الخيال العلمي الذي لا أستطيع تناوله شعرا بينما في الرواية يمكن التوغل فيه بشكل واسع وكبير وهذا ما تجده في روايتي التيه في زمن النبوءات التي تناولت أبحاث الضوء والطاقة.
س4- رغم أنّ المقام الأوّل للشّعر، ولقب شاعر سعى له الكثيرون، منذ عهد امرؤ القيس إلى لحظتنا هذه. ألا ترى أنّك جازفت بمستقبلك الأدبي بهذه الخطوة؟
– مطلقا، كما أن مسمى شاعر حمله أشخاص كثر، لكن لم يخلد التاريخ إلا من كتب بتميّز، وكذلك الرواية لها أسماء خلدها التاريخ خذ ابن خلدون مثالا مؤسس علم الاجتماع لازال الناس يذكرونه ويذكرون مقدمته، وكثر غيره منذ العهد الكلداني إلى الإغريق وهوميروس إلى البطالمة في مصر إلى العصر الحديث حيث طه حسين والعقاد وغوستاف لوبون ونيتشه، أسماء كثيرة ولها ما لها من اعتبار وتقدير كبيرين.
س5- الكاتب والأديب الشامل “عبد السلام الفريج“، هل يرى من ضرورة لتحديد الهويّة الأدبيّة لأيّ كاتب عُموما؟
– لا مبرر لتحديد الكاتب بهوية وتقييده بها، دعه ينطلق بشمولية واسعة تسمح للإبداع بالظهور، ابن رشد كان عالما فيلسوفا وباحثا حكيما، والخوارزمي ودافنشي الرسام والمهندس والمخترع أيضا.
س6- ما بين “بوح الزنازين“، و“أنا والفرات“، مساحة وطن جريح، وهما عنوانان لمجموعتيْك الشّعريّتيْن، بتوقّف بسيط يحكيان سيرة كلّ منهما المُختلفة ظاهرا، والمُتوالفة باطنا، التي توازعها الحنين والشّوق إلى وطن جريح. فما هو الوطن بعين شاعر وروائيّ ومفكّرٍ وفنّان وناقد فنيّ؟
6- الوطن هو الدفء، هو شعلة أو قل جذوة متقدة في القلب، الوطن ليس كما علمونا، أسلاك شائكة وحدود مصطنعة واهية شكلت سجنا لمجموعة بشرية وجعلت منهم عبيدا، الوطن هو سماء تزهو بالحرية وأرض تحتضن كل القلوب بلا قيد ولا شرط، الوطن هو المكان الذي لا تفقد فيه إنسانيتك ولا كرامتك، باختصار الوطن هو المكان الذي لا تختصر فيه صوتك حتى الموت.
س7- (ساجدة/ الموت عشقا) روايتك الأولى 2016م، جسّرت المسافة بين كل من بغداد ودمشق، وما يلتفّ تحت عباءتهما من مشاعر الأخوة والمحبة، وقصة عشق بين بطلي الرواية. هل لك أن تحكي للقرّاء المزيد الكاشف لثلاثيّة إشكاليّة (العشق والوطن والحرب)؟
7- في ساجدة كما أسلفت لك في السؤال السابق يتجلى الوطن في الدفء، العشق لم ينتصر ولم يتحقق في ظل الضياع الذي يعيشه الوطن وتتنازعه الحرب وقوى الظلام والاستبداد، هذه اشكالية نعيشها منذ الف عام ولم نستطيع وأدها، لكن ربما الجيل القادم سيكون أكثر جرأة من الاجيال السابقة وسيحقق الانتصار كما حققته غيرنا من شعوب العالم.
س8- (التّيهُ في زمن النُبوءات) عنوانٌ انزياحيٌّ بطرحه المُثير لقضيّة قديمة مُتجدّدة بهجرة العقول: (إدارة الوطن النّاجحة والعسكر)، كيف تُفسّر لنا تناقض فكرة (التّيه) مع (زمن النُبوءات)؟
– لا يوجد تناقض أبدا، بل هو توافق مطّرد، زمن النبوءات العلمية التي تعطي افاقا مفتوحة للعلماء الذين لا ينفك قادة الاستبداد بجعلهم يهيمون تائهين في صحارى الجهل بعد العلم ليبقى المجتمع يرضخ تحت مظلة العبودية، من هنا جاء التوافق في هذين المسميين.
س9- الإنسان “عبدالسلام الفريج” من سوريّا وطن المُتناقضات والمُتضادّات، كيف يُمكن تبرير قرارك القاسي على النفس البشريّة بعدم إنجاب الأطفال؟
– نعم هو قرار عن سابق اصرار وتصميم، يجب على العبيد أن لا يتوالدون لكي لا تستمر العبودية، وأنا في وطن العبودية لن يكون لي ابن يتمتع بالحرية، بل سيكون عبدا أخر يتجرع القهر ويحلم بالحرية مثلي، لذلك عندما أتحرر سوف أنجب طفلا حرا ليس فوقه مظلة الاستبداد والعبودية.
10- الأديب والفنان مُحاربٌ في مجالاته، ومن هواياتك الرّسم والحفر على الخشب، هذا الهواية فتحت لكَ آفاقًا رحبة، ومن شُرفتها وأنت تنظر إلى الوطن، هل يمكن للفنّ برأيك أن يخدم قضيتنا السوريّة؟
10- نعم، الفنان والاديب يستطيعان إيصال الصوت الحر إلى أبعد مدى عبر كل الوسائل وبشكل أقوى من الرصاص الذي مزّق الوطن وقتل الابرياء بشكل وحشي، اللوحة وريشة الرسام لها وقع كبير وكذلك الفنان على المسرح والاديب في يراعه تهتز لهم العروش.
س11- القصّة السوريّة بمقدماتها (الثورة السورية)، ومُخرجاتها من الدمار والقتل والسجون والتشريد واللجوء والتغيير الديموغرافيّ، أين هو موقع النّخب الثقافيّة؟ وهل باستطاعتهم تشكيل رأي معتبر يكون له كلمة في مستقبل سوريا؟
– لا أعتقد أنه سيكون للنخب الثقافية موقع أو رأي بعدما حصل من دمار للوطن وقتل وتشريد ساكنيه، لقد استحوذ أمراء الحرب على القرار في ظل تخاذل النخب السياسية التي لم تكن إلا هياكل تابعة لغير الوطن، وهذا أمر أطال أمد الحرب والمعاناة، وفتح المجال لنظام الاستبداد باستجلاب قوى الاستعمار إلى الوطن وتغيير تركيبته السكانية.
س12- بعد إثني عشر عامًا من الحرب والمعاناة، كيف ترى مستقبل سوريّا؟. وماذا تقول بكلمة أخيرة؟
– يجب علينا أن نكون منطقيين في رؤيتنا المستقبلية، فالتفاؤل والعفوية لن تحقق أيّ تقدّم، المعاناة لن تنتهي إلا إذا تغير النظام بشكل كامل ونهائي، وتكاتف الجميع سنين طويلة قادمة؛ لتنتهي المعاناة؛ ثم نتحدث حينها عن مستقبل سورية الجديد.
***
* عبدالسلام بن أحمد المطر الفريج، من مواليد حلب 22/ 11/ 1955م. ومن عشيرة الجبور الذين هاجروا إلى السخنة ومنها إلى الرقة عام 1947. ووالدته السيدة مهدية إبراهيم بك، وكانت من محبي الشعر الذي ترك أثرا في طفولته، وعندما التحق بالمدرسة الإعدادية بدأ يكتب الشعر الشعبي، وكانت أولى قصائده باسم (ردتك حبيبي بليلة كمر نسهر).
بعد حصوله على الثانوية لم يكمل دراسته نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي للعائلة فعمل في مديرية مالية الرقة سنتين ثم استقال. وغادر إلى السعودية للعمل، حيث تابع دراسة الكيمياء عبر المراسلة مع الجامعة الأمريكية في “أنقرة”، وتابع دروس ومحاضرات في جامعة الملك سعود بشكل شخصي، ثم عمل في المجال الكيميائي بمعالجة الخرسانة وإصلاح التربة، ونفذ مشاريع عديدة كما عمل في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لمدة ثلاث سنوات كمستشار للمواد العازلة ومعالجة التسرب.
صدر له رواية (ساجدة/ الموت عشقا) عام 2016 عن دار قلم الخيال في الرياض، وصدرت روايته الثانية بعنوان (التيه في زمن النبوءات) عام 2020.
وله أيضا ديواني شعر، الأول بعنوان (بوح الزنازين) والثاني بعنوان (أنا والفرات).