سعاد جگرخوين
مجلة أوراق العدد 13
الملف
ولد الشاعر جكرخوين سنة 1903، في قرية هسار التابعة لماردين، اسمه شيخموس نسبة إلى السلطان شيخموس حيث زارت والدته مزار السلطان شيخموس وأكلت من تين شجرته فأنجبته بعد انقطاعها عن الإنجاب مدة طويلة.
بدأ حياته وهو في العاشرة بدراسة القرآن عند (خوجة) في هسار بعدها صال وجال في أماكن كثيرة من أجزاء كردستان الأربعة للبحث عن المعرفة والعلم والفقه، تعرف خلالها على المآسي والويلات الاجتماعية والسياسية التي آلت بشعبه وعرف مرارة الاستبداد والاضطهاد، حيث قسمت الإمبريالية كردستان إلى أجزاء ووزعتها حسب ما تقتضيه مصالحها، فعانى الشعب الكردي ما عاناه من الظلم والمآسي.
نال إجازته في دراسة الفقه سنة 1928، تزوج بعدها من ابنة خاله، وأصبح ملا في قرية حاصدا ژوري، بعدها امتلك قريتين.
كان منصفاً يؤمن بالعدل والمساواة، حيث وزع الأراضي على الفلاحين بالتساوي لكنه بعد الخلافات والمشاجرة بين الأهالي ترك القرية وتوجه سنة 1946، إلى مدينة القامشلي، استقر فيها بعد مسيرة طويلة شاقة من الترحال، ذاق فيها مرارة العيش وظلم الحياة لاسيما أنه فقد والديه وهو فتى غض يتنقل من مكان إلى آخر، فازداد إحساسه بأن من واجبه أن يتوجه بفكره وقلمه للنضال من أجل قضية شعبه والحرية والمساواة، وهو الذي نال الحرمان والفقر المدقع منذ طفولته مع عائلته، وتعرض لظلم الآغوات والجندرمة كباقي أبناء شعبه. هذا ما جعل من جكرخوين عدواً لدوداً للمستبدين والمستثمرين فوجد لنفسه طريقاً لمحاربتهم، ألا وهو طريق الكفاح والنضال وكتابة الشعر التي ظهرت فيه منذ شبابه.
صرخ بأعلى صوته واشترك في جميع المظاهرات والتجمعات ضد الظلم والاستبداد، ومن خلال أشعاره حث شعبه على النضال، فكان صوته مدوياً لا خوف فيه ولا وجل، فحاربته الطبقة البرجوازية لأنه كان لهيباً ثائراً ضد مصالحهم.
انتمى جكرخوين سنة 1946، إلى منظمة خويبون وعمل معهم لنشر أفكاره ومبادئه كما أنه أمد المنظمة بأشعاره، وفي سنة 1948، تقرب من الحزب الشيوعي وناضل كشيوعي بين صفوفهم، نادى الطبقة المكافحة وحثهم على الثورة ضد الاضطهاد والظلم إيماناً منه بمبادئ الحرية والمساواة وحق تقرير المصير لكافة الشعوب ومن ضمنهم شعبه المظلوم، نشر فكره من خلال الاجتماعات في بيته وكتابة أفكاره وأشعاره، لاقى كل أنواع التعذيب ولم يتنازل عن مبادئه قط لأنه نذر نفسه وعائلته لأجل قضية الحق والعدالة ضارباً عرض الحائط مصالحه الشخصية.
كافح بضراوة إيماناً منه بقضية شعبه وحقه في الحرية والمساواة ونيل الحقوق المشروعة فأصبح رئيساً لحركة أنصار السلام في الجزيرة وخاض بعدها معركة الانتخابات للبرلمان السوري
داوم على كتابة الشعر وتدوين التاريخ فأسمع صوته للعالم كله.
لم تخفه السجون المتكررة ولم يثنيه الفقر والعوز الذي كان نتيجة نضاله السياسي والقومي وكتابة الشعر. استطاع جكرخوين من خلال أشعاره أن يدخل كل بيت ويسكن وجدان شعبه بالأجمع
أحبه الجميع لأنه كان ينادى من أجل عالم حر وشعب سعيد وفي المقدمة شعبه الذي لاقى الاضطهاد والتقسيم لم يفرق بين دين وآخر ولا بين أبيض وأسود فقد نادى روبسون من أعالي الجبال قائلاً:
أيها الرفيق روبسون
شاعر الزمان
سند السلام
عظيم وإنسان
بطل مغوار
عدو لدالاس
صوتك الشجي يأتي إلينا
من عبر البحار
ومن فوق الوديان
لونك الأسود حالك الظلام
يرعب كثيراً مستر ترومان…!!!
كتب لفلسطين لفيتنام لكل الشعوب التي هضمت حقوقهم، وكرس حياته لأجل كلمة الحق، حارب الملالي الذين استخدموا الدين بطريقة خاطئة وسانده في ذلك الكثير من الشيوخ والملالي الوطنيين. اعتز بقوميته وافتخر بهويته وعمل بصلابة لاسترجاع حقوق شعبه المهضومة لم يثنيه عن عزمه أي رادع، ولأن قضية شعبه كانت في صدارة كفاحه ونضاله، لذا ابتعد عن الحزب الشيوعي سنة 1958، لأسباب تتعلق بما يخالف الإرادة الوطنية والمبادئ الإنسانية ومبادئه التي يؤمن بها ويناضل من أجلها.
أسس مع رفاقه الكرد الذين رافقوه في الابتعاد عن الحزب الشيوعي مثل ملا شيخموس قرقاتي ملا شيخموس شيخاني وآخرين حزباً باسم آزادي (الحرية)، لم يدم نضالهم في هذا الحزب كثيراً لأنهم انضموا إلى حزب الپارتي الديموقراطي الذي تأسس حديثاً آنذاك، وبقي عضواً في مركزيتها الى أن وافته المنية، سنة 1958، قطع الحدود الى بغداد ماراً بكوردستان ليستقر بعدها في بغداد، والتحقت به عائلته فيما بعد ليقضوا ثلاث سنوات هناك، بالرغم من كل شيء كانت قامشلو بلد الحب والعطاء لا تغرب عن باله وبال عائلته قط.
في بغداد كان يدرس اللغة الكردية اللهجة الكورمانجية في جامعة بغداد القسم الكردي، وبنفس الوقت كان له برنامج ثقافي في الراديو القسم الكردي، وكان عضواً في المجمع العلمي لتوحيد اللغة الكردية.
في بغداد كانت علاقته جيدة بالملا مصطفى البرزاني ويزوره في بيته دائماً، كما كان يلتقي بمعظم الشخصيات المعروفة هناك، لكنهم تركوا بغداد سنة 1962، بناء على قرار الحكومة العراقية إبعاد العائلة من العراق عندها كانت ثورة أيلول، عاد مع عائلته إلى قامشلو مكانه المفضل، لكن الأمور لم تكن على ما يرام فقد سجن في سجن مزة، ومن بعدها نفي الى السويداء،
ومن ثم أفرجوا عنه ووضعوه تحت الإقامة الجبرية في بيته، مع ذلك كانت مجالس الأدب والسياسة تقام في بيته كسابق عهدها، مما زاد إيمانه بقضية شعبه اكثر وأكثر، فالتحق بالثورة الكردية وبقي هناك سنة كاملة كان بيشمركاً مخلصاً يعمل من أجل قوميته بكل تفاني ويكتب الشعر الحماس.
كان جكرخوين يتضامن مع المرأة في نضالها من أجل المساواة، ويحثها للمطالبة بحقوقها في جميع أشعاره عن المرأة، حتى في بيته كان ديموقراطياً لا يفرق بين أبنائه الذكور والإناث، ولابد أن نكون منصفين لنقول كان لجكرخوين الفضل الكبير في تنوير المجتمع وتطوير الثقافة الكردية، كما أنه أسهم بأشعاره وأفكاره في حث الشعب على النضال والكفاح من أجل إعلاء كلمة الحق،
وأضاف جكرخوين بقلمه ثروة أدبية باهظة إلى التراث الكردي والمكتبة الكردية، وترك لنا إرثاً ثميناً لتبني صرح أدبنا الكردي، طبع كتبه في دمشق ولبنان وأخيراً وبعد أن هاجر إلى السويد سنة 1979، أكمل طبع بعض كتبه هناك، وافته المنية في استوكهولم سنة 1984، ونقل جثمانه إلى القامشلي ودفن في حديقة بيته بحسب وصيته.
نام جكرخوين قرير العين مطمئناً في أحضان حبيبته قامشلو بين ذويه ومحبيه، تاركاً لنا تراثاً ثميناً من الإنتاجات الفكرية والثقافية لن تزول مدرسته مازال بيننا كثيرون من الأكباد الدامية التي تنتهج فكره وتخوض مدرسته.
من إنتاجاته تسع دواوين شعرية:
آگر وبروزك
ثورا آزادي
كيمه أز
روناك
زند آفيستا
شفق
هيڤي
آشتي
خوشخوان
وقصتان “جيم وگولپري”، “سالار وميديا” ورواية “رشوي داري”
وله كتاب “گوتنين پيشيا”، وكتاب “فولكلور“، ودستورا زماني كردي، وجزئين فرهنگ، وتاريخ كرد وكردستان في ثلاثة أجزاء (ترجموا إلى العربية).
و”شرفناما منظوم” للكاتب شرفخان بدليسي، حيث نظمها شعراً، وأخيراً “ژين نيگاريا” من (مذكراتي)
له العديد من المخطوطات لم تطبع بعد.
رحم الله والدي جگرخوين وأسكنه فسيح جناته.