حوار: أشرف قاسم
الشاعر والناقد السوري نديم الوزة من الأصوات المؤثرة شعريا ونقديا في الوطن العربي وذلك من خلال ما قدمه في تجربته الشعرية التي صدرت منها حتى الآن عدة مجموعات شعرية منها «حكاية صوفي» «وجه لا يبقى كصورته» «المدينة غريبة كأمي» «قصائد» إلى جانب رصده نقديا لملامح الحداثة وما بعدها في التجارب الإبداعية المختلفة، وقد صدرت له حتى الآن عدة مؤلفات، منها «زلزلة الحداثة العربية» «انتصار الجسد وهزيمته في روايات حنا مينه» و»الوعي وبناؤه في مسرح سعدالله ونوس». ومؤخرا صدرت روايته الأولى «شهوة الآنسة صوفي». حول تجربته الإبداعية والنقدية كان هذا اللقاء.
□ نبدأ مع ملامح بدايات تجربتك الشعرية؟
■ لقد كانت في بداية سنتي السادسة عشرة من عمري، قررت أن أصبح كاتبا، كنت أشعر بأنني عجوز، وأنا أكتب نصوصي الأولى مقارنة بكتاب وشعراء قرأت عن بداياتهم، وهذه كانت مأساتي الأولى في الكتابة، ثمة مهام خطيرة لم تزل بانتظاري لإنجازها، فالزمن الإبداعي يختلف عن الزمن البيولوجي، وعدم فهم ذلك سبّب ويسبب لي مآسي أخرى.
□ أنت ترى أن الشعر كشف معرفي لإدراك العالم من حولنا، وليس بحثا ميتافيزيقيا لاكتشاف المجهول، على ضوء ذلك ما هي رؤيتك لحال الشعر العربي الآن؟
■ في الحقيقة أول من نبهني إلى تبني هذا المفهوم للشعر كان الشاعر الفرنسي آرتور رامبو، فرسالة الرائي ما هي إلا شعوذة – توهم أنها وصفة علمية ستغير العالم عن طريق الشعر، لكن سرعان ما تخلى عنها، ليتخلى عن تجربته الشعرية كاملة، وما زلت أسمع صرخته «العلم .. العلم» من كتابه «فصل في الجحيم» حتى الآن. ومن البديهي ألا يقول الشعر نظرياتٍ وتجارب علمية، لكنْ، من السخف أن يكون غيبيا، ووهميا، وعبثيا، ولا يحاول أن يقدم وعيا جماليا من خلال اللغة لهذا العالم الذي نعيش فيه.
□ في كتابك «الوعي وبناؤه في مسرح سعدالله ونوس» ما أهم الملامح التي رصدها في مسرح سعدالله ونوس؟
■ رصد الكتاب تجربة سعد الله كلها تقريبا، لولا أن ذلك جاء تلميحا في الأغلب الأعم، وركزت على حلمه في مسرحٍ مغايرٍ، وفي جانبٍ منه متطور عن مسرح برتولد بريخت السياسي، لكن من يتناولون النقد لدينا لا يتعبون أنفسهم بالفارق بين المسرح السياسي لدى برتولد بريخت وتسييس المسرح لدى سعد الله ونوس.
□ في كتابك «انتصار الجسد وهزيمته في روايات حنا مينه» كان تركيزك على المنحى المابعد حداثي في تجربته. كيف بدت لك تجربة حنا مينه وأنت ترصدها؟
أول ما قرأت من أعمال حنا مينه كان روايته «الخريف والربيع» ووجدتها تشبه وتناقض رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائي السوداني الطيب صالح في الوقت نفسه. ووجدت نفسي أكتب مقالا مقارنا بين الروايتين، ونشرته في «القدس العربي» عن طريق الكاتب أمجد ناصر. ولاقى صدى كبيرا، لأن حنا مينه يقول شيئا جديدا عن الحب، أو عن إمكانية الحب الآني وتحرره من دعارة الحب الأبدي، الذي تكتبه رواية الطيب صالح. لذلك تلقيت عرضا بتأليف كتاب عن حنا مينه، من أحد دور النشر التونسية، واستطعت أن أستكشف أشياء جديدة في معرفة علاقة الجسد والذات من خلال رواياته، بهذا المعنى بدتْ لي تجربة حنا مينه ذات أفقٍ إنساني واسعٍ، منفتحة على الحياة وحريتها بشكل غير مسبوقٍ في السرد العربي والعالمي.
□ تسير تجربتك النقدية موازة وتجربتك الإبداعية، كيف تستطيع الموازنة بين التجربتين؟ وهل ترى أننا الآن نعيش أزمة نقدية بالفعل كما يرى البعض؟
■ تجربتي النقدية هي جزء من تجربتي الإبداعية، وكلاهما يقدم وعيا للعالم الذي نعيش فيه، فالنقد لدي لا يقيم أعمال الآخرين بقدر ما يشرح العالم وجماليات الكتابة، من خلال هذه الأعمال، بعيدا عن سوق الكتابة وجوائزها، عدم فهم ذلك يجعل كل شيءٍ في أزمةٍ، ومن بينها أن تكون أعمالي غير مفهومة بالنسبة حتى لمن أكتب عن أعمالهم، ولا سيما في المنطلقات والمقاصد.
□ تكتب شعر التفعيلة وقصيدة النثر في الوقت ذاته، فكيف ترى مستقبل قصيدة النثر؟
■ مع أن من اخترع قصيدة النثر هم الشعراء، لكنها صارتْ نوعا من الكتابة الحرة أكثر من كونها نوعا من الشعر. وهي موجودة وستبقى موجودة على هذا النحو. وما يؤسف له هو انحسار الشعر بسبب سوء التعليم وسرعة الاستهلاك للكلمات، كما هو الحال في قراءة الرواية مثلا.
□ مؤخرا تحولت من الشعر إلى الرواية، وأصدرت روايتك «شهوة الآنسة صوفي» لماذا كان هذا التحول؟ وهل نحن بالفعل في زمن الرواية؟
■ بالنسبة لشاعرٍ وناقدٍ شيء سهل أن تكتب رواية، كما هو الحال بالنسبة لنجيب محفوظ وحنا مينه وغيرهما. كتبت رواية شعرية «حكاية صوفي» عام 1999، لكن لم تفهم على أنها رواية. حتى الناشر لم يقبلْ أن يطبعها إلا برفقة قصائد أخرى ليزيد من حجم الكتاب. وانتظرت أن أكتب رواية شعرية ثانية، وطال الانتظار حتى وجدت نفسي أكتب رواية «شهوة الآنسة صوفي» بلغةٍ نثريةٍ. أما القول إن هذا الزمن هو زمن الرواية، فهذا قول مبتذل للرواية قبل ابتذاله لأي جنسٍ أدبي آخر.
*القدس العربي