الروائي المصري أحمد مجدي همّام في قصصه الأولى

0

حسين جرود، شاعر سوري، درس الهندسة الإلكترونية، وعمل في الصحافة، صدرت له مجموعة شعرية بعنوان “فلسفة القاع”.

مجلة أوراق- العدد 16

أوراق النقد

أن تمسك كتاباً لتتصفحه، فتجد أنك أجهزت على قصصه التسع، طالباً المزيد… هذا ما تفعله مجموعة نصوص (الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة)، التي يسميها مؤلفها “محاولات كتابية”، وهي في معظمها تعتمد على السرد الروائي، وقد يطمح بعضها للاستقلال في رواية أو يحمل فكرة فيلم قصير.

التجريب سمح للكاتب أن يستخدم تقنيات مختلفة، فتراه يكتب عن أبيه وأمه أو زميله في المدرسة أو أصدقائه أو هوايته المفضلة (سرقة الولّاعات)، فيسرد في هذا السياق أو ذاك حتى تتشكل لديه قصة، وليس عجيباً أن تجد تلك القصص الناتجة عن محاولات -وتروي أحداثاً وحكايات ومغامرات مختلفة ومتباعدة- ثيمتَها المشتركة، طالما أن تلك الثيمة هي الخسارة.

يُقال إن معرفة كيف تكتب أهم من معرفة ماذا تكتب، وكان لشيوع الروايات في العقود الأخيرة، وإقبال الشباب العربي عليها، دور في اعتماد كثير من الشباب على تقنيات السرد الروائي في كتاباتهم القصيرة. في هذه المجموعة، يبدأ المؤلف -الذي أصدر روايتين سابقاً- السردَ دائماً من موضوع يهمه جداً (أو يستفزه جداً)، وينطلق ليجدنا نرصد معه مسار رحلته ومآلاتها، التي تشبه رحلتنا بنحو ما. قد يبدو ما يعرضه هموماً بسيطة، ولكنها هموم عامة ومشتركة لدى فئة الشباب العربي عموماً.

وقبل الولوج في عالم المجموعة، نذكر ميل القصة إلى روايتها بلسان الشخصية التي تتأثر أكثر من غيرها، ما يعني أن استعمال السرد الروائي لا يجعل من الكاتب شخصية فقط، بل يجعل قصصه تشتبك مع جميع تفاصيل حياته، بل أشدها حميمية. وفي بداية الكتاب يقتبس المؤلف مقطعاً من كتاب “كيف تكتب رواية في 100 يوم؟” لجون كوين، ولسنا مضطرين لذكر المقطع لنؤكد أن الكاتب اختار استعمال السرد الروائي (وتقليد أساليب أخرى أيضاً)؛ ليصف تجاربه الخاصة الأثيرة.

كيف تثقب وجهك بقصيدة؟

أصبح الشعر ديكوراً إجبارياً أينما ذهبنا؛ في زمن التواصل والتغريد، ولكنه حتى اليوم ما زال ضيفاً ثقيل الظل… فنرى شاعراً مغموراً يغازل ناشطة حقوقية بقصيدة مسروقة، لترمي الكتاب الذي كانت تقرؤه في وجهه، وتشج رأسه، قبل أن توجه إليه مزيداً من اللكمات.

الشطحة الأرمينية

تبدو هذه القصة كأنها جمع معلومات فقط حول موضوع ما واستعراضها. هذه المعلومات التي يمكن أن تتحول إلى رواية (وهو ما ينوي المؤلف فعله حقاً)، وما يهجس به عدة مرات في أثناء سرد قصته هذه، ولقائه بالعجوز الأرمينية.

الملط

إنها قصة محمود الكويتي، الشاب المصري المهووس بكل ما هو عربي، ويحلم بتوحيد الوطن العربي في اتحادات عربية كونفدرالية، تندرج تحت اتحادات إسلامية كونفدرالية.

فتراه يلبس غترة إماراتية، ويربي سكسوكة على طريقة السعوديين، ويتحدث مع سائقي التكسي باللهجة العراقية أو التونسية، مدعياً أنه من بلد عربي آخر.

ثم يكتشف محمود أن اللغة المالطية ليست سوى العربية الصقلية، فيسافر كل صيف إلى مالطا، حتى يستقر في النهاية هناك.

نوفيلا عن أبي… أقصوصة لأمي

وهي مجموعة من القصص الطريفة التي يرويها الحاج همام وينقلها المؤلف عنه، أو التي يرويها الكاتب عن حياة الأب، مستغلاً تلك القصص لتصوير شخصية الأب وعلاقته به. في حين تبدو علاقته بأمه أبسط بكثير، ولا يكتب عنها أكثر من ثلاثة أسطر.

حرامي ولاعات

إنها قصة الهواية السرية والجانب المظلم من حياة الشخص، فحرامي الولاعات يسرق بنحو دوري، ويحقق انتصاراته المتوالية التي تزيد من رصيده، وقد يكون بعضها بريئاً دافعه الشغف، لأن الهدف (الولاعة) أعجبته، أو يكون الدافع هو الانتقام من صاحب الولاعة أيضاً. 

في نهاية القصة، تُكتشَف سرقة صاحبنا صدفةً، وذلك في سوبرماركت قريب من مسرح الجريمة، ليكتشف أن المجني عليه حرامي ولاعات أيضاً، فيكتفي باستعادة ولاعته ومصادرة ولاعة صاحبنا، ويطلب منه أن يتقبل الهزيمة بروح محارب الساموراي.

الحادثة النارجوشية

كلما تقدمت الصفحات، يدخل الكاتب في أغوار النفوس بعمق أكبر، وهنا يعرض لنا قصة صديقه أيمن.

مقلب بسيط من زميل في المدرسة يقلب حياة أيمن كلياً؛ رسالة أعطته أملاً كبيراً ثم سببت له سخرية مريرة، عندما عرف أنها مزورة، ولكن أيمن غير المتسق مع مجتمعه، يظل يحلم بأن تلك الرسالة حقيقية، وتمر الأيام حتى يضطر للهروب بنفسه، وتوقيع الجريمة التي ارتكبها قبل هروبه باسم فتاة المراسلة الوهمية.

الرجل الذي أطرى عليه زي وانج

يذهب أحمد محرز ليدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية بعد ثورة يناير، ليتحول بلحظة إلى ناشط تتلقفه القنوات، ويصبح مثار جدل في مختلف الأوساط، رغم أنه كان هناك صدفة، وأعطى صوته للمرشح الخاسر.

كيف يختزل الإعلام الوطن في صورة مصطنعة؟ وكيف يبحث عن بسطاء لملء الهواء؟ وكيف يلعب هؤلاء هذا الدور؟.

الأستاذة

فتاة تعطي جسدها وحبها لمن يعجبها من الشباب، وتصنع مشهد لذة خاطف وعابر، لا ينسى، في عالم غير مفهوم، ومشتبك.

الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة

شيكو فنان يواجه العالم بفنه وغيتاره، ويقيم في كوخ مهترئ، يشبه السرداب، إنه فنان دون كيشوت أو صعلوك معاصر.

يضم شيكو الخاسرين إليه في كوخه ومغامراته، ربما في نهاية هذه القصة ندرك -كما أدرك الكاتب- أننا ما نزال تلاميذ في فن الخسارة.

بعد عقد من نشر تلك القصص في مجلات، ومرور سنوات على جمعها في كتاب، ما تزال نابضة وساخنة، كأنها كتبت الآن.

الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة، مجموعة قصصية، تأليف: أحمد مجدي همّام، روافد للنشر والتوزيع، عام 2014، عدد الصفحات: 110