خيري دوما، ناقد ومترجم مصري
أوراق 19- 20
الملف
أواسط العام 2009، وصلتني دعوة من صديقي وأستاذي ألمثقف السوري الروائي نبيل سليمان للمشاركة في مؤتمر للرواية يعقد في مدينة الرقة الجميلة بسوريا. انعقد المؤتمر في ديسمبر 2009، وشارك فيه باحثون عرب من أماكن مختلفة ربطتني بهم بعدها علاقة صداقة مستمرة إلى اليوم.
ورغم مرور زمن طويل على هذه الرحلة إلى الرقة، فإنني لا أنسى أبدًا ذكرياتي فيها. أذكر مثلا حالة الاحتشاد للمؤتمر من مثقفين وفنانين وأكاديميين سوريين كثيرين ينتمون إلى مناطق مختلفة من سوريا كلهم أحبوا اللقاء حول اسم ابن مدينة الرقة القصاص والمثقف السوري الجميل عبد السلام العجيلي. كان في المؤتمر طبعا مثقفون رسميون ينتمون إلى السلطة السورية الرسمية، وهؤلاء يحضرون نهارا ويصحبوننا بعد انتهاء أعمال المؤتمر في رحلات نهارية إلى ديار بكر وإلى الشمال السوري وإلى سد لا زلت أذكره على نهر الفرات. وكان هناك طبعا مثقفون آخرون ينتمون إلى الشارع وإلى مدينة الرقة خصوصا ويقفون على هامش السلطة. ما زلت أذكر كيف جمعتنا ليالي الفندق الصغير في سهرات طويلة للغناء والسمر، تألق فيها نبيل سليمان ورفاقه. في هذه السهرات تعرفنا على غناء تختلط فيه نغمات شامية وعراقية ومصرية، وسعدنا بالجلوس إلى رفاقنا من الأردن (سميحة خريس ورفقة دودين) ومن المغرب (شعيب حليفي والميلودي شغموم)، ورفاق آخرين من بلدان أخرى، فضلا بالطبع عن المثقفين من أبناء سوريا الكرام وما أكثرهم.
لا زلت أذكر كيف خرجنا ليلة أنا وحسين حمودة ومحمد شعير وناقدنا الكبير الراحل الأستاذ إبراهيم فتحي إلى حفل ضم مغنين شعبيين على حدود الرقة، وكيف نزلنا السوق واشترينا بأرخص الأسعار سيديهات تضم مختارات من أغاني فيروز التي كانت حاضرة في الرقة شأن أي مدينة عربية.
لم يكن هناك بالطبع أدنى مؤشر إلى أن هذه المدينة المطبوعة بالثقافة والفن، ستصير بعد شهور عاصمة لداعش. كانت المدينة مليئة بالحركة الحرة للناس وفنونها برغم حضور السلطة المسيطرة.
فيما بعد صرنا نسمع الرقة، ونرى مشاهد منها في نشرات الأخبار، وسط الدمار الذي تركته داعش وأخواتها، فلا نكاد نتعرف على ذكرياتنا القريبة.