معجب العدواني، أكاديمي وناقد أدبي سعودي
أوراق 19-20
الملف
بين الذاكرة والنسيان، تتجلى لكل ملتقى أدبي بعض الملامح الإيجابية المبادرة إلى الحضور، وتتراءى فضاءاته الجميلة التي تناهض الغياب، ويتكشف منجزه المتمثل في عطاء أولئك المبدعين الذين تزداد أصواتهم أهمية مع مرور الأيام، وفي جهود الباحثين الذين لا يمكن تجاهل إضافاتهم المعرفية. وإذا كان هناك ملتقى يضم تلك المستويات السابقة، فإن إيماءة رأس حكيم، وتفاصيل سطر إبداعي، ستدفع إلى أن تقرر أن أحد أشهر الملتقيات التي لا تزال تحتفظ بها الذاكرة هو مهرجان العجيلي للرواية، تحديدا سأذكر المهرجان الخامس الذي شاركت فيه، وأقيم بين السابع والتاسع من شهر ديسمبر في عام 2009م.
في البعد العام كان المهرجان لمسة وفاء للروائي عبدالسلام العجيلي الذي كتب أعمالا روائية جادة، وكانت مدينته الرقة بوابة الاحتفاء السنوي به عبر الاحتفاء بأعماله من جانب، والاحتفاء بالفن الروائي كتابة ونقدا من الجانب الآخر، وعلى هذا كانت الرقة مدينة مؤهلة لإقامة ذلك الملتقى، إلى جانب وجودها في شمال سوريا في نقطة تقاطع جغرافي مع العراق وتركيا، ويضاف إلى ذلك طبيعة المكان التي تتماس مع النهر، وكأن تلك الجغرافيا بوابة الانفتاح وأفقه، وتوافقها مع ما تتوسل إليه الرواية من تعدد وحوار؛ كما أن أهلها يحملون سمات النبل والتسامح، والإيمان بالآخر المتوافقة مع مبادئ الرواية؛ فجاء المهرجان ليستثمر تلك الملامح، ويصوغها في قالب ثقافي جاد، يستهدف إثراء العمق الروائي عربيا، وتفعيل دور الدراسات النقدية والحوارات مع الروائيين.
أما البعد الخاص فقد كانت تجربتي الشخصية بالمشاركة في إحدى نسخ المهرجان تجربة استثنائية، اتسمت بثرائها المعرفي، والتعرف على بارزين في الحقلين النقدي والروائي، أذكر منهم د. نبيل سليمان، ود. شعيب حليفي، و د. حسين حمودة، و د. شهلا العجيلي، و د. أحمد الحسين و أ. محمد الغربي عمران، و أ. فوزية المرعي وآخرين. ولن أنسى تلك الرحلة الداخلية الأخيرة من الرقة إلى دمشق مع الباحث والروائي التونسي المرحوم د. محمد الباردي، فقد كانت من مكاسب ذلك اللقاء وفوائده الجمة.
أحسب أن العودة إلى تلك اللحظات الثمينة التي تداعب تأملنا تتمثل حال مدينة الرقة الرقيقة الهادئة في تفاصيلها؛ التي ابتلي زمنها بسطوة زمن قاس لا ينتمي إلى زمنها، وبشخوص تتأمل كسر صلابة طموح أهلها الأنقياء، أولئك الذين أرجو لهم ولمدينتهم أن يحققوا ما يتطلعون إليه من مستقبل وبناء، وما يرجونه من استقرار ونعيم، كي تشرق الآمال التي تبنوها، والأحلام التي رعوها بعد أن عبثت فيها العواصف الهوجاء، وهم قادرون على تجاوز ذلك، بإعادة الضوء المفقود، والأمل المنشود.