الحركة النسائية، وحقوق النساء العربيات

0

ناديا خلوف

محامية وكاتبة قصصية وروائية سورية

أوراق العدد 12

الدراسات

المقدمة:

عندما نتحدث عن حقوق المرأة فإننا نتحدث بالدرجة الأولى عن حقوقها كونها إنساناً مثلها مثل الرجل، ويجب أن تكون تلك الحقوق مضمونة بالقانون، ومن حيث المبدأ أقرّت أكثر دول الغرب حقوق الإنسان بما فيه حقّ المرأة، ومع أن العرب يشاركون دائماً في احتفاليات حقوق الإنسان بغض النّظر عن جنسه، تبقى احتفالات لا قيمة لها من الناحية العملية لأنّها تسير جنباً إلى جنب مع القوانين والتشريعات المكتوبة، والعرفية، والتي تكرّس عبودية المرأة، والرجل على السّواء مع الفرق بنوع العبودية، وهنا سوف نخص المرأة، وندخل في حديث حقوق المرأة، أو النسوية، أو النسائية، لا تهمّ التّسمية. 

يعتقد البعض أن النسوية هي فلسفة الاعتقاد بأن للمرأة حقوقاً متساوية مع حقوق الرجل في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والجنسية والفكرية والاقتصادية. وهذا يتضمن فلسفات ومذاهب ونظريات وحركات تهتم وتحاول محاربة اضطهاد المرأة. لقد انتفضت النساء في الماضي ضد اضطهادهن لعدم حصولهن على حقوق متساوية مع نظرائهن من الرجال. منذ زمن رجل الكهوف اعتُبرت المرأة الجنس الأدنى، حيث أعطيت أدواراً أقل قيمة مقارنة بالرجل. هنّ من يعتني بالأسرة، عليهن البقاء في المنزل، رعاية أزواجهن، إنجاب الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية. مع صعود التصنيع، جاءت موجات من الناشطات اللاتي يناضلن من أجل حقوق متساوية.

نشعر أحياناً أن مصطلح النسوية مبالغ فيه، حيث يُعتبر الأشخاص الذين يتحدثون أو يكتبون عن النساء بشكل أعمى نسويات، ومنهن من أطلق اللقب على نفسه كوسيلة للدعارة مثلاً، وهنا لا نحكم على المرأة فهي حرة حتى لو مارست الدّعارة، لكنّها بالتأكيد ليست نسوية عندما تروّج للفكرة.

 كَتبَتْ العديد من الكاتبات النسويات اللواتي ساهمن في الأدب ضمن المجتمع روايات، ومقالات، وقصصاً، كانت معظم أعمالهن تحتوي على بطلة نسائية، لا تزال الكاتبات النسويات يسعين إلى دعم حقوق المرأة من خلال أعمالهن مثل الشعر والروايات وغيرها من الكتابات الأدبية في كل أنحاء العالم بما فيه العالم العربي..

قد لا تكون الحركة النسوية المطالبة بحقوق المرأة والداعية إلى المساواة مع الرجل قد بدأت في القرن التاسع عشر في أوروبا، حيث تعتقد الكاتبة الفرنسية سيفرين أوفريه أن الأفكار المطالبة بحرية المرأة وحقوقها أقدم من ذلك بكثير، ويمكن تتبع تاريخها إلى زمن الحضارة الإغريقية.

ماهي النّسويّة؟

 النسوية هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعية، والحركات السياسية، والفلسفات الأخلاقية، التي تحركها دوافع متعلقة بقضايا المرأة. يتفق النسويون والنسويات على أن الهدف النهائي هو القضاء على أشكال القهر المتصل بالنوع ليسمح المجتمع للجميع نساءً ورجالاً بالنمّو والمشاركة في المجتمع بأمان وحرية. ومعظم النسويين مهتمون بشكل خاص بقضايا عدم المساواة السّياسية والاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال، ويجادل بعضهم بأن مفاهيم النوع الاجتماعي والهوية بحسب الجنس تحددها البنية الاجتماعية.

يختلف النسويون حول السبب في انعدام المساواة، وكيفية الوصول إليها، والمدى الذي يجب أن يصل إليه التشكيك في التعريفات المبنية على أساس الجنس والنوع الاجتماعي وانتقادها، كأي أيديولوجيا، أو حركة سياسية، أو فلسفة، فليس هناك صيغة عالمية موحدة للنسوية تمثّل كلّ النسويين، لكن هناك شيء عام يجمع بين تلك الصيّغ وهو أن النسوية تكافح من أجل حقوق وفرص متساوية للنساء، ومن أجل تحقيق ذلك: تسعى النساء المؤمنات بقضية النسوية إلى إنهاء هيمنة الذكور.

الأدب النّسوي

على الرغم من كون النسوية لها تأثير أكبر في أوروبا، فقد ظهرت أنواع أخرى من النسوية في جميع أنحاء العالم، ربما كانت الكاتبة النسوية الأكثر ذكراً في عصر التنوير هي ماري وولستونكرافت وهي كاتبة بريطانية من القرن الثامن عشر، فيلسوفة، ومناصرة لحقوق المرأة، كتبت خلال حياتها المهنية القصيرة، روايات، وأطروحات، وقصص رحالة، كما أنها كتبت عن تاريخ الثورة الفرنسية، وعن قواعد السلوك، وأدب الأطفال، واشتهرت وولستونكرافت بدفاعها عن حقوق المرأة، فقد كانت تقول أن النساء لسن أقل شأنا من الرجال، ولكنهن يبدون كذلك فقط لأنهن يفتقِرن إلى التعليم، كما اقترحت وجوب مُعامَلة كلاً من الرجل والمرأة على أنهما مخلوقان رشيدان، يصنعان نظاماً اجتماعياً يقوم على العقل، وقد كان لها مؤلف اسمه حقوق الرجل أيضاً، وربما كان خطابها حماسياً.

في بداية القرن العشرين، شهدت مصر وسوريا ولبنان يقظة الحركات التي سعت إلى تمكين المرأة، برزت أسماء مثل ملك حفني ناصف، وهدى شعراوي، وهند نوفل، عفاف كنفاني، هم فقط بعض وجوه هذه الحركات. ومع ذلك، فإن العديد من هذه الشخصيات ليست معروفة، وأغلب تلك الحركات كانت مرتبطة بحركات التحرّر الوطني، ومع هذا فإن النسوية في الغرب مختلفة، حيث أنها في الدول العربية والإسلامية تأخذ منحى مختلفاً، ورغم أن رجال الدّين يؤطّرون النسوية ضمن الشريعة، لكن الأخطر منهم هم من دخل على خطّ الثورات العربية بشكل عام، والثورة السورية بشكل خاص، البعض من اليساريين، والعسكر السابقين، حيث أن فكرهم الذكوري قد يكون متشدّداً كما الفكر الديني، وقد أصبح أغلب  بثّهم الحيّ  يتركز على أن المساواة لا تحترم المرأة، وأن العدالة الاجتماعية هي التي توفر لها الاحترام، ولا نعرف ماذا يقصد بالعدالة الاجتماعية، ويسطّح الموضوع بشكل أكثر حيث يعتبر أنّ المساواة هي أن تذهب الفتاة لتخطب الفتى من أمّه!

ومن دون ذكر أسماء من يناهض النسوية بتلك الطريقة، لكن متابعي هؤلاء النسويين هم بعشرات الآلاف وأغلبهم ثوار، ومع هذا فإن من يقوم بالبث يعتمد على الإثارة والشعبوية كي يربح أكثر، إضافة إلى أنّه يروّج بشكل غير مباشر لعداء النسويات، على النسويين من النساء والرجال التّصدي لتلك المفاهيم، وبخاصة أن بعض هؤلاء اكتسب صفة ثورية، ويعتبر رأيه مسموعاً.

الثورة السّورية والنسوية 

مع الثورة السّورية برزت أصوات النساء، وبرز معها الدعوة للمساواة، كانت المرأة السافرة، و المحجبة جنباً إلى جنب في المظاهرات السلمية إلى أن استطاعت وسائل الإعلام التابعة للسلطات العربية السيطرة على الأمر، و أبرزت أن المرأة الثائرة هي المرأة المسلمة فقط، مع السعي لتحويل وجه الثورة  لثورة إسلامية، وقد نجح الإعلام في إضعاف الثورة والنسوية في آن واحد، نعني الإعلام العربي الذي يستطيع أن يحتوي قيادات بسبب قدرته المالية والمعنوية، رغم أن نظرية المؤامرة لم تعد صالحة في هذا العصر إلا بين الدول العربية التي تعتبرها خطة استراتيجية، وهكذا تحوّل اسم النساء الأحرار اللواتي يكافحن من أجل الحرية إلى النساء الحرائر، ويعني أنهن يحافظن على فروجهن. 

يعتقد البعض أن ما يسمى بالمفهوم الغربي للنسوية لا مكان له في العالم العربي، ومع ذلك، لا تزال المرأة العربية تناضل من أجل مكانة متساوية، وهناك من يعتبر أنّ النقاشات حول النسوية العربية يجب أن تأخذ في الاعتبار المبادئ الإسلامية ويجب أن تكون أي حركة نسوية ناجحة تدريجية، ويجب أن تأخذ في الاعتبار وجهات النظر الثقافية حتى لا تنفر النساء من مجتمعاتهن، لا تريد النساء أن يختلفن كثيرًا عما يتوقعه المجتمع منهن.

النّسوية العربية 

بدأت النسوية العربية في مرحلة التفكير الأدبي في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، وفيها كان بزوغ الوعي النسوي لا يتعدى كتابة الشعر والقصص والمقالات وبإرادة فردية وإصرار ذاتي على امتلاك الهوية النسوية، وقد مثلت هذه المرحلة عائشة التيمورية 1840ـ 1902 الأديبة والكاتبة التي دعت إلى تعليم المرأة، وملك حفني ناصف الكاتبة المصرية الملقبة بباحثة البادية، وهي التي ناهضت ثقافة الحريم وأطلقت على الحريم وصف كهف العزلة، ولها كتاب “مرآة التأمل في الأمور”، وتسميها النسوة المصريات بالأم المؤسسة للنسوية، وزينب فواز الكاتبة والمؤرخة اللبنانية صاحبة “الرسائل الزينية”، ولبيبة هاشم الصحفية والأديبة اللبنانية التي أصدرت مجلة ،فتاة الشرق” ولهذا لقبت بها.

كان للغزو الفرنسي لمصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798 آثار اجتماعية كبيرة على البلاد، “تسبب في تدفق سريع للأفكار الأوروبية إلى مصر بما في ذلك أيديولوجية الثورة الفرنسية”، وتمت زيجات بين ضباط فرنسيين ومصريات، كما كانت هناك “حالات تقليد نساء مصريات لسلوك ولباس نساء الحملة”، لكن مثل هذه الأفكار والمعتقدات لم تلق ترحيباً من الجميع في مصر، ونتيجة لذلك، ظهر رد فعل عنيف ضد مثل هذه الأفكار الغربية.

حتى لو كانت التنظيمات النسائية تابعة لهيئات يخلقها الرّجال أو يكلفونهم بخلقها، وفي أغلب العالم الثالث تكون تلك النسوية هكذا، لكنها تحدث فرقاً. وقد كانت هدى شعراوي ملهمة في نسويتها عندما رمت حجابها، لكن لا ننسى أن أمورها كانت ميسّرة لأنها ابنة باشا، وزوجة باشا، كما أنّها التقت بموسوليني، وأتاتورك، لكن هدى شعراوي الثائرة لم تكن نفسها تلك النّسوية عندما تزوّج ابنها من مطربة، فقد حاربت المطربة من وجهة نظر ذكورية طبقية استعلائية، حتى أن ابنها بدأ يهرب من المطربة، وأراد أن ينفي نسب ابنته منه، كانت المطربة أكثر نسوية منها عندما كتبت الخطاب التالي إلى والدة زوجها السيدة هدى شعراوي زعيمة النهضة النسائية في مصر قائلة:

” سيدتي:

سلاماً وبعد، إنَّ اعتقادي بك وبعدلك، ودفاعك عن حق المرأة، يدفعني كل ذلك إلى التقدم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدمين للعالم برهاناً على صدق دفاعك عن حق المرأة، ويمكنك حقيقة أن تسيري على رأس النساء مطالبة بحقوقهن، ولو كان الأمر قاصراً عليَّ لما أحرجت مركزك، لعل أنَّك أم تخافين على ولدك العزيز أن تلعب به أيدي النساء وتخافين على مستقبله من عشرتهن، وعلى سمعته من أن يقال أنَّه تزوَّج امرأة كانت فيما مضى من الزمان تغني على المسارح، ولك حق إن عجزتِ عن تقديم ذلك البرهان الصارم على نفسك؛ لأنَّه يصيب من عظمتك وجاهك وشرف عائلتك، كما تظنون يا معشر الأغنياء، ولكن هناك طفلة مسكينة هي ابنتي وحفيدتك، إنَّ نجلك العزيز، والله يعلم، وهو يعلم، ومن يلقي عليها نظرة واحدة يعلم ويتحقق من أنَّها لم تدنس ولادتها بدم آخر، والله شهيد، طالبت بحق هذه الطفلة المعترف بها ابنك كتابياً، قبل أن يتحوَّل عني وينكرها وينكرني، فلم أجد من يسمع لندائي، وما مطالبتي بحقها وحقي كزوجة طامعة في مالكم، كلا! والله فقد عشت قبل معرفتي بابنك، وكنت منزهة محبوبة كممثلة تكسب كثيراً، وربما أكثر ممَّا كان يعطيه لي ابنك، وكنت متمتعة بالحرية المطلقة، وأنت أدرى بلذة الحرية المطلقة التي تدافعين عنها، ثم عرفت ابنك فاضطرني أن أترك عملي وأنزوي في بيتي، فأطعته غير طامعة بأكثر ممَّا كان يجود به، وما كنت لأطمع أن أتزوَّج منه، ولا أن ألد منه ولداً، ولكن هذه غلطة واسأليه عنها أمامي، وهو الذي يتحمَّل مسؤوليتها، فقد كنت أدفع عن نفسي مسألة الحمل مراراً وتكراراً، حتى وقع ما لم يكن في حسابي، هذه هي الحقيقة الواقعة وانتهى الأمر”.

مشاعر بعض النساء

لم تهدأ النساء عن المطالبة بحقوقهن في جميع أنحاء العالم، كتبت الروائية ريبيكا ويست “البريطانية” منذ ما يقرب من 100 عام: “أنا نفسي لم أتمكن أبدًا من معرفة ما هي النسوية على وجه التحديد: أنا أعرف فقط أن الناس يدعونني بالنسوية كلّما عبّرت عن المشاعر التي تميزني عن ممسحة الأرجل”.

تقول الدكتورة جولي شوارتزبارد طبيبة أعصاب تعمل في عيادة خاصة في أفينتورا، فلوريدا منذ عام 1998، في مقال لا عنوان له:

“النسوية في القرن الحادي والعشرين: جديدة ومحسنة

أول درس لي في النسوية حدث في عام 1970. كنت أحضر تخرجي من الحضانة (نعم، هذا ما أطلقوا عليه في ذلك الوقت). وقف كل طفل على المنصة وأعلن اختياره الوظيفي في المستقبل، وقفت بفخر أمام جميع الآباء وأعلنت أنني أريد أن أصبح ممرضة، كما تقول تقاليد الأسرة، سألتني والدتي بعد الحفل لماذا أريد أن أصبح ممرضة؟ كان إجابتي على النحو التالي، “لأن الفتيات لا يمكن أن يصبحن طبيبات”، شرحت لي والدتي مذعورة أنه يمكنني بالطبع أن أصبح طبيبة، هذا الرد لن يدفع مصيري المهني فحسب، بل أصبح أيضًا أساس تعليمي النسوي.

على مر السنين، وطوال كل مرحلة من مراحل التطور، كان صوت والدتي ينطق بطرق مختلفة، ولكن دائمًا مع الرسالة نفسها: يمكنك أن تفعلي أي شيء تريدينه، بالنظر إلى أنني قد أعلنت بالفعل شغفي بالطب في سن الرابعة، كان الافتراض المستنتج أنني سأصبح طبيبة، وبطبيعة الحال، فعلت.

في الماضي، أدركت أن رغبتي في أن أصبح طبيبة كانت متداخلة مع مفهومي عن النسوية، بطريقة ما، كنت أثبت (لمن ليس متأكداً) أن الفتاة يمكنها فعلاً أن تصبح ما تريد”.

الدخول على خط النسوية وتشويه صورتها

إن النمو المتسارع لتجارة الجنس العالمية هو أيضًا تهديد لكرامة وبقاء النساء والفتيات، الاتجار بالجنس هو شكل حديث من أشكال الرق للعديد من الفتيات، وخاصة الفقيرات وغير المتعلمات، أفادت الثورة الجنسية النساء من بعض النواحي، لكنها غذت أيضاً الليبرالية الجنسية، مما أدى إلى زيادة تطبيع الدعارة، لقد تم إعاقة النسويات في استجابتهن لهذا التهديد بسبب وجود انقسامات داخل الحركة النسوية حول طبيعة الدعارة: هل هي شكل من أشكال العمل الذي يجب تقنينه، أم أنه انتهاك لحقوق الإنسان يجب إلغاؤه؟

هل يمكننا تخيل إخبار بناتنا أنه بإمكانهن أن يكبرن ليصبحن “عاملات بالجنس”، وأن الدعارة هي الآن وظيفة مثل أي وظيفة أخرى؟ يتم استعباد الملايين من ضحايا الإتجار في الجنس ويموتون بسبب الأمراض الجنسية، يجب مواجهة أزمة حقوق الإنسان العالمية هذه بوضوح أخلاقي نسوي، يجب أن نعترف بأن الدعارة ضارة بطبيعتها، يجب علينا أن نعارض بقوة المتاجرين بالبشر والقوادين والرجال الذين يرعون بيوت الدعارة.

حدثت تغيرات كبيرة للغاية في حياة النساء في العقود القليلة الماضية، وهي تشمل المزيد من الانفتاح حول الحياة الجنسية، وخروج ملايين الأمهات للعمل، واقتحام النساء للصناعات والمهن الجديدة، وقبول أن النساء سيعملن خارج المنزل، وأنجبن أطفالًا خارج نطاق الزواج، ولهن الحق في التحكم في حياتهن الجنسية.

لكن العمل والحياة الشخصية تعرضت للتشويه بفعل قيود الرأسمالية ولم تصل إلى مستوى التحرير، لذلك لا يزال هناك الكثير للقتال من أجله.

تأثير العولمة، واختلاف التجربة

للعولمة والليبرالية الجديدة تأثير عميق على حياة ملايين النساء، لقد خلقت الرأسمالية نفسها أشكالاً ومظاهرَ جديدة لاضطهاد المرأة، اضطهاد المرأة هو نتاج مجتمع طبقي موجود منذ آلاف السنين، فقط مع تطور الرأسمالية طورت أعداد كبيرة من النساء وعياً بموقفهنَّ والقدرة على فعل شيء حيال ذلك.

 تم جذب النساء إلى القوى العاملة بالملايين، لكن العمل في المصانع والمكاتب والمتاجر لم يؤدِ إلى تحسين حياة المرأة، ناهيك عن التحرر، تعاني النساء من الاستغلال في العمل كما أنهنّ ما زلن يتحملن العبء المزدوج للأسرة ورعاية الأطفال، أعيد اختراع دور المرأة التقليدي ليلائم احتياجات الاستغلال، من المتوقع الآن أن يوفقوا بين جميع جوانب حياتهنّ ويتم إلقاء اللوم عليهنّ كأفراد عن أي إخفاقات في الحياة الأسرية أو العملية.

على الرغم من أن جميع النساء يعانين من الاضطهاد والتمييز، إلا أن تجارب حياتهنّ تختلف اختلافًا جذرياً، لا تتحد النساء كجنس ولكن يتم تقسيمهنّ على أساس الطبقة، تشارك نساء الطبقة الوسطى والعليا في أرباح النظام الاستغلالي الذي نعيش فيه ونستخدم هذه الميزة للتخفيف من اضطهادهنّ، عادة ما تكون نساء الطبقة العاملة من يقوم بالطهي والتنظيف وتقديم الخدمات الشخصية لهؤلاء النساء، ويتلقين أجوراً منخفضة، وغالباً ما يهملن أسرهنّ للقيام بذلك.

يُنظر للنساء اليوم أكثر من أي وقت مضى على أنهنّ يتحددنّ وفق حياتهنّ الجنسية، إن إضفاء الطابع التجاري على الجنس بثقافته الفتية والنوادي، ومسابقات ملكة جمال العالم ما بعد الحداثة، يحافظ على النساء كأغراض جنسية وكأن شيئاً لم يتغير منذ الخمسينيات.

الأيديولوجية الرأسمالية تعطي الأولوية للأسرة والدور التابع للمرأة والطفل داخلها، بينما تجبر في الوقت نفسه أفراد الأسرة على التضحية بـ “الحياة الأسرية” بسبب ضغوط العمل والهجرة، أولويات نظام الربح ووجود الأسرة تعني أن اضطهاد المرأة منظم في الرأسمالية، أي تحرر حقيقي يجب أن يكون مرتبطًا بحركة أوسع من أجل تحرير الإنسان، ولكي يتحكم العاملون في الثروة التي ينتجونها، لهذا السبب يجب على النساء والرجال الكفاح معاً من أجل التحرير.

كفاح المرأة

لن تنتصر أية حركة من دون كفاح، في القرن التاسع عشر أخذت الحركة من أجل تحرير المرأة اسمها من حركة إلغاء العبودية، وفي القرن العشرين، أخذ تحرير المرأة اسمه من الحركات المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء العالم، يجب أن يناضل تحرير المرأة في القرن الحادي والعشرين من أجل تغيير العالم وإنهاء المجتمع الطبقي الذي خلق الاضطهاد والاستغلال في المقام الأول، فمثلاً تغيير مشكلة وصف المرأة بالمختلة عندما يطلّقها زوجها، أو مفهوم المرأة سليطة اللسان، أو الزوجة المزعجة، التي تنتقل من جيل إلى جيل، القصص العديدة التي رواها أفراد أسرة الزوج والزوجة، لا يعتبر في كثير من الأحيان الزواج اليوم شيئاً سعيداً، فبعض الناس يعتقدون أنه لا يوجد شيء نتطلع إليه، في معظم الحالات لأن الرجال يعتقدون أن المرأة ستتغير وتبدأ في “التذمر” من  كل شيء، كما أن الرجال لا يعتقدون أن المرأة تستطيع أن تفعل الأشياء نفسها التي يفعلها الرجل، سيكون هناك دائماً ذلك الرجل الذكوري الذي يعتقد أن الرجل أقوى من المرأة، في العديد من الوظائف، قد تفعل النساء نفس الشيء بالضبط الذي يفعله الرجال باستثناء أنّ الرجال يتقاضون رواتب أكثر من النساء حتى لو كان مبلغاً ضئيلاً.

تمت دراسة مشكلة مكانة المرأة في المجتمع لعدة قرون، ولا تزال ذات صلة في بداية القرن الحادي والعشرين، يُظهر لنا تاريخ القرن العشرين مثالاً هامًا على حركة حقوق المرأة، التي تمكنت من إحداث تغييرات كبيرة في دور ومكانة المرأة في حياة المجتمع، في القرن العشرين، حدث تغيير جذري في دور المرأة، حيث لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد والسياسة والثقافة ومجالات الحياة الأخرى، أدى نضال المرأة الطويل من أجل المساواة إلى تغييرات معينة في الوعي الاجتماعي في وجهات النظر حول الدور الاجتماعي والسياسي للمرأة، ولكن على الرغم من ذلك، لم تتحقق المساواة الكاملة.

تاريخ حركة حقوق المرأة وتغير دور المرأة في المجتمع

تعتبر بداية حركة حقوق المرأة نهاية حرب الاستقلال، التي حارب فيها المستعمرون الأمريكيون من أجل الحقوق السياسية، وحُرم منها أكثر من نصف السكان الأمريكيين، كان الكثير منهم من النساء، كما لم تكن هناك حقوق في العبيد والخدم والعقود الفقيرة، يُعتقد أن حركة إلغاء الرق، التي بلغت ذروتها في منتصف القرن التاسع عشر، كان لها تأثير كبير على صعود الحركة النسائية. في المؤتمر العالمي الأول لمكافحة الرق، الذي عُقد في عام 1840 في لندن، قرر اثنان من المؤسسين المستقبليين لحركة حقوق المرأة – إليزابيث كيد ستانتون ولوكريتيا موت أن يكونا نشطين بعد أن تعرضا لتمييز كبير بين الجنسين خلال المؤتمر.

تعتبر نقطة البداية للنضال الطويل من أجل حقوق المرأة في الولايات المتحدة في عام 1848، عندما انعقد مؤتمر في مدينة سينيكا فولز، حيث اشتكى حوالي ثلاثمائة رجل وامرأة وقدموا قائمة بالإجراءات اللازمة، أصدرت إليزابيث ستانتون “إعلان المشاعر”، والذي يُطلق عليه أحيانًا “إعلان الحقوق والمشاعر”، والذي تم توقيعه خلال المؤتمر، كأساس للوثيقة، تم أخذ إعلان الاستقلال الأمريكي، وبناءً عليه وافق ستانتون على أن “جميع الرجال والنساء خلقوا متساوين”. (فليكسنر، 1996)، بحكم طبيعة الأهداف والغايات، بما في ذلك حماية المصالح الخاصة للمرأة، تنقسم الجمعيات والنقابات النسائية إلى أعمال خيرية واجتماعية وسياسية ودينية ومهنية وأخلاقية.

نتيجة للمكاسب البطيئة في نهاية القرن التاسع عشر/ النصف الأول من القرن العشرين، تمكنت النساء من كسب الحق في التعليم والمساواة مع الرجال في العمل والحصول على الأجور، وبعد ذلك حصلوا على حق التصويت والترشح، والحق في المشاركة في النقابات العمالية والأحزاب السياسية، والحق في الطلاق، وفي بعض الأماكن الحق في استخدام وسائل منع الحمل والحق في الإجهاض، والحق في المساعدة العامة وإجازة الأمومة، في إجازة لرعاية الأطفال، إلخ، وهكذا، بدأت التحولات البطيئة والتدريجية في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، وانتزاع حقوق المرأة، ثم حقها في السلطة.

ولكن على الرغم من كل التغييرات الإيجابية، غالباً ما كانت المساواة على الورق فقط، ولكن كان من الضروري تغيير المواقف تجاه المرأة في أذهان الناس، بدأت “الصحوة” أو “النهضة الأنثوية” في الستينيات وكان مركزها في الولايات المتحدة، حيث كانت هناك في تلك السنوات تكثيف للعمليات الديمقراطية التي تهدف إلى القضاء على أشكال مختلفة من التمييز.

في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تدهورت الحركة النسوية كحركة في الولايات المتحدة، تطورت الحركة النسوية على مستوى الدولة، ونمو معاداة النسوية، والتركيز على الجنس، والجسد، وخصوصيات النساء واختلافاتهن، وتطوير ثقافة فرعية بديلة للمرأة، كل ذلك يشير إلى مرحلة جديدة لإعادة التفكير في مكانة الجنسين في العصر الحديث، في المجتمع، ليس من قبيل الصدفة في 1980 – 1990 أنه تم الحديث عن عصر ما بعد النسوية.

يمكن أن يكون كونك نسوية موضوعاً مثيراً للجدل، يعتقد بعض الناس أنه أمر جيد والبعض الآخر يختلف معه، هناك العديد من الأسباب التي تجعل الناس يحبونها أو لا يحبونها، عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فالأمر دائمًا مسألة رأي، لسنوات لم يتم التعامل مع النساء على قدم المساواة مع الرجال، على سبيل المثال، مثل تلك الموجودة في الرسوم الكاريكاتورية في الخمسينيات حيث تصور النساء على أنهن ربات بيوت بلا عقل يقمن بأي شيء يأمرهن به الزوج أو رئيسه أو زميله الذكر. يُظهر أن النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن عندما تشتري الزوجة فقط نوعاً خاطئاً من القهوة، ويظهر أنهن بلا عقل، يعارض البعض ويقولون أن الأوقات قد تغيرت، وهو ما حدث بالتأكيد، وأننا حققنا إنجازات كبيرة، على الأجيال القادمة إيجاد طريقتها في معرفة أن النسوية ليست مجرد أشياء ينظر إليها الرجال، أعتقد أن الانضمام إلى النسوية سيجعل كل النساء والرجال الذين يؤمنون بها ويقاتلون من أجلها أقوى، حيث لا زالت الأغلبية تناهض النسوية، وتؤمن بأنّ النسوية الحديثة مجنونة، المصطلح الذي يحبون استخدامه هو “فيمينازي”، وهو النسويات المتطرفات.

المنظمات النسوية في سورية قبل وبعد الثورة

هذا رأي شخصي

لم توجدْ في سورية منظمات نسوية مستقلّة، فالاتحاد النسائي، ورابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، وغيرها هي منظمات ذكورية غير جادة في دعم النّساء، الاتحاد النسائي هو حزب بعث رقم 2، ورابطة النساء هي الحزب الشيوعي رقم 2، كوني عملت في رابطة النساء لزمن طويل، رأيت أنّها رديف للجبهة الوطنية، ومع هذا فإن الأعداد القليلة التي كانت تصدر من صحيفة صوت المرأة بطباعة سيئة، وغير حرفية كانت تنكر الهوية الشخصية، فقد كنت أكتب فيها دون أن يوضع اسمي تحت المقال، أو القصة، وهم غير معنيين إلا بالتسابق على المكاسب.

الحركة النسوية بعد الثورة، مثل “الحركة السياسية النسوية” التي تأسست في فرنسا، مثلها مثل منظمات حقوق الإنسان التي تأسست في دولة عربية نفطية، وعلى الرّغم بأن عددها لا يتجاوز عدد مجموعة على الفيس بوك لكن لها تمويل، وتستطيع النافذات فيها التّحرك، وإبداء الرأي حتى في الأمم المتحدة.

الشلل النسوية التي يؤسسها الرّجال، وحتى تلك الشلل التي تدعي أن لها تأثير، والتي تتبنى الأدب والأفلام ماهي إلا امتداد لعزل المرأة والرجل بشكل عام، وامتداد لاستبداد الدّولة، الذي تحوّل عبر المعارضة “الممولة” إلى استبداد أشد من استبداد الأسد، وما قصص النّجاح التي يرتبها الإعلام، ويحظى أصحابها بجوائز إلا نوع من الضحك على الذّقون، لن أخوض أكثر، ولكن يمكن القول أنّنا بحاجة لحركة نسائية “ثقافية” تضم الرّجال والنساء، تقدّم أعمال النساء المبدعات، توثقها في أفلام قصيرة، أو طويلة، وهذا الوجه النسوي لا يمنع أن تتولى النساء والرجال الخبيرين النهوض بسورية المستقبل عن طريق صياغة الدستور، ولو أنّ الأمر اليوم شبه مستحيل، لأنّه لا زال للمعارضة “الممولة” خوف من الثقافة، كما هو عند النظام تماماً.