الجدار

0

مجيد الناصر

مسرحي سوري

أوراق- العدد10

أوراق المسرح

الزوج، رجل مسن في الستين يعاني من حالات خرف متقطعة.

الزوجة في منتصف الخمسينات

(موسيقى الترقب. ينفتح الستار على دخان يتصاعد. حطام أشياء متناثرة على الخشبة. تعتيم مفاجئ)

(الزوج مرمي على الارض دون حراك. يتصاعد أنين الزوجة من مكان ما، ينهض الزوج كمن تذكر شيئاً، ينظر إلى الفراغ، ثم يحرك الحطام بعكازته)

الزوج: أين أنت؟ (بصوت متوسل يوشك على البكاء)

الزوجة: (متألمة) أنا هنا (صوت الزوجة قادم من بعيد)

الزوج: أما زلت في الحمام؟

الزوجة: أنا محاصرة، لا أستطيع الخروج.

(يحضر الزوج كرسياً يضعه أمام الجدار، يصعد على الكرسي محاولا رؤية زوجته، يشد جسده ليقف على أطراف أصابعه، عندما يلمحها تبدو عليه علامات الرضا، يتحرك فرحاً، يكاد يسقط، يعدَل وضعية الكرسي، يكرر المحاولة)

الزوج: انظري إلي.

الزوجة: أين أنت؟

الزوج: (يحاول التوازن) أنا هنا، أعطني يدك. (صوت انهيار خفيف)

الزوجة: آه..آه ..

الزوج: حاولي، مدي يدك.. هيا.. هيا.

(انهيار السقف يثير غباراً وصراخاً)

الزوجة: (ممطوطة) لا أستطيع.

الزوج : هل أصابك مكروه؟

الزوجة : سقط الجدار.

الزوج: حاولي النهوض.

يتحرك الزوج بسرعة، ينتقل الى الجهة الاخرى. يحاول فتحه يفشل، يضرب بقدمه.

الزوجة: لا أستطيع.

الزوج: هيا، ساعدي نفسك.

الزوجة: أما زلت تحبني؟

الزوج: طبعاً. سوف ترين عندما تخرجين.

الزوجة: هكذا أنت لن تتغير أبداً.

(صوت ارتطام الزوجة على الارض في محاولة للصعود)

الزوج: ماذا جرى لك؟

الزوجة: افعل شيئا يا رجل.

(يتحمس الزوج، يربط بعض الأقمشة ببعضها، يصبح حبلاً، يرميه إلى الزوجة)

الزوج: هيا تمسكي بالحبل.

الزوجة: (تمسك بالحبل، تحاول الصعود، يشد الزوج الحبل، تسقط الزوجة) آه.. ماذا تفعل؟ ساعدني.

الزوج: هل أنت بخير.

الزوجة: لست بخير.

الزوج: وأنا أيضاً.

الزوجة: ما هذه المصيبة يا إلهي.

الزوج: كوني قوية. سأخرجك.

الزوجة: ألا يوجد أحد هنا يساعدني!

الزوج: (غاضباً) الجميع هربوا، ولم يبق هنا سوانا فقط. أنا وأنت

الزوجة: (تندب حظها) أيعقل أن يهرب الجميع؟

الزوج: الأنذال يقصفون هنا دائماً، مجنون من لم يهرب!

الزوجة: لا والله أنا المجنونة التي دخلت الحمام في هذه اللحظة

الزوج: لا تتشائمي. قوي إيمانك بالله

الزوجة: كيف لا أتشاءم والقذائف تسقط حولي وتهدم البيوت!

الزوج: سأفعل شيئاً يا حبيبتي.

الزوجة: (بفرح) ماذا قلت؟ ماذا قلت؟

الزوج: سأفعل شيئاً.

الزوجة: الثانية.. الكلمة الثانية!

الزوج: يا حبيبتي.

الزوجة: ياه.. منذ متى لم أسمع هذه الكلمة منك! (تتابع)

الزوج: هيا هيا أعطني يدك.

الزوجة: هل تذكر أول لقاء لنا.

الزوج: طبعاً أذكره.

الزوجة: (متذكرة) قدمت لي وردة جميلة وقتها.

الزوج: دخلت المطعم قبلك، أنا اخترت طاولة الجلوس.

الزوجة: أمسكتَ يدي بلطف، وحدقت في عيني

الزوج: طلبت قهوة لنفسي، ولك العصير.

الزوجة: كان الغرسون يراقبنا.

الزوج: خطفت منك قبلة.

الزوجة: كم كنا أشقياء.

الزوج: إيه أيام مضت.

الزوجة: سنعيدها بمجرد أن أخرج من هنا.

(انفجارات في المكان، دخان يتصاعد، الزوجة تصرخ، الزوج يركض على الخشبة)

الزوج: (بلهفة) هل أنت بخير؟

الزوجة: (بلهفة) هل أنت بخير؟

الاثنان معاً: مرت بسلام أيضاً.

(يدخل صحفيان. الأول يبدأ بتدوين الملاحظات، ويلتقط بعض الصور من كل الزوايا، يبدي اهتماماً وتعاطفاً مع هذه الحالة من الدمار، الصحفي الثاني غير مهتم، يتنقل بين الركام، يسجل بعض الملاحظات، يخرجان فوراً). (إضاءة الكاميرا توهم الزوجين بانفجار صاروخ وشيك).

الزوجة: (صارخاً) اختبئ.. لمعت الدنيا.

الزوج: لا تخافي أنا في أمان.

(إضاءة قوية. انفجارات. موسيقى)

الزوج: (بلهفة) هل أنت بخير؟

الزوجة: (بلهفة) هل أنت بخير؟

الزوج: (صمت). لا تتحركي مرة أخرى.

الزوجة: انظر لترى ما إذا ماتت نبتة الياسمين التي زرعناها؟

(ينزل الزوج بحذر ويذهب إلى الحطام. يبحث عن الياسمين في المكان الخطأ. النبتة ظاهرة في مكان آخر)

الزوج: لا، لم تمت، إنها هناك حيث وضعناها منذ زواجنا.

الزوجة: (متباكية) ماذا سأفعل؟

الزوج: استجمعي قواك بحذر وبمنتهى الحذر.

الزوجة: لا أستطيع.

الزوج: حاولي.

الزوجة: سأحاول.

الزوج: بحذر … بحذر شديد …بحذر شديد جداً (فجأة صوت انهيار)

الزوجة: (تتأوه بشدة).

الزوج : هل أصابك مكروه؟ (صمت) ماذا بك؟ (صمت) قولي شيئا (بحزن).

الزوجة: (متأوهة) لقد سقط حجر فوق ذراعي، سال دم كثير.

الزوج: كثير من الدم!

الزوجة: نعم الكثير من الدماء.

الزوج: (صمت) خدش أم جرح؟

الزوجة: إنه خدش، لكن دماء غزيرة سالت.

الزوج: سأبحث لك عن قليل من القطن (ينزل يتجه يميناً، يبحث، لا يجد شيئاً، يصعد على الكرسي) ضعي لعابك فوق الخدش وضمديه بمنديلك.

الزوج: هل أراحك اللعاب؟

الزوجة: قليلاً (تتأوه) قليلاً جداً.

الزوج: سأحكي لك نكتة كي تنسي الألم؟

الزوجة: أنت لا تجيد إلقاء النكات.

الزوج: هل أقص عليك حكاية المرأة التي ذهبت لتقضي حاجتها، فبقيت سجينة في الحمام تحت الأنقاض؟

الزوجة: آخ.. ذراعي تؤلمني كثيراً.

الزوج: سترين كيف ستنسين الألم. سأقوم بدور المهرج لأرفًه عنك (يقوم ببعض الحركات التهريجية فوق الكرسي)… هل أعجبك؟

(أزيز طائرات وقصف وانفجارات، أثناء ذلك تدخل امرأة مع طفلتها مرعوبتان إلى الخشبة (الأم تحمل طفلتها ذات الستة أعوام) (الطفلة تحمل دمية مهترئة) تبحثان عن مكان للاختباء تجلسان في زاوية. يشتد القصف. تتغير الاضاءة. تخرجان هاربتان)

(أثناء أصوات الانفجارات يستمر الزوج بأداء حركات راقصة غريبة)

الزوجة: لا أستطيع أن أراك.

الزوج : المهم أن تكوني بخير (فترة صمت)

الزوجة: أنا في حالة سيئة، سوف أموت. (يجلس الزوج)

الزوج: تموتين؟ (صمت) لا.. لا تقولي هذا.

الزوجة: قلتها.

الزوج: هل تموتين حقاً؟ هل يجب أن أخبر العائلة؟

الزوجة: (باستياء) أية عائلة؟

الزوج: ألا يقومون بهذا في مثل هذه الحالات؟

الزوجة: ألا تتذكر أنه لم يعد لدينا عائلة؟

الزوج : (مستغرقاً بالتفكير) حقاً. وابننا؟

الزوجة: بالله عليك! ألا تتذكر أنهم اعتقلوه؟

الزوج: قلت لك لننجب أكثر من طفل، وأنت…

الزوجة: هكذا الحال معك، تلومني دائماً، الذنب ليس ذنبي (بغضب)

الزوج: لا تغضبي. لم أقل ذلك لأغضبك.

الزوجة: ألا ترأف بحالي.

الزوج: إذا أردت، فسوف ننجب طفلاً عندما تخرجين. (يقف)

الزوجة: (محبطة) لكنك لم تعد قادراً على ذلك الآن.

الزوج: هكذا أنت، تريدين الآن أن تقولي إنني لست رجلاً. ألا تتذكرين ليلة الخميس؟

الزوجة: أي خميس..!

الزوج: عن أي خميس سأتكلم!

الزوجة: ها أنت تتباهى من جديد.

الزوج: ليس تباهياً.

الزوجة: (بعد صمت) اذهب واسق النبتة. (يذهب الزوج يبحث عن إبريق ثم يعود)

الزوجة: ماذا حدث معك؟ أين أنت؟ (يصعد الزوج ليستطيع سماع الزوجة)

الزوج: لا أجد الإبريق.

الزوجة: كيف لا تجده!

الزوج: بحثت عنه ولم أجده.

الزوجة: (متأوهة) أنا محاصرة هنا. لا أطلب منك إلا أن تسقي ياسمينتنا وأنت لا تريد ذلك.

الزوج: لم أجد الابريق هذا كل ما في الامر.

الزوجة: افعل ما يحلو لك. فأنت لا تحبني.

(الزوج ينزل من جديد ويبحث بجد أكثر، يجد إبريقاً يسقي النبتة ويصعد)

الزوج: سقيتها.

الزوجة: (فترة صمت) عليك أن تساعدني. لا تتركني وحيدة.

الزوج: ماذا تريدينني أن أفعل؟

الزوجة: ألا يخطر ببالك شيء؟ أصبح من الواضح أنك لم تعد تحبني.

الزوج: سأغني لك.

الزوجة: أنت تغني!

الزوج: استمعي.

(يبدأ بالعزف مستخدماً عكازته. بعد لحظات تنطلق موسيقى أغنية شعبية. يغني معها)

الزوج: الآن سأنقذك. مدي يدك نحوي. سأمد لك عكازي ربما أستطيع سحبك (يمد الزوج جسده بقدر ما يستطيع ويمد عكازه للناحية الثانية للجدار محاولاً إيصاله لزوجته) مدي ذراعك أكثر. أمسكي العكاز. هيا. هيا. أكثر قليلاً. إنني أسحبك هيا. هيا.

(مع آخر كلمة هيا، يسمع صوت قصف بعيد قليلاً. يسقط الزوج. ينهض دون عكازته الذي سقط إلى الجانب الآخر)

الزوجة: آه.. لماذا تتركني أسقط؟

الزوج: آسف.

الزوجة: لا أستطيع أن اعتمد عليك.

الزوج: (مقاطعاً) تستطيعين، سوف أفاجئك.

(يخرج من جيبه خيطاً وبالوناً. ينفخ البالون. يربطه بالخيط، يربطه من الطرف الثاني بالحجر)

الزوج: (يرمي طرف الخيط) سألقي الحجر إليك.. هل أمسكته؟

الزوجة: نعم.

الزوج: شدي الخيط. (تشد الخيط فيطير البالون) انظري إلى أعلى. هل ترينه؟

الزوجة: لا.

(فجأة أزيز طائرات. قنابل وانفجارات. القصف أشد والصوت أعلى) (تتغير الاضاءة مع تغير الأصوات).

(تمر المرأة ممسكة يد طفلتها حالتهما أسوء تنظر الى المكان، تتعرف عليه. تسرعان هربا من القصف. تسقط الدمية. تحاول الطفلة التقاطها، لكن الأم تسحبها. تبقى الدمية مرمية واضحة ظاهرة للجمهور. بعد خروجهما يتوقف القصف. تعود الاضاءة من جديد. يبقى الزوج لازال متأملاً بالونه)

الزوج: (فترة صمت) حياتي. (قلقاً) حياتي. (صمت طويل. يتطاير البالون)

الزوج: هل حدث لك شيء؟ قولي شيئاً (فترة صمت)

الزوج: ألا تريدين أن تتكلمي معي؟ هل أنت غاضبة مني؟ (صمت) الذنب ليس ذنبي. حسناً لا تريدين الكلام. افعلي ما شئت (يستدير متظاهراً بعدم الاكتراث). هل سمعتني جيداً. افعلي ما شئت (صمت) ألا تريدين أن تحركي البالون؟ (صمت طويل. ينظر ناحية البالون. يتحرك البالون وكأن أحد شده)

الزوج: آها.. حياتي لا تريد الكلام. تكتفي بتحريك البالون! حسناً (صمت) لكن قولي لي شيئاً. قولي ما تريدين حتى لو كان سيئاً. قولي شيئاً (بغضب وحزن. يستدير. تثبيت كادر)

(يدخل من اليمين الصحفيان ينظران الى المكان ويلاحظان أنهما كانا هنا من قبل. يلتقط الاول صورة واحدة للجمهور. يخرجان من الطرف الثاني)

الزوجة: أين أنت؟

الزوج:(مستدركاً) حياتي، تستطيع الآن التكلم. لم تعد خرساء. أنا الآن الذي لا يريد الكلام.

الزوجة: يا حبيبي. إنني في حالة يرثى لها. ألا تشفق علي.

الزوج: ماذا بك؟ هل أحضر لك قطعة قطن؟

الزوجة: ألا تفهم أنني محاصرة هنا، لا أستطيع أن أتحرك!

الزوج: صحيح. نسيت.

الزوجة: أنت تنسى دائماً كل ما يخصني.

الزوج: فعلاً كان عليّ أن أعقد خيطاً حول إصبعي كي أتذكر.

الزوجة: ماذا سيكون مصيرك بدوني!

الزوج: (يجلس) دائماً تتحدثين عن ذلك. اعلمي إنني سأتزوج من غيرك. لدي الكثير من الفرص، آه لو ترين كيف تنظر إلى بائعة الملابس الداخلية.

الزوجة: هكذا اذاً.. تخونني مع أول امرأة تغازلك.

الزوج: هي التي تغازلني.. وأنا أتجاهلها.

الزوجة: هذا ما تقوله الآن. أما عند رؤيتها، فهناك كلام آخر.

الزوج: أستطيع أن أقسم أنني لم أفعل.

الزوجة: ها أنت تعود لتقسم مرة أخرى. وعدت بأنك ستأخذني برحلة شهر عسل ثانية.

الزوج: لم أتخل عن هذه الفكرة عندما تخرجين سنذهب إلى باريس.

الزوجة: (صراخ) آه سقط حجر آخر.

الزوج: (يقف) هل آلمك كثيراً؟

الزوجة: افعل شيئاً من أجلي.

الزوج: ماذا تريدين؟

الزوجة: احضر طبيباً.

الزوج: لقد أخذوهم كلهم.

الزوجة: قل إنك لا تريد أن تفعل شيئاً

الزوج: ألا تدركين الوضع الذي نعيشه؟

الزوجة: لكننا لم نسئ لأحد.

الزوج: لا أهمية لذلك، تدّعين أنني أنا الذي ينسى كل شيء! هل نسيت القرارات؟

الزوجة: ألا يستطيعون أن يصدروا قراراً خاصاً لنا!

الزوج: أنت تعتبرين ما نحن فيه ليس شيئاً جاداً. يبدو أنك تفتقرين إلى ثقافة الحرب.

الزوجة: هكذا إذن! الآن جاء دور الإهانات. قل صراحة أنك لا تحبني.

الزوج: (بحب) حياتي لم أقصد إهانتك.

الزوجة: لا تقصد إهانتي! لكنك فعلت. فيما مضى كنت تحبني أكثر.

الزوج: والآن أيضاً.

الزوجة: وما قلته عن الثقافة؟ هل تظن أنه ليس عندي كرامة؟

الزوج: قلته دون وعي مني.

الزوجة: اسحبه إذن.

الزوج: اسحبه.

الزوجة: دون خداع!

الزوج: نعم أقسم على ذلك.

الزوجة: بماذا تقسم؟

الزوج: كما هي العادة.

الزوجة: (صمت) أرجو أن لا تكررها.

الزوج: ألا تستطيعين أن تنهضي قليلاً.

الزوجة: عندما أتحرك يسقط المزيد من الركام فوقي.

الزوج: علينا أن نفعل شيئاً.

(أزيز طائرات وقصف. ينفجر البالون. يتوقف القصف. إضاءة وموسيقى)

الزوجة: (شاكية) لقد فجروا بالوني.

الزوج: ما أفظعهم!

الزوجة: هل فعلوا ذلك عمداً؟

الزوج: لا، كل ما في الأمر أنهم لا ينظرون للأسفل. فليس لديهم حقد ضدنا نحن بالذات.

الزوجة: ما أفظعهم، هدموا بيتنا، والآن فجروا بالوني.

الزوج: ما أقساهم..! (صمت طويل)

الزوجة: كيف أصبحت الياسمينة؟

(ينزل الزوج لتفقد الياسمينة)

الزوجة: ماذا تفعل؟

(صمت. يسحب الياسمينة إلى منتصف المسرح. يمسح أوراقها من الغبار بعناية)

الزوجة: هكذا تتركني وحدي. تعال يا حياتي. يا حبيبي. تعال.

الزوج: الياسمينة بحالة جيدة. (يقترب من الجدار ويكمل كلامه)

الزوجة: كل هذا الوقت لتراها.

الزوج: أحب أن أتقن عملي.

الزوجة: لقد أخفتني عليك. إنك شخص أناني.

الزوج: لكنني أفعل هذا من أجلك.

الزوجة: آه.. يتراكم الحطام فوقي. لا أستطيع تحريك قدمي.

الزوج: حاولي.

الزوجة: مغمورة تحت الركام.

الزوج: يبدو أن الموضوع قد تعقد.

الزوجة: هذه هي النتيجة الوحيدة التي توصلت إليها! إنك بلا رحمة!

الزوج: أنا حزين جداً. هل تريدين أن أبكي؟

الزوجة: ها أنت ذا تبدأ من جديد.

الزوج: لا سوف ترين.

الزوجة: إنني أعرفك جيداً، لا يهمك أن أموت.

الزوج: أنك تعرفين أنني (صمت). عندما تموتين سأسرق جثتك وأضمها ثلاث مرات.

الزوجة: ها عدت للتباهي مرة اخرى.

الزوج: أنسيت؟.

الزوجة: (مقاطعة) أعرف، أعرف، سوف تحدثني عن ذلك الخميس الشهير.

الزوج: أخيراً اعترفت.

الزوجة: آخ….آخ

الزوج: ماذا بك؟

الزوجة: لن أستطيع الخروج من هنا أبداً.

الزوج: لا تفقدي الأمل.

الزوجة: الحطام يغطيني.

الزوج: لا تقلقي. سترين كيف ستخطر على بالي فكرة خروجك من هنا.

الزوجة: يا لسوء حظي.

الزوج: الذنب ذنبك، لن تتخلي عن التدخين والقراءة في الحمام كعادتك.

الزوجة: الذنب دائماً ذنبي.

الزوج: لا تغضبي لا أريد إغضابك.

الزوجة: (بغضب شديد) لماذا.. لماذا.. لماذا كل هذا القتل؟ لماذا كل هذا الهدم؟

الزوج: (ببطء) يجب علي أن أكرر هذا لك طوال الوقت. وتقولين إنني فقدت الذاكرة.

الزوجة: ولماذا نحن؟

الزوج: تنزعجين لأنني أقول إنك تفتقرين لثقافة الحرب. لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ هل علي أن أشرح لك كل شيء؟

الزوجة: لا يستحق الأمر كل هذا. أعرف أنني لم أتعلم مثلك.

الزوج: (بغرور) أي شخص يعرفني يعتقد أنني تعلمت في الجامعة (صمت. يتمشى) كان يمكن أن أكون مثقفاً، ألا تعتقدين ذلك؟

الزوجة: (باستهزاء) بالطبع يا حبيبي المثقف.

الزوج:(يتمشى باتجاه الكرسي جيئة وذهاباً ويصعد عليه أحياناً) هكذا تصبحين زوجة رجل مثقف. ما أسعدنا. عندما يرانا الناس في الشارع سوف يقولون انظروا إلى المثقفين. ما أسعدنا سنذهب إلى الندوات. نحضر المسرحيات والحفلات الموسيقية. لا ينقصني إلا الغليون!.. ربما كنت مثقفة أيضاً بعد كل ما قرأته في الحمام!

الزوجة: ها أنت تبدأ من جديد.

الزوج: هل يبدو لك ذلك سيئاً أن نكون مثقفين؟

الزوجة: نحن مثقفون!

الزوج: كل أفكاري لا تعجبك، وكانت كذلك دائماً. إذا كنت غير مقتنعة بأنني لست مثقفاً سأذهب ولن أعود. أنا لا أريد لك أن تعيشي مع رجل لا يتفوه إلا الحماقات. وداعاً (ينزل يحدث صوت مشي دون أن يمشي)

الزوجة: حبيبي! أتتركني وحدي! (صمت).. حياتي تعال (فترة صمت).. كنت أمزح معك (صمت) أنت تعرف إلى أي حد أنا معجبة بك (صمت) ما أعظمك من مثقف (صمت)… حياتي! (صمت) هل تتركني وحيدة هنا! تعال! تعال! (فجأة) آه..آه (تبكي) سقط فوقي شيء ما.

الزوج: (يصعد على الكرسي ويحاول النظر) ماذا بك يا حبيبتي؟ هل أصابك سوء؟

الزوجة: سأموت هنا، وأنت تختار هذه اللحظة كي تذهب.

الزوج: ذلك لأنك دائماً تناكدينني.

الزوجة: كنت أمزح معك فقط.

الزوج: اقسمي أنك لن تفعلي ذلك أبداً.

الزوجة: اقسم.

الزوج: بماذا؟

الزوجة: كما هي العادة.

الزوج: دون خداع؟

الزوجة: دون خداع.

الزوج: آمل ألا تعودي لذلك. (صوت انفجار واحد)

الزوجة: آخ آخ.. لم أعد أستطيع تحريك ذراعيّ.

الزوج: لا تقلقي يا حياتي.

الزوجة: كيف لا أقلق! والحطام يغطيني حتى العنق.

الزوج: سأفكر بحل ما.

الزوجة: آه آه.. سأموت بعد قليل وأنت تفكر بالحلول.

الزوج: سترين كيف سيتوقف القصف.

الزوجة: حقاً؟

الزوج: حقاً.

الزوجة: كيف عرفت؟

الزوج: هل تشكين فيّ؟

الزوجة: (دون اقتناع) لا. كيف تريدني أن اشك بك؟

(يسقط الجداران الجانبيان محدثان ضجة هائلة. أصوات انهيارات)

الزوجة: (تبكي) حبيبي. أنقذني.

الزوج: في الحال يا حياتي. (يقترب من الجدار. يصعد إلى الأعلى) (أثناء التسلق) سأصل في الحال. (يسقط إلى الجانب الآخر من الجدار)

الزوج: حياتي ها أنا ذا بجوارك. أعطيني يدك.

الزوجة: أين يدك؟

الزوج: نحن الآن معاً.

(صوت طائرات. قصف إضاءات. تدخل الطفلة من اليمين تسحب تابوتاً. تمر بجوار دميتها المرمية على الارض. لا تكترث بوجودها. يخيم على المكان جو من العجز. تعتيم).

(الفكرة مقتبسة من فرناندو آرابال)

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here