نهى كمال
شاعرة ومترجمة مصرية
أوراق العدد 12
مقالات
تبقى الترجمة في المجتمعات المتقدمة موصومة باعتبارها شكلا من التأليف، لكن في المجتمع العربي يبخسها قانون حقوق النشر حقها، وتقلّل الأكاديمية من قيمتها، والمحزن بالأمر أن الناشرين يستغلونها مع المنظمات الرسمية والمجتمعية والدينية؛ وبشكل عام يبرهن الكاتب “لورانس فينتي” على أن الترجمة في هذا المأزق بكل أنحاء العالم، لأنها تكشف متناقضات القيم والأعراف الثقافية السائدة واستثناءاتها ومن ثم تشكك في سلطتها، ويؤكد “فينتي “أيضاً على ما يسميه “فضائح الترجمة” بالنظر إلى العلاقة بينها وبين الممارسات التي تحتاج إليها، فيستثمر الحديث عن مختلف اللغات والثقافات والأزمنة والحقول المعرفية والمؤسسات.
تمارس الترجمة مثل أيَّ كتابة بطريقة انعزالية لكنها تربط عدداً هائلاً من المجموعات الثقافية والفكرية، ولهذا يتحتم على المترجم ضرورة امتلاك ثروة لغوية مزدوجة تشمل الثقافتين التي يترجم منها وإليها، ويجب عليه أن يكون مُلمّاً بكل ما يجعل من نصّ ما نصّاً أدبيّاً، أي الإبداع في كيفية استخدام طرق التعبير اللغوي والبلاغي، وما تأسّس من نظريات في حقل الدلالة واللسانيات والتداوليات والفلسفة.
وهذا الأمر يفرض على المترجم أن يحتكّ دائماً بعالم واسع من النقاشات والمسائل والنظريات والفرضيات والمسلمات التي نشأت في علوم أخرى، والتي من خلالها يستطيع المترجم أن يستفيد ويوسع مداركه؛ من أجل استزادة معارفه بمجاله الذي لا يخلو من القيود التي يفرضها عليه النص؛ وتفرضها ثقافة النص وشروط تلقيه وتداوله في الثقافة الجديدة، وهذا ما قام بتوضيحه الدكتور “محمد عناني” في تمهيده لكتابه “فن الترجمة” حيث قال في معرض حديثه عن الفرق بين مؤلف النص والمترجم: (أما المترجم فهو محروم من هذه الحرية الإبداعية أو الحرية الفكرية؛ لأنه مقيد بنص تمتّع فيه صاحبه بهذا الحق من قبل، وهو مكلّف الآن بنقل هذا السجل الحي للفكر من لغة لها أعرافها وثقافتها وحضارتها إلى لغة ربما اختلفت في كل ذلك، ومع ذلك فهو مطالب بأن يخرج نصّاً يوحي بأنه كُتب أصلاً باللغة المترجم إليها).
في البلدان العربية شهدت حركة الترجمة ركوداً كبيراً في السنوات الأخيرة، فبينما يترجم الغرب عشرات الآلاف من العناوين سنويّاً، تكتفي البلدان العربية مجتمعة بترجمة نحو 3000 كتاب فقط.. ويجمع أهل الاختصاص على أن الترجمة هي فضاء حقيقي للتبادل الثقافي والتسامح وحوار الحضارات، وتلعب دوراً كبيراً في بناء الجسور بين الشعوب؛ لذلك تعالتِ الأصوات في الساحات الأدبية والثقافية العربية للمطالبة بتحقيق رؤية إستراتيجية عربية للنهوض بصناعتي النشر والترجمة، مؤكدين على ضرورة نقل الآداب العربية إلى اللغات الأجنبية لما تحمله من مضمون حضاري في ظل الوضع الراهن حيث ارتبطت صورة العرب والمسلمين وحضارتهم في الغرب بالتيارات الإسلامية المتشددة والإرهاب.
فما هو سبب ركود حركة الترجمة في الوطن العربي، وما هو دور الأوضاع التي تعيشها هذه الأوطان في تدنيها؟ ومن هم الفاعلون الحقيقيون الذين يمكنهم تغيير المعطيات ..؟
بداية، يعترف الدكتور “محمد عناني” أستاذ الأدب الانجليزي؛ وشيخ مشايخ المترجمين في مصر؛ إننا بالفعل في أزمة في هذا الصدد وبحاجة ماسة لقرار من الدولة للخروج منها.
وأوضح أن الصعوبة في الحصول على حقوق الترجمة والنشر تتمثل في تحويل المبلغ المالي الكبير الذى تطلبه دار النشر الأجنبية مقابل الموافقة على ترجمة كتاب ما، ويرى الدكتور عناني أن هذه المشكلة كارثية بالنسبة لأي مترجم من المفترض أن يكون بلا قيود أو عوائق.. وأشار إلى أنه هو شخصيّا وقع تحت الضغط نفسه واضطر لترجمة الأعمال الكلاسيكية التي لن يطالب أحد بحقوق النشر فيها مثل مسرحيات شكسبير والفردوس المفقود وأعمال هارولد بينتر المتوفى في عام 2005 .. ومنذ هذا العام تحديداً بدأت دور النشر تطالب بحقوقها عن كل ترجمة تصدر لأي عمل صدر من خلالها.
خصوصاً إن الكتاب العربي كله في مأزق نتيجة ضعف الإقبال على الشراء، وهو ما يطول الترجمة بشكل أو بآخر، مما يجعل سوق الترجمة ضعيفاً جداً؛ فوفقاً للإحصائيات العالمية فمعدلات الترجمة في مصر والعالم العربي ما زالت متدنية، وما زال يشوبها العشوائية وإهدار طاقات المترجمين محدودي العدد؛ حيث لا توجد خطة شاملة تنير الطريق أمام مراكز الترجمة، وقال إن عدد المؤسسات التي تعتني بالترجمة محدودة جدّاً، وأغلب دور النشر تتكئ على المترجم لتسترشد به، أضف أنه لم يتم بعد دراسة المكتبة العربية لتحديد ما تحتاج إليه؛ وتشير إلى مواطن النقص فيها، كما أن الجامعات العربية تستثمر المنظومات والطاقات في داخلها لتستفيد من جهد دارسي اللغات وتعمل على إقامة جسور بينهم وبين مراكز الترجمة المختلفة في العالم.