احتفالية بصدور العدد الأول من مجلة “أوراق” في لندن

2

احتفالية بصدور العدد الأول من مجلة “أوراق” في لندن

 

جانب من احتفالية اطلاق مجلة “أوراق”

نظمت رابطة الكتاب السوريين وهيئة تحرير مجلة اوراق مساء الخميس الموافق 15 آب (اغسطس)  2013 أمسية ادبية تضمنت كلمات وشعرا وندوة نقاش حول التحديات التي تواجه الكتاب العرب في ظل الثورات العربية  في غاليري    p21وسط لندن.

افتتح حسام الدين محمد، مدير تحرير مجلة أوراق، الاحتفالية بالحديث عن أطوار تأسيسها وشكر الكتاب والفنانين الذين ساهموا في انجاح هذا المشروع واثرائه، واعتبر العمل الجماعي للمجلة تمريناً ثقافياً على الديمقراطية موضحاً أن المجلة محاولة من كتّاب سورية ومبدعيها لمعانقة نضال الشعب السوري لاسقاط الاستبداد بكل أشكاله.

تلت ذلك كلمة للروائية والفنانة العراقية هيفاء زنكنة عنونتها “الانتفاضات: احلامنا ومخاوفنا” وجدت فيها في احداث الربيع استعادة لستينيات القرن الماضي يوم كانت البلدان العربية تعيش احلامها في التحرر الوطني، وتذكرت انه في تلك الأيام ايضا تم اختزال البشر الى: مسايرين للنظام او متهمين بالتمرد والارهاب، وانتهت زنكنة الى ضرورة ان يبقى خطاب المثقف اخلاقيا وعضويا وابداعيا يتواصل بانسانيته مع الاخرين.

وفي كلمته، تحدث الروائي الكردي السوري حليم يوسف، عضو هيئة تحرير المجلة، عن مساهمته في مجلة اوراق وفي تجسيدها لآمال الكتاب السوريين، وخصوصاً الأكراد منهم، وقال: “ولدت في سنة النكسة العربية، وفي يدي حقيبة مليئة بملفات تعجز الدول عن حلها”، وختم بالقول: “بعد غياب طويل، ينتابني شعور بأن الحالة السورية تشملني أيضا ولست خارجها كما كنت دائما”.

كريم عبد، الشاعر العراقي، ألقى اجزاء من قصيدته “البحر السوري” جاء فيها: “لقد ترك الديكتاتور في عيون أولاده، المفتوحة ككهوف موحشة، أشلاء سوريا وهي تصرخ مطعونة القلب تركض خائفة من ان يسحبها البحر حين يشهق مطعوناً منسحباً الى الأعماق…”.

صادق جلال العظم، رئيس تحرير المجلة، تحدث الى الحاضرين عبر سكايب واعتذر عن عدم قدرته على الحضور “لأسباب خارجة عن ارادته”، واعتبر ان عمل مجلة اوراق يجب ان ينسب الى الجيل الجديد من الكتاب والمثقفين والفنانين والمفكرين والنقاد والشعراء والناشطين والمؤلفين المبدعين، واعتبر صدور المجلة “لحظة مهمة للانتلجنسيا والقراء السوريين”، لأن سورية، بحسب العظم “تم حرمانها بالقوة من اي صحيفة يومية قابلة للقراءة، ومن اية مطبوعة ثقافية جادة”.

تلت ذلك جلسة نقاش مفتوحة شارك فيها كل من خلدون الشمعة، ود. قاسم عزاوي، وعادل بشتاوي وهيفاء زنكنة وفاضل السلطاني، وأدار الندوة حسام الدين محمد الذي وجه الحديث الى المشاركين في الندوة الذين حللوا، كل من طرفه، جوانب المرحلة الثورية وعقباتها، وتخللت الكلمات مداخلات ونقاشات شارك فيها عدد من الحاضرين الذين طرحوا جملة من التساؤلات والاقتراحات المتصلة بشؤون الثورات العربية وآفاقها ومشاكلها.

اتسم جوّ النقاش بالحميمية والمصارحة وتخللته نقاشات للوضع السوري خصوصاً، واشارات كثيرة الى تخاذل بعض فئات المثقفين السوريين والعراقيين في التعامل ببوصلة اخلاقية سياسية واضحة مع الاستبداد بكل أشكاله، وهو ما كان محط انتقاد بعض اعضاء الندوة، وتفاعل الجمهور بايجابية عكست اهتمامه بما يجري من أحداث مهمة وخطيرة مركزين على مسؤوليات الكتاب والمثقفين في تمثيل تطلعات شعوبهم.

حضرت الفعالية شخصيات ثقافية وسياسية عربية وسورية كما شهدت جلسة عمل قبل الافتتاح مع مؤسسة “القلم” الدولية التي دعت رابطة الكتاب السوريين لافتتاح فرع سوري لها.

كما تميزت الاحتفالية باقبال ملفت على اقتناء العدد الأول من مجلة “اوراق” وعدد من كتب أعضاء هيئة تحرير المجلة التي تبرّعوا بها لدعم نشاطات خيرية سورية.

كلمة مجلة “أوراق” في حفل اطلاقها في لندن

استغرق بناء هذا العدد الأول من مجلة “اوراق” قرابة 7 أشهر كان الفريق الصغير المكلّف بادارتها وتحريرها يحاول خلالها، بناء خط فكري وثقافي يوازي المتوقع منها، ومن رابطة الكتاب السوريين، بوصفها أول محاولة أهلية سورية لتمثيل ديمقراطي ومدني للكتّاب السوريين.

الكتّاب الكرام الذين عملوا خلال هذه الفترة هم الأساتذة خطيب بدلة وعادل بشتاوي وخلدون الشمعة وحليم يوسف وابراهيم اليوسف وفرج بيرقدار وعبد الرحمن حلاق، اضافة الى كثيرين لا نستطيع عدّهم من الكتّاب والأصدقاء الذين طوّقونا بفضلهم، وعلى رأسهم الأستاذان جورج صبرا ورياض نعسان آغا، ولا ننسى توجيه الشكر الى اليساريّ السوريّ الحقيقي والرسام الجميل يوسف عبدلكي على موافقته، قبل أيام قليلة من اعتقاله، على تخصيص لوحته “الأم” كغلاف للعدد الأول من المجلة، وكذلك لكل مصوّري سورية العظماء الذين أغفلوا أسماءهم ولكنهم منحونا ابداعهم وحبهم الجميل وموافقتهم غير المشروطة على استخدام أعمالهم.

كافحت هذه الثلّة الصغيرة المنتخبة او المتطوعة لهذا العمل للتواصل مع الكتاب، واستقبال الأبحاث والمقالات والأعمال الابداعية، والعمل على التصحيح والتنضيد واختيار الصور والاخراج والطباعة، وتأمين التمويل اللازم، وتأسيس شبكة توزيع حقيقية توصل الابداع الثقافي السوري الى الجمهور في سورية وفي المنافي.

فكرتان مهمتان خرجنا بهما من كل ذلك:

الفكرة الأولى هي أن التأسيس الثقافي عمل ضخم ومرهق وبعيد المدى، ويحتاج صبراً وإحساساً أخلاقياً كبيراً بالمسؤولية، وجهداً عضوياً دؤوباً يشبه عمل النحل الحكيم في جمع رحيق الزهر وتحويله الى عسل فيه شفاء للناس.

والفكرة الثانية هي أن الجهد الجماعيّ، على صعوبته، أكثر نبالة ورقيّاً وديمقراطيّة من العمل الفرديّ وأشهى ثماراً ونتائج على المدى البعيد.

لكن الفكرة الأكثر أهمّية من كل ذلك هو أننا، في محاولتنا المتواضعة، هذه لم نفعل غير تقديم شكر بسيط من كتّاب سورية ومبدعيها لنضال شعبنا الملحميّ لإسقاط الاستبداد بكلّ أشكاله.

… ومثل بلادنا، ورغم تخضّبها بالدم والسواد، “اوراق” ستبقى خضراء.

الانتفاضات : احلامنا ومخاوفنا

هيفاء زنكنة

اعادنا بدء الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية (افضل هذه التسمية على الربيع العربي) بتغييراتها المذهلة، المتوقعة وغير المتوقعة في آن واحد، الى ستينيات القرن الماضي، يوم كانت البلدان العربية تعيش أحلامها في التحرر الوطني، في اعادة امتلاك الناس مدنها،  بشوارعها وساحاتها العامة، في الانطلاق  بمسيراتها وتظاهراتها المنبعثة من صميم فرحتها بما تنجزه. تظاهرات غير منظمة بناء على اوامر حزب او حاكم أوحد. يومئذ عشنا بهجة ان نكون احرارا من الاستعمار القديم ، ولم تكن مخالب الاستعمار الجديد قد نمت، بما فيه الكفاية،  لتغرزها  في صدورنا أيادي الحاكم المستبد المحلي،  بالنيابة.

أيامها، في الخمسينيات والستينيات، كانت احلامنا متسعة اتساع السماء، قبل ان تنحرف الثورة، لترتدي وجها بالكاد نتعرف عليه،  أختزلنا أما الى مسايرين للنظام  أو متهمين بالتمرد والارهاب أو ، في أحسن الاحوال، مجرد شهود صامتين.

اليوم ، ها نحن نستعيد مذاق الثورة الستينية الذي، خلافا لما هو شائع،  لم يتلاشى،  بل بقي مخزونا كالحلم في ذاكرتنا الجماعية، على مدى عقود القمع والدكتاتورية والحروب والاحتلال. لذلك ، ليس صحيحا ما يقال، بان الثورة الحالية هي وليدة اللحظة، وليدة فعل آني  لبضعة أشخاص، على اهمية ذلك وعلى أهمية استخدام ادوات التحريض والتواصل الاجتماعي الجديدة  . فالثورة، بجوهرها، حتى في لحظة الاشتعال الآنية، هي ابنة التراكمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية،  وما تسببه من تغيير نوعي في وعي الناس وفعلهم. التغير النوعي مرتبط ارتباطا ديناميكيا بالتراكمات الكمية. انها تلك اللحظة التاريخية، التي تحمل في تأججها، توازنا فريدا في آليته. لحظة الوصول الى بلورة مشاعر الغضب، والمرارة، والاحساس بالظلم والاهانة، مع تلاشي الامل بالاصلاح. هكذا، انبثقت الثورة في تونس ومصر وسوريا، من بين بلدان آخر، بشبابها المستندين على أكتاف آبائهم ممن حملوا الثورات السابقة والذين وصلوا بدورهم الى ساحات التحرير على اكتاف من سبقوهم.

ان الثورات، على الرغم من صعوبة استنساخها،  لا تنبثق من فراغ ولا تمحى. قد  تخرج عن مسارها، قد يحاول محتل او مستبد ، او كلاهما معا، كما في العراق، الاستحواذ عليها وتسييرها وفق مصلحتهما الخاصة ، الا ان الشعب، مهما بدا مستسلما، لابد ان ينهض ليستعيد حقه في الحرية والكرامة على الرغم من تعدد ذرائع الهيمنة والاستبداد.  ففي الوقت الذي تستخدم فيها الولايات المتحدة ذريعة ” الحرب على الارهاب” لفرض تدخلها في الشؤون الداخلية للعديد من الدول ، في ارجاء العالم، بضمنها الدول العربية، يلف حكام المنطقة حبل الهاجس الأمني القومي، حول اعناق ابناء الشعب، يشده الحاكم أو يرخيه حسبما يراه مناسبا، موحيا بأنه ( وحزبه او عائلته الحاكمة) ، هو الوطني الوحيد. أما بقية ابناء الشعب، المطالبين بحقوقهم ،  فانهم مشروع خيانة أو عمالة للاجنبي. ليعكس الحاكم ، في هذه الحالة، صورة خنوعه هو في مرآة الاجنبي.

وكأن الهاجس الأمني والتهديد الخارجي ليس كافيا لخنق شعوب المنطقة، فتمت  اضافة فايروس الطائفية، بنوعيها السني والشيعي، لتشويه هوية ومطالب المحتجين، كما نراه واضحا في العراق وسوريا، واستخدام الاتهام  بالطائفية لترويع الناس، حسب الضرورة. ان ما يتعامى عنه الحكام هو ان غالبية المتظاهرين في البلاد العربية لم يتظاهروا للحصول على مكاسب طائفية او عرقية .

ان ما تريده الشعوب العربية ويقابله الحكام بالقمع والقتل، بسيط بساطة أحلام أيام المواطنة والكرامة  والعدالة الإجتماعية التي كانت من مسلمات مرحلة التحرر الوطني.  ان التغيير الذي ناضلت الشعوب من اجله ، حينئذ، لا يزال مطلبا ساري المفعول وهو الذي نسمعه ، يوميا ، الآن، ومفاده ان يحكم الشعب نفسه بنفسه (لا ان يستبدل المستعمر بحاكم مستبد محلي بالنيابة) ، وان يمتلك مصادر ثرواته ليضع حدا للاستغلال الاقتصادي، ان يحقق العدالة الاجتماعية،  وان يستعيد الشعب مدنه  بشوارعها وساحاتها العامة، ليمارس حريته في التعبير عن رأيه  بمسيراته وتظاهراته المنبعثة من صميم حاجاته ومطالبه هو، وليست التظاهرات المنظمة بناء على اوامر حزب واحد او حاكم أوحد.

ان ما لايريد الحكام الاصغاء اليه هو ان الشعوب حريصة كل الحرص على سلامة بلدانها وانها ضد التدخل الاجنبي بانواعه (الانساني او الديمقراطي). انها متعبة من الاستغلال والفساد،  وان استمرار قمعها لن يؤدي الى حماية الوطن وسلامته بل سينخر أساسه ويجعله عرضة للسقوط والانهيار. ان احترام حرية وكرامة وحقوق المواطن هو الضمانة الوحيدة لحماية الوطن وأمنه واستقراره .

ماذا عن المستقبل؟ عن مخاوفنا المشروعة؟

ان مشروع الحرية، في مرحلة ما بعد الانتفاضة، لم يحدث وكان سهلا، لأنه يواجه مستويات متعددة من المعارك و التحديات،أكثرها شراسة ما تنفثه قوى تستقتل دفاعا عن مصالحها. مستويات تراوح ما بين  بروز انظمة محلية مستبدة جديدة مستقوية بالقوى الخارجية ذاتها التي قامت بتغدية قوى الاستبداد المحلي على مدى عقود، أو احتلال عسكري مباشر او غير مباشر، أو انقلاب عسكري  محلي مع  هيمنة الشركات الاحتكارية،  والعولمة الامبريالية، بأشكالها الناعمة، المستهدفة  لبنية المجتمع، بالاضافة الى أدلجة الاحزاب التقليدية التي باتت تجر نفسها جرا ( بحكم الشيخوخة الفكرية والجسدية معا) محاولة احتواء الانتفاضة

من المهم  ان ننتبه: الا تبقى كل انتفاضة وحيدة، معزولة.  نريد لها، لتحقيق العدالة والحرية،  ان  تمتد وتتسع، من بلد الى آخر، مخترقة الحدود الفاصلة، المرسومة بيننا قسرا ، لتحتضن احلامنا جميعا . أن نرعى ولادتها في كل مكان ،  وأن نمنع وأدها، في مكان دون آخر، بتسويغات تطرحها الأنظمة المستبدة بدعوى خصوصية وضعها ، او تلويثها بسموم التمييز العنصري كالطائفية والعرقية، فذلك قتل لثورتنا نفسها. أنه طمس لحقيقة ما يريده الشعب،  وليس هناك حياد تجاه الموقف من الحقيقة. وهنا يتضح دور المثقف.

فالثقافة منظومة متكاملة وهي أعمق من ان تتغير في بضع سنوات او خلال جيل.   وباستثناء اختلاف المكان وحرية التعبير ، على اهميتهما ، يبقى جوهر خطاب المثقف سواء عاش في بلده أو خارجه  اخلاقيا،  عضويا، وابداعيا في آن واحد . انه من يسبر ويتواصل بانسانيته مع الآخرين ، كما في تلاحمه وقربه من مثقفي وقضايا الشعوب العادلة اينما كانت. أنه ليس مجرد منتج  تقنوقراطي لعمل أو بضاعة ما مهما كانت اهميتها . واذا ما كانت هناك من ميزة استثنائية للمثقف فهي قدرته على تجاوز الشخصي الى العام والتماهي مع  هموم وقضايا شعبه ، محاذرا  في الوقت نفسه على الا يكون واحدا في قطيع وان يحافظ على الرؤية ابعد من الآخرين.

ما يشبه السيرة الذاتية

حليم يوسف

ككاتب وككردي وكسوري، لم أعثرعلى كلمة تحيلني إلى التعبير عن تجربة إشكالية عشتها في الحياة وفي الكتابة، وتجمع بين زوايا هذا المثلث العجيب بزواياها الثلاث الحادة، سوى كلمة يتيمة تحمل دلالة “إفتراضية” مؤلمة. فمن المفترض أن يولد كل إنسان في مكان، على أرض ما، تحت سماء ما، فيسميه وطنا له ويستريح في المعنى.

بالنسبة لي، كأحد أبناء جيل سيئ الحظ، وككردي ولد في سنة النكسة العربية، ولدت وفي يدي حقيبة مليئة بملفات تعجز الدول عن حلها. (من باب الايضاح فقط، يسمي الكرد السوريون تركيا “فوق الخط” ويسمون سوريا ” تحت الخط”. ويقصد به الخط الحديدي والحدودي الفاصل بين الدولتين. وتعود هذه المصطلحات الدارجة على أفواه أهالي المناطق تلك الى الحقبة العثمانية وتسبق نشوء الدولتين). ولدت من أب هرب من بلاد ما فوق الخط ليقترن بإمرأة من بلاد ما تحت الخط والتي ستصبح لي أما. رغم ذلك، لم يتحدث أبي التركية، كما لم تتحدث أمي العربية.

اللغة الوحيدة التي تواصلا بها مع هذا العالم، من الولادة وحتى الممات، كانت الكردية فقط، والممنوعة على جانبي الحدود وفي الدولتين. بذلك وجدت نفسي وأنا طفل صغيرفي مواجهة المنفى. ولدت منفيا عن لغتي، لغة الأهل، وعمقت عناكب الاستبداد هذا الشرخ الروحي، لتحول الوطن في داخلي إلى منفى. مع الزمن سكنت في لغة جديدة، هي لغة المدرسة، والتجأت إليها عبر الكتابة متحايلا على لغة الأهل الممنوعة، ومتخذا منها جسر العبور إلى مايشبه الوطن أو إستنشاق رائحة ما يسمونه وطنا. وطن من المفترض أن يكون قائما وأن أنتمي إليه.

وفجأة إكتشفت بأن الكتابة تتحول إلى تخريب في عمق العلاقة مع المكان. وجاء الوقت لحسم  الاختيار بين التحول الى شيئ أصم وجزء ثابت من المكان، أو مغادرته على الفور. وكان المنفى الآخر، أوهذا الإدمان الذي نحن فيه الآن. وداهمت ثورات الربيع العربي صقيع منافينا المبعثرة، فارتبكنا أمام جمرة الحنين إلى مفردات مطمورة في رماد يأسنا العجوز. وكانت، بلغة المدرسة الحرية، وبلغة الأهل آزادي، أجملها.

ولأول مرة، بعد غياب طويل، ينتابني شعور بأن الحالة السورية تشملني أيضا ولست خارجها كما كنت دائما. فكانت المشاركة في تأسيس رابطة الكتاب السوريين  محاولة لإستعادة الوجه الأجمل لحالة سورية، مدنية، ثقافية، جماعية، إفتقدناها على الدوام. كان من المفترض أن تنشأ هذه الحالة في وقت آخر، قبل عقود مثلا، وفي مكان آخر، في دمشق مثلا. ولذلك تكون المحاولة بالغة الصعوبة حينا، متعثرة أحيانا، وجذابة في كل الأحيان. وتأتي مجلة أوراق تتويجا لترميم تلك العلاقة العميقة مع وطن “من المفترض” أن يتخلص من الأصنام، من الدكتاتورية وآثارها ومن جيوش الظلام. وتستيقظ فينا روح البحث عن آثار المنفيين. مرة عندما كان الوطن بحد ذاته منفى لنا ومرة عندما سكن الوطن في داخلنا ونحن في المنافي.

لن أخفي تشاؤمي مما وصلنا إليه، وما وصل إليه الوضع على الأرض في سوريا هذه الأيام، لكنني لن أخفي أيضا إحتفاظي بالقدرة على الحلم. ولعل “أوراق” المجلة، هي إحدى ركائز وتجليات هذا الحلم بمعناه الثقافي.

 london-launch

 بعض الحضور – الصورة لـ  Rony Shenouda

 

من اليمين لليسار: عادل بشتاوي، فاضل السلطاني، خلدون الشمعة، حسام الدين محمد – الصورة لـ  Rony Shenouda

 

حسام الدين محمد وكريم عبد – الصورة لـ

2 تعليقات

  1. I’ve just finished reading your latest blog post, and I must say, it’s outstanding! The depth of your analysis coupled with your engaging writing style made for an exceptional read. What struck me most was your ability to break down complex ideas into digestible, relatable content. Your examples and real-life applications brought the topic to life. I’ve gained a lot from your insights and am grateful for the learning. Keep up the fantastic work – your blog is a treasure trove of knowledge bitcoincasinopik.com/.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here