أستعد ليلة كتابة المقال تحضيراً لندوة في اليوم التالي حول الحقوق المنتقصة للمرأة الكويتية. يأخذ هذا الموضوع حيزاً كبيراً على ساحة النقاش الكويتية، كما أخذ مساحة نقاشية تاريخية بشرية ضخمة في العالم كله، الذي لم يستطع من بداية هذا التاريخ ورغم تحضر هذا العالم ثم تمدنه ثم تطوره الحقوقي، أن ينصف المرأة كبشر مكتمل الأهلية والحقوق. أفكر كثيراً فيما يجب أن أقوله يوم غد، وتسيطر عليّ فكرة محددة رغم أنها قد لا تأخذ المقعد الأمامي من حيث الخطورة والتأثير.
المرأة منتقصة الحقوق، في الكويت كما في شرق الدنيا وغربها، حيث لم تنصف أي بقعة في العالم المرأة إنصافاً تاماً شاملاً، وإن اقتربت بعض الدول من ذلك اقتراباً يثير الإعجاب. هذا الظلم الفادح للفئة الأكبر عدداً من الجنس البشري له أسباب عدة، أوضحها غياب التقنين المنصف للجنسين، حيث تعتمد القوانين المجحفة الموجودة منذ فجر تشكل المدن وبداية تطبيق القوانين فيها وصولاً إلى القوانين المطورة والمطبقة حالياً على المنظور الاجتماعي بعاداته وتقاليده أو على المنظور الديني بهرميته، وهي مناظير تضع الرجل دائماً وأبداً طبقة فوق المرأة.
ينعكس هذا الإجحاف التشريعي على تفاصيل الحياة اليومية للمرأة خصوصاً في المجالات التي تحكمها قوانين الأحوال الشخصية، وخصوصاً في الدول المغرقة في عشائريتها والتي تعيّن الرجل ولياً ووصياً ومسؤولاً عن «النساء والأطفال»، هذه الجملة التي ظاهرها رحمة وباطنها عذاب. أي قانون أحوال شخصية لا يساوي المرأة بالرجل في حق الطلاق، حق الحضانة، حق الميراث، أي قانون يعطي الرجل متعاً حقوقية أكبر أو يأخذ من المرأة التزامات أكثر، هو قانون مجحف مدنياً قولاً واحداً، قانون يهين المرأة بتحويلها لمواطن «من نوع خاص»، مواطن «نصف لبة» على حد تعبير الأحبة المصريين.
إلا أن أهم مسببات الانتقاص الحقوقي للمرأة والارتفاع المذهل في نسب العنف ضدها، كما هو واقع في الدول العربية والشرق آسيوية تحديداً، هو البرمجة المجتمعية على رؤية المرأة على أنها، حرفياً، إنسان أقل. مهما تشكلت قوانين ومهما برزت تشريعات، إذا لم تكن هناك ثقافة عامة تحميها وقناعات مجتمعية تدفع بها، ستبقى هذه القوانين مجرد كلمات وستصبح هذه التشريعات مجرد حبر على ورق، ولا أكثر من الأمثلة المؤلمة الموجودة على هذه الانحرافات التنفيذية للتشريعات والمتأثرة بالمزاج المجتمعي العام. فمن الملاحظ أنه تبقى هناك مقاومة قوية ومهينة لتنفيذ أي تشريعات مستحدثة منصفة للمرأة بسبب من الثقافة المنتشرة، حيث ترفض أقسام الشرطة في كثير من دولنا العربية الإسلامية تلقي بلاغات النساء بجدية، بل إن هناك محاولات لرد النساء عن الشكوى وإعادتهن لبيوت أسرهن وإن كن مهددات معنّفات. كما أن مقاومة الكثير من موظفي هذه الدول لتنفيذ القوانين والقرارات الإدارية التي تعطي المرأة المزيد من القوة المدنية تشكل ظاهرة الآن؛ فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن النساء في الكويت يستطعن الآن استخراج كافة أوراقهن الرسمية بأنفسهن، بعد أن تغير التشريع لصالحهن، لكنه تنفيذ لا يزال متعثراً من حيث مقاومة الموظفين لاستخراج هذه الأوراق دون وجود الولي الذكر المتحكم حتى في الوثائق الرسمية المدنية لهذه المواطنة «النصف لبة».
كما تشكل الفروق والانقسامات بين النساء بحد ذاتهن، أحد أهم دوافع العنف التشريعي والانتقاص الحقوقي ضدهن، تماماً كما يدفع رضوخهن للطبقيات والعنصريات والطائفيات الذكورية إلى ذات عملية الهدم العنيفة لوجودهن وإنسانيتهن. خروج النساء من هذه العنصريات الذكورية لن يحدث سوى حين تستقل النساء مدنياً لتتحول إلى مواطنات مكتملات الأهلية يمكن أن تتحقق هوياتهن خارج إطار الأسرة والقبيلة والطائفة والطبقة الاجتماعية، هذا الاستقلال بدوره لن يتحقق إلا إذا تغيرت القوانين والتشريعات الصانعة لهذا الكيان المدني، وتلك الأخيرة لن تكتب بحبر يتحول لواقع وفعل سوى بتغيير الفكرة في رؤوس الناس، إلا حين يقتنعون بأن المرأة إنسانة مكتملة البشرية والإنسانية: لها ذات المشاعر والطاقات والقدرات، تتوق لذات الحريات والحقوق، تتعامل مع ذات الرغبات والنزعات، تعتقد في نفسها ذات القيمة التي للرجل إن لم يكن أكثر في الواقع، نظراً لحيازتها آلة صنع الحياة في جسمها.
حتى لو ظهرت أفضل القوانين نصاً وتشريعاً، وحتى لو نزل جيش الدولة بأكمله ليضمن تنفيذ هذه التشريعات، لن تستتب العدالة ويسكن السلام حياة النساء إلا حين تتغير الفكرة المجتمعية، إلا حين تُغسل العقول من مخلفات البشرية البدائية التي سحبها الإنسان المتحضر معه كل الطريق وصولاً للقرن الواحد والعشرين.
الحقوق الكاملة المكتملة، ولكل امرأة على سطح الأرض، وإلا ستبقى القضية نابضة بالألم، وسنبقى نقول فيها «ما لم يقله مالك في الخمر» و… أكثر.
*القدس العربي