أعرِفُكِ مصياف..

0

شيم محمّد العبدو، شاعرة سورية من مواليد مدينة مصياف 2001، تكتب الشعر ولها قصائد منشورة.

أوراق 19- 20

شعر

تخرُجينَ من كَهفِ أُسطورةٍ مجهولةٍ

لِتُطلقي سراحَ الأرضِ من أسرِ نفسِها..

تَرفَعينها إلى حيثُ يُمازِجُ الغيمُ التّرابَ

ويُمازِجُ السَّرمديُّ اللّحظيَّ..

تُعِدِّينَ للفجرِ قبلَ طلوعِهِ لونَهُ

وتُمَشِّطينَ بأشجارِ غابتِكِ السّرّيّةِ وجهَ الرّياح

لِتَسوقيها بخفّةٍ إلى الممرّاتِ اللّامرئيّةِ

الّتي تنفَتِحُ على السُّؤالِ الأوّلِ

هُناك

حيثُ تَقبَعُ الحِكمةُ

الّتي تُلبِسُ الأشياءَ غموضَها

وتُكاشِفُ الوجودَ بأزليّتِه..

*

أعرِفُكِ مصياف وأعرِفُ أحزانَكِ

وأعرِفُ أنّكِ تَلِجينَ قصيدتي دونَ أن أنتبِهَ

وتشرَبينَني فيها إلى أن أرتوي

فأنا حينَ أكتبُ أَلقاني فيكِ

وحينَ أَلقاني فيكِ أَصيرُكِ..

أَعرِفُكِ وأعرِفُ كيفَ أستأصِلُ الصّمتَ السّحيقَ

من جوفِكِ المشاعِ للملائكةِ

لأَستخرجَ منهُ

ما خبَّأَتْهُ السّماءُ فيهِ من كلامِ الأنبياء،

وأُراقِبَ كيفَ تنصهرُ أصواتُنا فيهِ

لِنَكونَ ذاكرتَه..

*

تمتدُّ الأُغنياتُ في طرقاتِكِ

فتصيرُ لانهائيّةً..

تَمُدّينَ في طريقي

خطواتٍ أسبقُ بها ظلّي

فيصيرُ جسدي

ظِلّاً لنهرٍ لانهائيٍّ

يَنبَعِثُ ويصبُّ في تلكَ الأُغنياتِ اللّانهائيّة..

*

تُهَيِّئينَ لعاشِقَينِ وهجَ الأحلامِ

ثُمّ تخلدينَ إلى ليلِكِ الطّويل..

تَحرسينَ أبوابَنا من النّسيانِ

لِتَتذكّرَ أسماءَنا ووجوهَنا إذا ما نحنُ نسيناها..

تُدَرِّبينَ اللّغةَ على العَصفِ

وتترُكينَ البابَ الخلفيَّ لخيالِ الشّاعرِ مفتوحاً..

*

لا يدخلُ الزّمنُ إليكِ

إلّا حينَ يخرجُ من نَفسِهِ..

يحسبُ دقائقَهُ- كيفما تُمْلينَ عليه-

على الشّرفاتِ الّتي تُناوِلُ الهواءَ عطرَها

وعلى مناشِرِ الضّوءِ الممتدّةِ على سطوحِكِ

والّتي تُوَسِّعُ الأُفقَ بألفِ احتمالٍ للحنٍ جديد..

*

عائدةً من أقصى الحبِّ آتيكِ

وقد نَذَرْتُ شِعري ليدٍ

تُشابِكُ عن غيبٍ شاماتِ عنقي

ثمّ تقولُ لي

إنّها قد أحدَثَتْ شكلاً لعلامةٍ موسيقيّةٍ

لا تُقرَأُ إلّا لثماً..

عائدةً من أقصى ارتعادي، أَجتَلِيني

وقد نَذَرْتُ جسدي لشفاهٍ

تُتقنُ اعتصارَ ليلِكِ وخلطَهُ بدمي..

لشفاهٍ تعرفُ

كيفَ تُهَجّي الماءَ بالنّارِ فوقَ صدري،

وكيفَ تُؤَوِّلُ ما تقولُ أنّهما وجها حتفِها

إلى قَصيدتين

أو مَشرَبين يشقُّ المسافةَ بينَهما

سيلُ الأنفاسِ المُتَهَدِّجة..

*

تُوشوِشينَ في قلبي

بينما أُحصي بينَ أحيائِكِ

عددَ الأحجارِ الّتي عمّدتْها كفُّ جدّي:

“الشِّعرُ؛

كلُّ شعرٍ مُقفِرٌ

ما لم يكُن للحُبِّ مدَّاً أو جزراً..

الأجسادُ؛

كلُّ جسدٍ مُقفِرٌ

ما لم يَفِضْ عن حاجتِهِ

ويُغَطِّ بفائضِهِ سماءً راهنةً

ترْتَشِحُ فوقَ سرير..

كلُّ جسدٍ مُقفِرٌ

ما لم يُنَصِّفْهُ اللّيلُ إلى نَهارين..

الإيمانُ؛

كلُّ إيمانٍ نافِدٌ

ما لم يُبَرهِنْ على نفسِهِ بضدِّهِ..

ما لم يَغْزُ لغةَ الأشياءِ وشيئيّةَ اللُّغةِ

قبل أن تغزواه.