أحمد عمر : صرمايتك يا وطن

0

البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير، والبوط يدل على انتصار الرئيس، والعياذ بالله من شِّره وشرِّ إبليس. وبما أن بلادنا المستقلة، المعاصرة، الحديثة، الفاضلة، تنسب لرؤسائها المنتخبين والمنتجبين، فإنّ رموزها وعلاماتها وآياتها تدلّ على صاحب البلاد ومالك شعبها.
فإذا كان الرئيس يتحدّث عن الفكّة فهو عاشق للقرش. وإذا كانت أنصاب البلاد نعالاً عسكرية، فإن ذلك يوحي بأن صاحبها طنبوري. الحكاية، يا طويل العمر، وعالي الكعب، أنّ الفنان دريد لحام تمنّى أن يكون “صرماية” الوطن في حوار “مع أمل”، فيما لو كان الوطن حافياً. والصرماية، حسب موسوعة حلب المقارنة، لفظ تركي هو صيرمه، وتعني القصب، وكانت الأحذية مزينةً بالقصب، أو لفظ فارسي هو “سرموزة”، ويعني فوق الحذاء. أشهر رمزين سوريين حالياً هما الصرماية والسيد الرئيس، فأنعم بهما وأكرم.
مجاز صرماية الوطن في الجملة التي كتبت في مسرحية شقائق النعمان غريب ومرسل (من غير طوابع)، فليس في المجاز العقلي من علاقةٍ سببيةٍ، ولا فاعلية، ولا مفعولية، ولا زمانية، ولا مكانية، ولا مصدرية بينهما، والمجاز كتب تعبيراً عن التذلّل لربٍّ ووثن، هو الوطن، وليس كنايةً عن سير الوطن ومشيه، والمعنى في قلب القائل، والمسمار في كعب الصرماية. ولا أستطيع أن أزدرد، بأسنان خيالي وأضراسه، المجاز في الوطن والصرماية، وإن كان مفهوما و”متجانسا” وشائعا في “الخبز الحافي”، عنوان رواية محمد شكري، وتأويله أن تأكله وحده. كانت جملةً رديئةً من مسرحية قديمة خدعنا بها الفنان المخادع، وربما يمشي الوطن فقد رحل إلى روسيا وإيران.
وقد كان لحام فناناً في نصوص نهاد قلعي بالأسود والأبيض، وفي نصوص محمد الماغوط أفل نجمُه وشاخ. والآن هو فنان متقاعد في محراب عبادة الرئيس وفي حربه وفي “سر موزته”، فالرئيس هو الوطن، وغالباً سيد الوطن. إشاعة الأمل لا تتم بحصّة تلفزيونية، ولا بحوار كوميدي متقاعد مع مغنية سابقة، اسمها أمل أو رغدة. الأمل يشاع بالعدل، وبالشعب كله، حتى وإن كان حافياً وغير متجانس.
ومن الغرائب أن إحدى أدوات القتل في سورية، غير البراميل والسارين والكهرباء والدولاب والرصاص غير المطاطي وعناقيد الحقد الفوسفورية، كانت الصرماية التي تمنّاها دريد لحام، لمّا تمنّى، خيالاً مثل خيالي فأعيا، تشهد بذلك أفلام وشهادات أحرار أمثال منتهى الأطرش، ونظمي محمد، ومحمود عاشور الذي يروي في هذه الأيام، في برنامج “مراجعات” ذكرياتٍ قاسية في سجن تدمر، لم نسمع بمثلها سوى في محاكم التفتيش، وذكر أنّ سجاناً كنيته أبو جورج قتل عفساً ورفساً خمسين معتقلاً.
قيل إن عبارة “العقل السليم في الجسم السليم” خاطئة، وقيل إن الصواب هو “الجسم السليم في العقل السليم”، ولعل الصواب هو الإنسان العظيم في الوطن الكريم. وقد شهدت عشرات الشهادات التي قالت إنّ غزاة البيوت السورية من الجيش الباسل المقدام كانوا يعجبون كيف يثور شعبٌ لديه برادات وغسالات، والتعفيش دليل وبرهان على القول. ولو كان النظام يطلق على حملاته الحربية أسماء، كإسرائيل على غزواتها، لكانت أسماؤها: ذات الغسالات، وذات البرادات، وذات المراوح. والحرب كلها اسمها حرب ذات الصرماية.
لا تُقاس الوطنية بالبقاء في وطن ذليل متوّج بالصرامي، وقد تعلمنا أن الذل ينبذ ولو كان في جنان الخلود، وأرض الله واسعة، ولو كان الخروج من الوطن خيانة، ما خرج الأنبياء من أوطانهم، محمد وموسى وعيسى ويونس وإبراهيم وآدم، عليهم السلام. خرج الشعب السوري من وطنه، لأن الصرماية للقدم وليس للرأس.
خالف آدم النص الإلهي، فخرج من الجنة، وتلقى من ربه كلمةً فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم، وخالف دريد لحام وأمثاله من الممثلين كل النصوص التي مثّلوها، وأحبهم الناس فيها ومن أجلها، فخرجنا نحن من الوطن. هتف دريد لحام للحرية وللكرامة، وندَّد بالتعذيب، وكشف ألاعيب المخابرات باتهام المواطنين بقبض الدولارات، وسخر من المختار الذي زعم أن كرسيه هو الوطن. ثم دارت الأيام، فوجدناه يكرّر ما قاله المختار في ضيعة تشرين فظهر كذبه ونفاقه.
البطولة الحقيقية غير بطولة التمثيل، وسجون “أبو البوط” غير قاووش أبو كلبشة وفنجانك يا وطن غير صرمايتك يا وطن.

المصدر : العربي الجديد

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here