تفرُّ من حنجرته عُرَبُ الصوتِ كأسرابِ البط والكراكي حين تدهم طلقة صياد ادغال الزَّل .
تصمتُ حنجرته التي تقلِّبُ مضاجعَ المقامات من النهاوند المخاتل، إلى أسى الحجاز،
لتحلب ضرعَ الغيمِ حزناً فوق رمادِ المدينةِ الثاكلْ.
وأينما هبَّ الهوا يأتي فراتياً.
الهواء المتهم بتبديد رائحة الغائبين
رائحة تختار الهرب من ثنايا الأثير
رغم انها تعشق الإقامة في الذاكرة كيتيم وجد مأوى.
لصوته رائحةُ نسبٍ عريق يمتد من حنجرة جده الذي اجترح نغماً مبتكراً /للنايل/ فحفظه الفرات باسمه
إلى آخر شهقة شوق في حنجرة فتاة تلقط القطن وهي تترنم ببيت سويحلي.
أفهم الآه التي تحالفَ معها منذ النزوح
آهات المغني التي يسحبها على البيات حبيب الكرد…
و يشرِّقُ بها ويغرِّب
في جهات المدى،
مقامات للروح
وشجن ليّن كطين الفرات
ينبت ويتفرع، وأصله ثابت كالصفصاف….
لحنجرته فقط تدين المقامات
ووحده الآن، فمن سيمنحه ذئاب الحناجر، لتعوي عند الجروف…
/يا مفتاح فضة ولا رهم غيرك عليّ مفتاح /
ووحدي مع صوته، لا أدري على أي مقام اتمايل ..
فهذا الترجيع مغروس في جسد الفراق ..
ووحدي أحلب غيمة حتى يمتلىء دلوي بالأنين..
/ يا فيّ النبع واطعم …. عطش صبّير ولا فركاك /
مات كثيرون في البعيد، لكنك عدت لتسكن الديرة في محطتك الأخيرة
هل أحسدك لأنك وجدت مثوى بتراب البلاد
حيث سيظللُ قبرك قداح وشموس وعصافير
مع ذلك لابد من موكب يليق بلوعة الغياب
لابد من وخز الخناجر الراقصة على وجع الرحيل.
رحمة واسعة ياتلك الاغاني على شفاه النحيب…
رحمة للباقين من نداء يلهث في الدم ..
يااغانيك التي تصعد الآن نحو القيامة…
ونوح يشلع القلب لكل المقامات الثكلى
الجاثية على الركبتين،
وهي تتوسل الموت الذي أبرم قراره،
مقامات ترتل الخسارة لبحة في نشيج جرح طري .
أمد كفي في الهواء عسى أن امسك بنوتةٍ هاربة من جرحك ولكن…..
” چف اليگاظب هوا
مرجوعو للخالي”.
*خاص بالموقع