في عصر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، من الصعب عدم ملاحظة ظهور العري و التفاهة واستخدام اللغة النابية في حياتنا اليومية؛ من تويتر إلى فيسبوك ومن إنستغرام إلى تيك توك، يبدو أن اللغة المبتذلة أصبحت هي القاعدة؛ لماذا يحدث هذا وما تأثير ذلك على مجتمعنا، بعض هذه الأسئلة يسعى كتاب “نظام التفاهة” للكاتب والفيلسوف آلان دونو بالإجابة عليها؛ هذا الكتاب المميز في زمنه يجب قراءته من قبل كل مهتم بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على ثقافتنا وحياتنا؛ سوف نستكشف معكم بعض الموضوعات الرئيسية للكتاب وكيفية ارتباطها بالشكل الحالي لوسائل التواصل الاجتماعي.
مفهوم الابتذال والتفاهة
يشكل شرح مفهوم التفاهة جانبًا مهماً ورئيسي في كتاب “نظام التفاهة”؛ حيث يؤكد المؤلف فيه أننا وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، يميل الناس إلى تبني التفاهة والاحتفال بها بدلاً من رفضها، مما يؤدي إلى تدهور القيم المجتمعية؛ لا يقتصر مفهوم الابتذال والتفاهة على مجرد اللغة أو السلوك الفظ؛ بل يشمل أي شيء غير لائق أو مسيء أو يفتقر إلى الذوق الرفيع؛ إنه ينطوي على تجاهل الأخلاق والأدب واحترام الآخرين؛ يسلط دونو الضوء على أهمية إدراك تأثير التفاهة على مجتمعنا وكيفية تأثيرها على حياتنا اليومية؛ ويؤكد بأن تطبيع التفاهة في ثقافتنا يؤدي إلى إزالة الحساسية للسلوك العدائي، مما قد يؤدي في النهاية إلى انهيار الخطاب العقلاني الملتزم في تناول القضايا المجتمعية؛ ويشجع القراء أيضاً على فحص مواقفهم تجاه الفحش والعري بشكل نقدي والنظر في كيفية اتخاذ خطوات لرفضها في حياتهم اليومية؛ تعتبر رسالة الكتاب ذات أهمية خاصة اليوم، حيث أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى ظهور ثقافة الإشباع الفوري، ومن المرجح أن ينخرط الناس في أي سلوك مبتذل ورخيص للإعجابات والمشاركات؛ في هذا النظام الاجتماعي الذي يسيطر فيه التافهين، يتم مكافأة الرداءة والوضاعة والتفاهة بدلاً عن الجدية والمثابرة والجودة في العمل.
ويؤكد الكتاب أيضاً أن الأماكن التي تتمتع بمكانة مهمة في المجتمع والتي تمثلها الجامعات، فقد أصبحت اليوم نوادي ترفيه للشباب أو حاضنة للخبرات الجامدة، وأهملت دورها كمؤسسات تعليمية تلعب دورها في إنتاج الذهن الناقد والمثقفين في المجتمع، بل إنها أصبحت بمثابة بوابات تمكّن النظام الرأسمالي السائد من تبرير أفعاله، وإبعاد الضوء عما ترتكبه من جرائم؛ حيث حثت الخبراء و المختصين على التفكير بطريقة معينة لكي يحصلوا على رواتبهم، كتشكيكهم بتأثير تبعات الرأسمالية على ظواهر التغيير المناخي أو نفيهم للأضرار الصحية لبعض الأدوية والمنتجات كنوع من تخفيف الجدال حولها.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عصر التفاهة
أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا البعض؛ لقد غيرت أيضًا الطريقة التي نعبر بها عن أنفسنا، وفي بعض الأحيان يمكن أن يؤدي إخفاء الهوية على الإنترنت أحيانًا إلى إبراز أسوأ ما في الناس؛ يمكن أن تكون هذه المنصات أرضاً خصبة للغة هجومية وألفاظ نابية وللشتائم أيضاً؛ لذلك فإن كتاب “نظام التفاهة” يستكشف أصول الابتذال وتأثيره على المجتمع؛ في عصر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، حيث يمكن لأي شخص أن يقول أي شيء عبر الإنترنت؛ لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مكانًا يمكن للناس فيه التنفيس عن غضبهم ومشاركة آرائهم، غالباً بطريقة مبتذلة؛ يمكن أيضاً أن يخلق هذا بيئة سامة لا تساعد على التواصل الصحي لذلك يؤكد “آلان” أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر وعيًا بلغتنا وتأثيرها على الآخرين؛ نحتاج إلى التفكير مرتين قبل أن نضغط على “إرسال” وننظر في عواقب كلماتنا؛ يقترح المؤلف أيضًا طرقاً لمواجهة التفاهة وتعزيز الخطاب المحترم والجاد.
أهمية هذا الطرح في مجتمعنا اليوم
في مجتمع اليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نحن مرتبطون باستمرار بالعالم وببعضنا البعض، ونشارك أفكارنا وآرائنا وخبراتنا؛ ومع ذلك، مع استمرارنا في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، تطور نظام التفاهة بمرور الوقت؛ يتميز هذا النظام بثقافة السلبية والنقد المفرط والتركيز على السطحي بدلاً من الجوهر؛ لذلك يكتسب هذا الكتاب أهمية متزايدة في هذا السياق؛ إنه يتحدانا لإعادة فحص علاقتنا مع وسائل التواصل الاجتماعي والنظر في تأثير الابتذال والتفاهة على حياتنا؛ يقدم دونو أيضاً تحليلاً نقديًا للعوامل الاجتماعية والثقافية التي تساهم في نظام التفاهة هذا، ويشير إلى رؤى حول كيفية البدء في مقاومة تأثيرها من خلال فهم الأسباب الكامنة وراءها، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي والعمل على خلق ثقافة أكثر إيجابية وبناءة على الإنترنت؛ و يشجعنا على الانخراط بطريقة أكثر حذراً مع التكنولوجيا والوسائط التي تشكل حياتنا.
ختاماً وفي ملخص مايمكن قوله، يعد هذا الكتاب من الأدب الناقد لعواقب عملية الحداثة الرأسمالية الغربية، والتي تحولت إلى مبالغة في المادية والتهافت على الاستهلاك، بالإضافة إلى تجريد الإنسان من بشريته بدلاً من تحريره والحفاظ على كرامته؛ هذه الرأسمالية المتوحشة تزيد من صناعة الربح وجعلت المال هو الهدف الأسمى للجميع، مهما كانت كيفيته، وجعلت أهل التخصص والإبداع محرومون، حيث أن الالتزام المتفاني بالعمل الجدي وإتقان الصناعة هو الوسيلة الفعلية والوحيدة لكسب لقمة العيش الكريم.