كثيرا ما نشاهد دور المرأة في الأعمال الدرامية منحصر بشخصيات متكررة كلوحة فنية لبيكاسو، حاضرة في كل الأعمال ولا جديد فيها سوى الاسم الذي يختلف من عمل إلى آخر.
فباتت الأدوار نمطية ومملة مثل عمل يسلط الضوء في إحدى زواياه على المرأة المعنفة والتابعة والمقهورة، أو المرأة المتسلطة والمكروهة في مجتمعاتنا والمتحكمة بالشكل العام، أو المشاركة بسوق العمل والمنتجة. وهناك المغرمة الحالمة العاطفية أو المثقفة التي تسمعنا دائما منولوجها الداخلي لنقتبس منه.
كما شاهدنا سابقا في مسلسل “قلم حمرة” وشخصية (ورد) التي جسدتها الفنانة سلافة معمار باحترافية، وإلى الآن ما تزال جملها تسجل وتكتب كحالات على وسائل التواصل الاجتماعي.
إلا أن هناك متغيرات عديدة أثرت على علاقة شركات الإنتاج بالحركة النسوية التي رفضت وطالبت بتغيير كل ماهو منهجي، فحاولت تلك الشركات أن تنفي هذه النمطية والمنهجية. ومع مرور الوقت ساعدت بعض الشيء على تغيير مفاهيمها القديمة.
من خلال عدة عوامل سياسية واجتماعية، مع وجود التكنولوجيا، بات رأي الجمهور واضحا ومسموعا وسريع الوصول، وانتقاداته اللاذعة لا شيء يوقفها إلا تصدير صورة يقنع بها ويحترمها رغم تغير واختلاف الفئات.
ورغم ذلك تبقى هناك فئة طاغية على المشهد، ذواقة وترغب بمشاهدة ما يحسن مزاجها لا أن يؤرقها. ففي النهاية وجدت الأعمال الدرامية لخلق حالة من المتعة والتشويق وإيصال رسالة، فكان لا بد لتلك الأعمال من الخروج من إطارها المكبوت، والارتقاء وتقدير عقل المشاهد.
يقال إن الدراما ليست إلا مرآة تصوّر مجتمعاتنا الداخلية بحلوها ومرّها من خلال محاكاتها لواقع عالمنا العربي بجميع تناقضاته، ولكن في الحقيقة هذه المقولة يختلف عليها كثيرون باعتبار أن الدراما في بعض أعمالها تشوّه الحقائق وتسيء لمجتمعاتنا العربية ولا تخدم القضايا الإنسانية.
ولعلّ قضايا المرأة تشكّل مادة دسمة في الدراما العربية منذ بداياتها، ولطالما أثارت الأعمال الدرامية التي تتطرق لقضايا النساء في العالم العربي كثيرا من الانتقادات لجهة إظهارها في ثوب المرأة الضعيفة الخانعة لسلطة الرجل، أو تصويرها في إطار الجرأة والإغراء، بالمقارنة مع القلة القليلة من الأعمال التي تتطرق إلى الأدوار الريادية للمرأة في المجتمع.
فهل عززت الدراما العربية هذه السنة دور المرأة؟ وهل ساهمت في إبراز قضية تمكينها وقدرتها على العطاء؟
ثمة وجهات نظر كثيرة تصوب السهام على الأعمال الدرامية وتتهمها بتهميش صورة المرأة في الوقت الذي باتت فيه تعتلي وتنافس على أكبر المناصب في العالم العربي، وأصبحت حرية المرأة من أهم القضايا التي تشغل كثيرين، إذ لا تزال بعض الأعمال الدرامية تظهر خنوع المرأة للرجل وتعرّضها للعنف والإهانة، وهو ما يتناقض مع الصورة التي تحاول المرأة الشرقية الوصول لها.
تغيّر على دور المرأة في الدراما السورية
وبرزت في هذا العام مجموعة أعمال درامية اجتماعية ابتعدت عما سبق من السيناريوهات، ويبدو أنها أجرت بعض التغيرات في التفاصيل والقواعد.
وكما يقولون: “دوام الحال من المحال”، بدأ المشهد يتغير، لأن الجمهور بات متعطشا لروح جديدة تروي رمقه الصابر منذ سنوات. إذ خصص حضورا أوسع ومختلفا للمرأة من خلال إقحامها في المشهد السياسي والقانوني وإيصال صوتها لتكون نداً للرجال الذين دائما ما تصدروا المشهد أو نقل حالة اجتماعية معينة بكل شفافية من جانب يوضح معاناة النساء من مجتمعاتهم والقوانين غير المنصفة بحقهم.
ومن الشخصيات التي برزت في دراما رمضان 2022 شخصية (عبلة) التي جسدتها الممثلة السورية كاريس بشار في مسلسل “كسر عضم” للمخرجة رشا شربتجي.
يتم اغتيال زوج الدكتورة عبلة على يد زوجها السابق الذي يحتل منصبا رفيعا في المخابرات السورية. وجسّدت الحرب المفتوحة بين عبلة وأبو ريان، شكلاً من أشكال الصراع بين الخير والفساد، بين مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، والأهم بين المرأة والرجل.
المرأة في الدراما المصرية
وأيضا، هذه التغيرات كانت واضحة في مصر. حيث تزايدت الصور الإيجابية للمرأة لتصل هذا العام إلى نحو 70 في المئة مع دعم خاص لصورة المرأة القوية، فتم رصد مسلسل يناقش قضايا المرأة بعمق وجرأة وواقعية خاصة فى الصراعات التى تخوضها السيدات داخل المحاكم وأقسام الشرطة، وتبعات ما تعانيه النساء بعد الطلاق، وذلك فى المسلسل المصري “فاتن أمل حربي”.
جسدت الشخصية الرئيسية في هذا المسلسل الفنانة نيلي كريم (فاتن)، وتدور الأحداث في إطار اجتماعي درامي حول مأساة فاتن مع زوجها ومشكلاتها الزوجية معه لتقرر الانفصال عنه ظنا منها أنها نجحت في القضاء على مشكلاتها، إلا أنها تواجه أزمات أخرى ببعض بنود قانون الأحوال الشخصية، التي تقرر حرمانها من ابنتيها في حال زواجها من شخص آخر، ومن ثم تتصاعد الأحداث.
الفنانة المصرية صرّحت في لقاء لها مع منصة “إي تي بالعربي”، عن ارتياحها لحالة النقاش الواسعة التي أثارها المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تطرقت وناقشت حقوق المرأة بعد الطلاق، بسبب القوانين في مصر التي تعود تشريعاتها إلى سنوات عديدة قد تصل إلى 100 عام، دون تعديلها لتتلائم مع الواقع والعصر الحالي.
وأشارت كريم إلى أن المشكلات التي يناقشها المسلسل بنسبة كبيرة موجودة بالفعل على أرض الواقع، فهناك سيدات أجبرهن أزواجهن على تبرئته من جميع حقوقها عن الطلاق.
لا شك أن الشخصيات التي ذكرنا تلبي توجهات صناع الأعمال في رفع قيمة المرأة وإثبات حضورها، وإظهارها كندٍ يقف بوجه الفاسدين في الدولة ومؤسساتها من الجنس الآخر، ولكن هل ما تم تصويره يراد به تغيير المعادلة السياسية- الاجتماعية- الحقوقية؟ أم أن الأمر مجرد مادة درامية تهدف إلى جذب المشاهدين لا أكثر؟
*تلفزيون سوريا