آية لطفي: وجوه درامية مخدرة وفاقدة للتعابير

0

يحتاج المشهد الدرامي إلى عناصر مختلفة كي ينجح، ومن أهمها: الحكاية ومقومات العناصر والإخراج والتقنيات الفنية المدروسة، وبالطبع يحتاج أيضاً إلى الممثل القوي الذي يستطيع أن يعيش الدور ويعبر عنه بالشكل المطلوب، ولكن كيف يستطيع إيصال (رياكشنات) وجهه إذا كانت عضلاته المسؤولة عن هذه العملية الربانية محقونة بمادة أصابتها بالشلل؟

كيف يستطيع الممثل أن يحزن بدون ملامح الحزن؟ كيف يمكنه أن يضحك من دون أن تضحك عيناه؟ وكيف يمكنه أن يغضب ويخاف ويتفاجأ وهو فاقد لكل العضلات المسؤولة عن ذلك؟

اليوم، أصبحت المشاهد عبارة عن أحاديث وسيناريوهات تجد فيها الممثل (يتعصور) بهدف إيصال مشاعره، ولكن اسمه الفني الكبير في عالم الدراما هو من يشفع له، وشهرته هي من تجعل الجماهير يغضون الطرف عن ذلك التفصيل المهم في بعض الأحيان.

ومن جانب آخر وبعيداً عن الإحساس المفقود من اللوحات الفنية، بتنا ننظر إلى الأعمال وكأنها سلسلة واحدة. فلا نكاد نفرق بين عمل وآخر إلا بالعناوين المنسوبة إليها؛ وجوه متكررة وسيناريوهات مستنفذة، عنوانها العريض: خيانة، دعارة، استغلال، تجارة أعضاء… وبإمكانك عزيزي القارئ/ المشاهد أن تضيف من مخزونك أنت أيضاً.

وبالعودة إلى قضية التجميل، باتت الوجوه كلها ذات هوية بصرية مشتركة، فالشفاه ممتلئة وتكاد أن تصرخ، والخدود مرتفعة والأنوف محددة بالمسطرة والأسنان مصطفة ولامعة، فتجد التناقض الكبير يحكي لنا عن نفسه بوضوح عندما يكون “الكركتر” عبارة عن فتاة تعيش في مستنقع من الفقر والتعتير ولكن بقوام ممشوقة ووجه لامع! فكيف عليك أيها المشاهد أن تبرر جمال وحسن الممثل ضمن هذه الظروف التي يعيشها؟ تلك المسألة تعود إليك عزيزي المشاهد.

المسألة أضحت عبارة عن إزعاج وتلوث بصري يصيبنا كمشاهدين لفنانات وفنانين طالت وجوههم معدات أطباء التجميل وحولتها إلى مسوخ مشوهة حتى بتنا لا نفرق بين فنانة وأخرى بسبب تشابه الملامح المكتنزة بـ “الإبر” والعمليات التي حولتهم إلى كرات منتفخة الوجوه.

والتساؤل الذي يُطرح الآن: لماذا لا يحترم الفنانون أعمارهم وتاريخهم ويلجؤون بشراهة إلى عمليات التجميل؟ أليس لكل عمر حقه؟ مع العلم بأن مظهرهم الطبيعي أجمل مما أصبح عليه بعد النفخ والتجميل بل والتشويه إن صح التعبير.

نعم كل منا إن كان لديه مشكلة تحتاج إلى حل تجميلي ضمن المعقول قد يلجأ إليها، ولكن بعيداً عن المبالغة واستصغار العقول.  

في عدة مقابلات لفنانين تم عرضها سواء على التلفاز أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ولدى سؤالهم عن سر التغيير المفاجئ لوجوههم، يردّون بثقة تامة وباستخفاف بعقول المشاهدين بأن “النوم الباكر وشرب المياه بكثرة مع ممارسة التمارين الرياضية…” هو السر الكامن خلف ذلك التغيير. فيا سبحان الله كم أدّت هذه العادات الصحية إلى نفخ وشد وشفط للأجسام!

مع هذه الظاهرة المستشرية، نتساءل بصراحة متناهية ونقول: تلك الوجوه التي أخذت تظهر في الآونة الأخيرة على الشاشات والتي لم تسنح لها الفرصة بعد بعمل ورشة تجميل لملامحها، ألا نراها أقرب إلى القلب والعين وأصدق في أدائها للدور المُنسوب إليها بشكل حقيقي ومهني أكثر؟

تلك التغييرات لا تقتصر على الفنانات بالطبع، فالفنانون من الرجال بدؤوا يلجؤون إلى تلك العمليات بهدف “تجميل” وجوههم وأجسادهم، فمحال الحلاقة ونوادي الرياضة لم تعد ترضي طموحهم وتحقق أحلامهم.

وتظهر الأرقام أن السعودية تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية في عمليات التجميل التي تجرى للرجال، حيث أجريت 135 ألف عملية تجميل للرجال خلال السنوات الثلاث الأخيرة بمعدل يزيد على 100 عملية في اليوم، وتليها الإمارات في المرتبة الثانية.

وفي مقدمة عمليات التجميل تلك، تأتي عملية “تعريض الفكين” أو ما يعرف بـ (تكساس) التي راجت كثيراً في العامين الأخيرين بين الفنانين من النساء والرجال على حد سواء في العالم العربي.

في الحالة السورية، تابعنا بالتأكيد مدى صدمة الجمهور بـ “اللوك” الجديد الذي ظهر به الممثل قصي خولي في إحدى طلاته، وذلك بعد خضوعه لعملية جراحية على مستوى “الحنك” استفزّت جمهوره ومحبيه بشكل لافت. وبرر الخولي ذلك التغيير بأنه كان من متطلبات العمل الدرامي “توتر عالي” الذي أدّى فيه دور البطولة.

وأقتبس بعض ما أدلى به الطبيب المتخصص في الجراحة التجميلية “علي وهبة” من تصريحات لـ موقع “إندبندنت عربية”، قال فيها إنه خلال السنوات العشر الأخيرة حدث إقبال لافت من الرجال على عمليات التجميل، وكانت عملية تجميل الأنف أكثر الجراحات التي تجذب الرجال، في حين كانت بقية الجراحات التجميلية نادرة نسبياً. لكن وبمرور الوقت بدأ الرجال يلجؤون إلى أنواع أخرى ومنها عملية شد الجفن لمكافحة الترهل مع التقدم في السن.

أخيراً، نأمل أن تصبح ثمة عمليات متاحة لتجميل العقول، فمن واقع الحال المرير نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذه الأنواع من العمليات. فلربما نستيقظ يوماً ما على مجتمع خالٍ من وجوه زائفة وتسوده عقول نظيفة جميلة واعية تنشر الجمال والصدق من دون أي أقنعة.

*تلفزيون سوريا